ثقافةصحيفة البعث

زيناتي قدسية في “القيامة 2” على مسرح ثقافة حمص

بعد عرض مونودراما “القيامة” الذي جمعه مع الشاعر والمسرحي الراحل ممدوح عدوان أواخر ثمانينيات القرن الماضي، يعود زيناتي قدسية إلى “القيامة ٢” في عرض مونودراما يقدمه منتدى غسان كنفاني في حمص بالتعاون مع مديرية الثقافة بمناسبة الذكرى الرابعة والسبعين لنكبة فلسطين، وفي هذا العرض لا يتابع قدسية ما بدأه مع عدوان في الشراكة التي جمعتهما، والتي أثمرت عروضاً مسرحية عدة تناولت الهم العام، أبرزها إلى جانب القيامة: “الزبال”، و”الفارسة والشاعر”، و”حال الدنيا”، وغيرها، لكنه في “القيامة 2” يغلّب الذاتي على الهم العام رغم محاولته الإيهام بالرابط القائم بين الشخصي والعام كقضية واحدة ديدنها الارتباط بقضايا الوطن وهموم الناس، والالتزام بأهداف وطنية تتقدم كل الهواجس الشخصية.

لكن قدسية في عرضه على خشبة مسرح قصر الثقافي الذي قارب فيه ما قدمه أسلوباً وتجريباً مسرحياً وحواراً ولهجة، ما قدمه في عرض “أبو شنار” في الفضاء المسرحي ذاته منذ عامين، يسعى لتعزيز تجربته الناضجة في هذا المجال.

مونودراما “القيامة ٢” ربما كانت سيرة ذاتية وإطلاق مواقف سياسية ووعظية، وتوجيه رسائل اتهامية في اتجاهات متعددة من خلال شخصية الفنان الذي دُمر منزله في مخيم اليرموك على أطراف العاصمة دمشق، واضطراره لاستئجار غرفة صغيرة ملحقة بأحد الأبنية، ومن ثم إرغامه على مغادرتها بعد قيام مالكها بالاستعانة بالشرطة لطرده منها وتحويلها إلى دكان لبيع “الشيبس والعلكة”، ليعود هذا الفنان إلى حالة التشرد التي تضطره لبيع ما تبقى من كتبه لسد رمقه، ورغم كل ذلك فإنه يرفض مغادرة البلاد والاقتداء بأقرانه من فنانين استسلموا لإغراء الشهرة والمال، وتخلوا عن كل القيم والمبادئ والأخلاقيات المهنية للحاق بسطوة النجومية والمصالح الشخصية حتى ولو على حساب مصلحة الوطن الذي نشؤوا فيه.

قد يكون قدسية من أفضل من أتقن وخبر متطلبات فن المونودراما، وأدرك صعوبة تفاعل المتلقي معها، لذلك فقد خبر جيداً أدوات وأساليب تجاوز هذه المعضلة، والتغلب عليها دون أن يسمح لشخصيته أن تنقاد نحو الملمح الحكواتي المعروف في هذا المجال، من خلال قدرته على التنقل في فضاء المسرح، والتلوين في الانفعال، وأسلوب الأداء، وسرعة الاندماج في الحالة الدرامية الكوميدية والتراجيدية، واختلاق الحوارية المسرحية مع شخصيات يقوم هو بأدائها، دون أن يتخطى شروط المونولوج الذاتي.

في “القيامة ٢” يخترع قدسية جمجمة داخل كواليس المسرح الذي تعمل فيه شخصيته المحورية التي لجأت إلى أبي سالم صديقه الذي يعمل حارساً في المسرح، ليحصل فيه على أدوار ثانوية، ويجد في كواليسه مكاناً يجنبه مأساة التشرد، هذه الجمجمة هي الشخصية الوهمية التي يختلقها ويطلق عليها تسمية “البصاوي” تيمناً بلقب أحد الفلسطينيين الثائرين ضد الانكليز والصهاينة في أربعينيات القرن الماضي، وهذه الجمجمة هي التي يبث لها لواعجه وهمومه، ويوجّه من خلالها رسائله الانتقادية اللاذعة تجاه الفنان الملتزم، والفنان الوصولي، ولهذا فقد طغى الهم الذاتي في العرض على الهم العام، الأمر الذي جعل قدسية يجنح نحو الخطابة والجمل الوعظية الرنانة، ويبتعد عن الحالة الدرامية والمحاكاة المسرحية، لاسيما فشله في إخفاء شكواه من إهمال صناع الدراما لتجربته الطويلة وخبرته الكبيرة، هذا الإهمال الذي يعزوه إلى التزامه الوطني، وميوله السياسية الرافضة للمساومة على الحقوق الوطنية والقومية المبدئية، وهذا الالتزام الذي وضعه أمام تحد مهني كبير.

تسمية العرض بـ”القيامة ٢” بعد عرض “القيامة الأول” هو إشارة للتشرد الثاني للإنسان الفلسطيني بعد النكبة، وقيامته الثانية من تحت الرماد، حيث يشبه خروجه من مخيم اليرموك ودمار منزله بخروج الفلسطينيين من فلسطين، وهو ربط غير موفق بالمعنى الحرفي والمجازي رغم ما لحق بسكان المخيم من شقاء وتغريب.