ثقافةصحيفة البعث

الغزو الثقافي والتطبيع

اتفق المشاركون في الندوة الفكرية التي عُقدت مؤخراً في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة تحت عنوان “الغزو الثقافي والتطبيع”، وهي واحدة من سلسلة ندوات يقيمها المركز بإشراف الإعلامي محمد خالد الخضر، على أن الغزو الثقافي ليس هدفاً بحدّ ذاته، وأنه وسيلة لتحقيق أهداف تصبّ في خدمة العدو الصهيوني، وهو بذلك أخطر جوانب الغزو الثقافي.

وأكد د. محمد الحوراني رئيس اتحاد الكتّاب العرب في مشاركته أن التطبيع من أخطر جوانب الغزو الثقافي، وأن الحصار الاقتصادي الخانق على بلدنا ليس هدفه فقط تدمير الاقتصاد بل تدمير إرادة الشعب ليكون طيّعاً أمام الأفكار التي يمكنها اختراقه ومنها فكرة التطبيع، وأنه بغياب الوعي والثقافة والمعرفة لا يمكن تحصين شعوبنا، وبالتالي فإنّ المجتمع سيُدمَّر ولن يتمكّن من الثبات والصمود أمام ما يتعرض له، مشيراً إلى أنه وخلال سنوات الحرب كانت هناك محاولات محمومة لضرب إرادة الشعب، وقد باءت بالفشل، ولكن يبقى السؤال: هل انتهت الحرب؟ ليبيّن الحوراني أن الحرب لم تنته بل إنَّ الحرب الحقيقية قد بدأت، موضحاً أن العدو يدرك أن بعض الأنظمة العربية التي قبلت التطبيع لا علاقة لها بشعوبها، لذلك تمّ اللجوء إلى كيّ وعي هذه الشعوب من خلال الغزو الثقافي سعياً لقبول التطبيع، وكان لا بد من إحداث اختراقات تمهيداً لذلك على صعيد الأدب والفن والرياضة، وهنا يأتي دور المؤسّسات الحكومية والمجتمعية في رفع الوعي المجتمعي وتعزير روح الانتماء والتمسّك بالهوية لتحصين الأفراد ضد كل ما يمسّها، والوقوف ضد كل الأفكار والسلوكيات التي يحاول العدو تمريرها من خلال الغزو الثقافي. 

التحصين الثقافي

وأشار رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال جمال القادري إلى أننا اليوم أحوج ما نكون للتحصين الثقافي وإعادة الاعتبار للمسائل الثقافية، والقول المأثور للقائد حافظ الأسد “الثقافة هي الحاجة العليا للبشرية” يؤكد أهمية الثقافة في حياة الشعوب كونها أداة للتحصين لمواجهة كل ما هو وافد، مشيراً إلى أنّ مصطلح الغزو الثقافي بدأ ينتشر مع توحّش العولمة وإزالة الفوارق بين المجتمعات وتحويل العالم إلى قرية واحدة، وهو يقوم على سيطرة ثقافة دولة معيّنة على ثقافات الدول الأخرى، مع التأكيد على أنّنا لا نستطيع أن نرفض كل ما جلبته العولمة، فهناك جوانب إيجابية لها، لكن في حدودها الدنيا، وهناك جوانب سلبية هي في حدودها القصوى. وبيّن القادري أن الغزو الثقافي ليس هدفاً بحدّ ذاته بل وسيلة لتحقيق هدف مسح ذاكرة الشعوب وخلق قيم ثقافية جديدة بهدف سلخ هذا الجيل عن عقيدته وعروبته وانتمائه، مؤكداً أن التطبيع أخطر أنواع الغزو الثقافي الذي نتعرّض له في هذا الوقت تحديداً، وأنه لا يمكن الوقوف بوجه الغزو الثقافي في ظل وجود مئات وسائل التواصل، ليكون الحلّ هو تحصين الأبناء بقيم نزرعها فيهم وندعوهم للتمسّك بالأخلاقيات، إضافةً إلى بذل الجهود عبر وسائل الإعلام باستخدام خطاب يناسب الزمن الحالي، وتقديم تجاربَ ثقافية إعلامية تواكب تطلّعات الجيل، فضلاً عن قيام الأحزاب بتصميم برامج لأعضائها للاهتمام أكثر بالمسألة الثقافية، وكذلك المنظمات الشعبية.

اختراق تطبيعي

ورأى د. إبراهيم علّوش كباحث متخصّص في الاقتصاد أن الهدف من الحصار الاقتصادي والعقوبات الاقتصادية هو إسقاط الإنسان وحسّ سورية القومي الوطني، وتحقيق الاختراق التطبيعي من جهة والتغريبي من جهة أخرى، متوقفاً عند موضوع المصطلحات، وهي برأيه من أخطر وسائل الغزو الثقافي والتي يتمّ تمريرها في الخطاب السياسي والإعلامي والثقافي، وهي ليست مجرد كلمات فقط، بل هي نقاط مرجعية تحدّد قواعد اللعبة كمصطلح استقلال فلسطين وهو تعبيرٌ مخترق تطبيعياً لأنه يعني أن فلسطين ليست محتلة، وهو بديل عن كلمة التحرير، وأيضاً مصطلح الشرق الأوسط الذي يوحي بقبول هيمنة الغرب على المنطقة. وبيّن علوش أن وراء الغزو الثقافي مؤسّسات ضخمة تعمل وفق برامج منهجية وبخطة عمل مدروسة تمّ تطويرها في ورشات ومراكز أبحاث متخصّصة، والهدف من الغزو الثقافي إعادة صياغة الهوية بشكل بعيد عن العروبة التي يهاجمها الغرب ويحاول إسقاطها بهدف تقبّل الآخر (التطبيع)، وأن الغزو الثقافي يتركز في مسألة اختراق العقول والقلوب، وأن ما يجري في سورية من حصار اقتصادي هدفه زعزعة إيمان الناس بهويتهم الوطنية والقومية، وإن نجح هذا الأمر فيكون العدو قد انتصر حتى لو خسر الحرب العسكرية.

أمينة عباس