مجلة البعث الأسبوعية

 الصناعة الدوائية السورية…ما لها وما عليها..

دمشق _ بشير فرزان

رغم سنوات الحرب الطويلة والاستهداف المباشر للصناعات الدوائية إلا أنها  بقيت مستمرة بالعمل والإنتاج وحاضرة بقوة في السوق الدوائية التي عانت من بعض التحديات والندرة في بعض الأنواع والسؤال هنا ما واقع هذه الصناعة؟ وماهي التحديات التي تواجهها ؟

ولاشك أن الإجابة على ذلك ليست بالسهلة ولكنها في الوقت نفسه لن تكون صعبة طالما هناك الكثير من الحقائق التي تبين الكثير من الحقائق حول صناعة الدواء السورية وإذا عدنا تاريخياً إلى الوراء قليلاً، نجد أن الصناعات الدوائية في سورية بدأت في أواخر الستينات، حيث بدأت الدولة بتأسيس معملي الديماس وتاميكو وفق أحدث الطرق العلمية الموجودة آنذاك، وكان هناك امتيازات من شركات معينة ثم ألغيت في فترة لاحقة، مع الإشارة إلى أنه كان لدينا معامل صغيرة أو ورشات لصناعة الدواء لا تعتبر معامل وكان عددها بحدود ستة معامل موجودة منذ منتصف الخمسينيات، وهذه المعامل مع معملي القطاع العام كانت تؤمن 6% من احتياجات القطر من الدواء. وبعد عام 1985 وإثر الحصار الاقتصادي الذي فرض على البلد كان الإمداد الدوائي صعباً جداً،حيث وصلت تغطية السوق الدوائية في سورية إلى 18% فقط من الحاجة الفعلية، الأمر الذي دفع القيادة السياسية وبتوجيه القائد الخالد حافظ الأسد للاهتمام بالصناعات الدوائية، وبدأ الاهتمام الفعلي بتصنيع الدواء وتشجيع الاستثمار الخاص فيه لتبدأ بذلك المرحلة الثانية في تاريخ الصناعات الدوائية ودخول القطاع الخاص بقوة في هذه الصناعة وهي المرحلة الحقيقية في التصنيع الدوائي التي بدأت في عام 1987. ‏

وبدأت الدولة تمنح وتشجع ترخيص شركات الأدوية الخاصة مما ساهم في مضاعفة عدد المعامل بشكل كبير حيث وصل عددها في العام 1991 نحو 28 معملاً ثم ارتفع لنحو 40 معملاً خلال سنتين ووصل إلى 58 معملاً منتجاً في العام 2010 ووصل العدد بتشجيع مستمر من الحكومة، في عام 2018 إلى 73 معملاً قيد الإنتاج الفعلي.أي أنه وبرغم الحرب زاد عدد معامل الأدوية بنسبة 23%، مما يبرهن على الجدوى الاقتصادية والحاجة الاستراتيجية الملحة لدعم وتطوير هذه الصناعة.

كانت الصناعة تمثل قبل الأزمة أحدأبرز النجاحات في مجال الاستثمار، وكانت أهميتها تنبع من العائدات الاقتصادية المحققة ومساهمتها في تحقيق الأمن الدوائي الوطني. حيث تمكن إنتاجها من تغطية السوق المحلية بنسبة تجاوزت 85%وبذلك وفرت الدولة ما يزيد عن 800 مليون دولار سنوياً كانت ستنفق في استيراد حاجة السوق من الدواء.ووصل حجم الإنتاج600مليون دولار: 400 مليون دولار للسوق المحلية، والباقي يصدر للخارج.وتوفير فرص عمل لعمالة نوعية: أكثر من30000من الجامعيين والعمال الفنيين المهرة، مع توطين تقنيات متطورة ومفهوم الجودة الشاملة،بالإضافة إلى تشغيل القطاع الصيدلي وتنشيط الصناعات الرديفة مثل صناعة الإعلام الدوائي والكرتون والزجاج الدوائي والعبوات وغيرها،وبذلك كانت الأمثولة الأنجح للاستثمار في سورية.ووصل حجم التصدير الدوائي في عام 2010 إلى 220 مليون دولار كان من الممكن مضاعفته عدة مرات لو توفر الدعم اللازم لسياسة التصدير ولولا الأزمة الغادرة التي ألمت بسورية.

وأكثر ما يميز أهمية الصناعة الدوائية السورية، الوطنية بامتياز، دورها المشرف خلال الحرب الظالمة على سورية، حيث حافظت على أسعار ما قبل الأزمة لمدة أربع سنوات رغم تغير سعر الصرف للقطع الأجنبي بنسبة تجاوزت في تلك الفترة 400%. وكان ذلك كله بمبادرة ذاتية من معامل الدواء التي أصرت على استمرار الإنتاج برغم الظروف القاسية بالنقل وتدمير خطوطها وسرقة آلاتها وموادها الأولية. وكان العاملون في هذه الصناعة يشعرون بأنهم بالخطوط الأولى في المعركة، فأعداؤنا يحاربوننا بغذائنا ودوائنا بالدرجة الأولى. ولاحظ المواطن العربي السورية أن سورية خلال الأزمة لم تعاني من أزمة دواء حقيقية، وربما كان هناك فقدان لبعض الأسماء التجارية ولكن دائماً كان يتوفر لها بديل بنفس التركيب ولكن بأسماء تجارية أخرى، فسياسة الدواء في سورية اعتمدت منذ بداية التسعينات وجود من 7-10 بدائل دوائية بنفس التركيب لتأمين حاجة السوق المحلية.

حالياً يمكننا القول أن الصناعة الدوائية هي قوة اقتصادية موجودة في البلد وقطاع مهم أساسي في تحقيق السياسة الصحية، والدواء كأي سلعة يعتمد تصريفها على المنتج والمستهلك، والمستهلك هنا هو المريض والطبيب والصيدلي وبالتالي فتصريفها يعتمد على قناعة الزبون بالسلعة أولاً، وفي نفس الوقت السلعة الدوائية تختلف عن أية سلعة أخرى لأنه يفترض أولاً أن تمتلك المواصفات والمقاييس المقررة والتي لا تنازل عنها وهذه المواصفات ليست محددة محلياً أو وطنياً وإنما تحدده مواثيق عالمية موحدة ومعتمدة تسمى دساتير الأدوية. دساتير الأدوية هذه تحدد المواصفات المطلوبة لكل دواء ولكل مادة أولية تدخل في تركيبه، وسورية ليست استثناء لذلك فوزارة الصحة والجهات الرقابية ومعامل الأدوية كلها تعتمد الدساتير العالمية للأدوية.

فعالية الدواء السوري

منذ بدأت صناعة الدواء السورية تثبت وجودها على خارطة العلاج في سورية، وبدأت بالتصدير للخارج وأصبحت صناعة منافسة بقوة للكثير من الصناعات الدوائية العربية التي سبقتها بسنوات عددية، والإعلام المضاد لها يحاول كل جهده الإساءة إلى فعالية منتجاتها ومحاربتها اقتصادياً،وتمثل ذلك بمحاربة الشركات الأجنبية ووكلائها للمنتجات المحلية، لأن المنتج المحلي سيعني إيقاف استيراد الأدوية من الخارج ومنافسة المنتجات السورية لها في الأسواق الخارجية كما أن مستوردو الأدوية بصورة عامة ولنفس الأسباب السابقة،حيث أن الاستثمار في استيراد الدواء ذو عائدية أكبر للمستثمر، وطريقة تسعيره لا تخضع لقواعد وزارة الصحة فهي واقعية وحسب فاتورة الشراء وسعر الصرف الآني. وكذلك يمتلك الاستيراد دورة رأس مال سريعة. ولكن بنفس الوقت لا يؤمن تشغيل عمالة ولا يوطن تكنولوجيا ولا يساهم فعلياً في تحقيق الأمن الدوائي ويسبب خسارة للبلد باستهلاكه القطع الأجنبي الذي يمكن أن يخصص لمشاريع التنمية وهناك ايضاً ما يتعلق بأسباب سياسية تتعلق بمحاربة أي نهضة صناعية وطنية كجزء من الحرب الاقتصادية و أسباب أخرى تتعلق بالأمن الدوائي، لأن توفر منتج دوائي محلي يعني تحييد أي ضغوط سياسية تستخدم توريد الدواء كسلاح لهذه الضغوط، وبالتالي محاولة إضعاف الموقف الوطني السوري إضافة إلى أن البعض ولأسباب شخصية اتفقت مواقفهم مع مواقف الآخرين في محاربة الدواء الوطني وخاصة أولئك الذين لا يستطيعون معالجة أنفسهم والتحرر من عقدة “الفرنجي برنجي”ويفضلون ويحرضون على استخدام الدواء الأجنبي دون الاستناد إلى أي دليل علمي مثبت بالوقائع والبراهين.ويأتي ضمن هذه الزمرة البعض من الأطباء والصيادلة الذين يحاربون الدواء الوطني ولكلٍ أسبابه…فالطبيب يرى أنه بوصفه دواء أجنبياً يصبح تصنيفه خمس نجوم، والصيدلي ينصح به المريض على أساس أن الدواء الوطني غير فعال بسبب نسبة الربح غير المحددة والعالية للدواء الأجنبي، وبصورة عامة يكون هذا الدواء مهرباً.

إن إقرار فعالية الدواء من عدمها أو حتى انخفاض الفعالية يتطلب مقاييس علمية معتمدة، ولا يمكن للمريض أو الصيدلي في صيدليته أو الطبيب في عيادته أن يقرر إن كان الدواء فعالاً أم لا إلا بالاستناد إلى قرائن علمية تعتمد أساساً على القواعد المتبعة عالمياً لإجراء الدراسات السريرية، ويكون الإحصاء أساساً لها بعد ضبط شروط المقارنة وعينات المرضى الذين تتم متابعتهم. وباعتبار أن الأدوية المصنعة في سورية أدوية جنيسة، وليست براند(أصيلة)فإن طرق مراقبة الأدوية الجنيسة تستند إلى معايير قياس مخبرية هي:

  • دراسة كمية المادة الفعالة في المستحضر
  • دراسة الإنحلال والتفكك
  • دراسة الصفات الفيزيائية
  • دراسات الثبات
  • إضافة إلى دراسة مطابقة المواد الأولية للمواصفات المعتمدة دستورياً

هذه الدراسات تجري على الأدوية السورية كافة بمستويين: المعمل المنتج ومخابر وزارة الصحة المركزية قبل السماح بتسويق المستحضر، ووزارة الصحة لا تسمح بالتسويق إلا بعد تحليل ورقابة تحضيرتين من المستحضر وكل تحضيرة من الأدوية الحقنية والعينية والهرمونية والقلبية والنفسية، ويتبع ذلك برقابة عشوائية تجري للمستحضر خلال فترة تواجده على الرف بالمستودعات والصيدليات طوال فترة صلاحيته المقررة.

ومع ذلك تتبع وزارة الصحة نظام متابعة للصنف بحيث يتم تقصي أي شكوى عن أي مستحضر وتتابع مع المعمل المنتج لتلافي أي خلل في حال حدوثه. والسؤال المطروح ما هي الشكاوي المسندة بالبرهان عن فعالية الأدوية السورية؟ لا يوجد أي منها اللهم إلا تلك التي تنشر في الشارع لقوننة وشرعنة وجود الأدوية المهربة..؟.

محددات فعالية الدواء:

يجب أن تناقش قضية فعالية الدواء بأسلوب علمي منهجي باعتبار أن صناعة الدواء صناعة تعتمد على العلمScience Based Industry. ففعالية المنتج الدوائي تتعلق بعوامل عدة، أي منها يؤثر في فعالية الدواء : زيادة أو نقصاناً. هذه العوامل:

  • نوعية المادة الأولية:يجب أن تكون مواصفاتها مطابقة لما هو معتمد في دستور الأدوية من حيث النقاوة ونسبة الشوائب ومواصفاتها الفيزيائية وثباتها
  • التشكيل الدوائيFormulation – وهو تحويل المادة الأولية إلى الشكل الدوائي الذي يتناوله المريض: و يجب أن يحقق و يؤمن تحرير المادة الفعالة داخل الجسم بالمكان والزمن المقصودين
  • التوافر/التكافؤ الحيوي: Bioequivalence باعتبار أن جميع أدويتنا المصنعة محلياً هي أدوية جنيسة، أي مماثلة لمشابهات عالمية، يجب أن تكون قادرة على إيصال تركيز المادة الفعالة في الدم إلى مستوى مشابه لذلك الناتج عن الدواء الأصيل.
  • حالة المريض: ويقصد بها الحالة الصحية للمريض وخاصة وظائف الكبد والكلي أي الوظائف المسؤولة عن امتصاص الدواء واستقلابه وإطراحه.
  • التشخيص الدقيق–ترتبط نوعية العلاج بالتشخيص الدقيق للمرض وخاصة ما يتعلق بالإصابات الجرثومية والفيروسية.
  • ترشيد استهلاك الدواء : من المعروف أن الإسراف في استهلاك المضادات الحيوية يؤدي إلى مقاومة الجراثيم للمضادات الحيوية، وخاصة إذا لم تكن هذه المضادات نوعية للجرثوم المستهدف.
  • التداخل الدوائي والغذائيويلاحظ أن القلة من المرضى وبعض الأطباء لا يعيرون اهتماماً للتداخلات الدوائية والغذائية مع فعالية الدواء والمعلومات الخاصة بذلك تتحدث باستمرار ولا بد من تركيز برامج التعليم المستمر والبرامج التعليمية في الجامعات التركيز على الأحدث من المعلومات في هذا المجال.
  • مدى التزام المريض بتعليمات الطبيب المعالج من حيث مشاركة الأدوية و توقيت الجرعات العلاجية.

مما سبق يتبين لنا أن العوامل الثلاث الأولى فقط تتعلق بالمصنع، أما بقية العوامل فتتعلق بالطبيب المعالج والمريض ومدى التزامه بنظام العلاج.

فيما يتعلق بالمادة الأولية فلا يتم استيراد أي مادة إلا إذا كانت مطابقة للشروط الدستورية، ولدى إنجاز التشكيل الدوائي يدرس ثبات الشكل الصيدلاني ولا يتم تحرير تحضيراته الأولى إلا بعد رقابته مركزياً في وزارة الصحة وتتم متابعته طوال فترة الصلاحية على الرف في الصيدليات. وهذا لا يعني أن أنه لا يتم اكتشاف حالات تستوجب سحب الدواء من السوق لتغير مواصفاته أو ضعف في ثباته. والسحب من السوق لبعض الأصناف هو ظاهرة قوة للصناعة وليست ظاهرة ضعف لأنها تعني المتابعة والرقابة من المعمل المنتج ومن الوزارة.

فقدان الأدوية المرخصة من السوق المحلية:

مرت في عامي 2015-2016 فترة فقدت فيها بعض الأدوية من السوق المحلية نتيجة تغير سعر الصرف بنسبة تجاوزت 400% دون تعديل سعرها مما أدى إلى خسارتها وعدم إمكانية استمرار إنتاجها، ولدى صدور قرارات مجلس الوزراء بتسوية الأسعار أعيد إنتاج هذه الأدوية وأصبحت متوفرة في السوق المحلية، مما يستوجب نقص قائمة الاستيراد بما يتناسب مع ذلك. بالرغم من أنه ما زال هناك حوالي 35% من الأدوية لم يتم تسوية أسعارها وهي معرضة للتوقف إذا لم يتم تسوية أسعارها وفق القرارات الصادرة عن رئاسة مجلس الوزراء في شباط 2017.ولكن حالياً، وحسب الاحصائيات الرسمية لا يتعدى فقدان الأدوية المصنعة محلياً، ببعض الأسماء التجارية، نسبة 1% مع وجود بدائل بنفس التركيب.

مع أخذ العلم بأن الدولار التسعيري في وزارة الصحة هو 477 فقط أي يقل بنسبة 30% عن سعر الدولار الفعلي وهذا يعني خسارة المعمل 30% من سعر مادته الأولية قبل الإنتاج وهذا معادل تماماً للنسب المقررة قانوناً لربح المعمل وتوزيع المنتج والدعاية له(14% ربح المعمل و8% توزيع و8% دعاية).

تهريب الأدوية:

يعتبر لبنان المصدر الرئيسي لتهريب الأدوية إلى سورية، وتبلغ قيمة مستوردات لبنان من الأدوية مليار دولار سنوياً وباعتراف الجهات المسؤولة عن الاستيراد في لبنان بأن نسبة 30% مخصصة لسورية وترد تهريباً. هذا يعني أن سوقنا الدوائية تخسر ما يعادل 300 مليون دولار قيمة أدوية ترد تهريباً لسورية،بأسعار باهظة ومصادر مشكوك بها، وتستخدم أساساً لمحاربة إنتاجنا المحلي. وتندرج قائمة المستفيدين من هذه الحصة من التهريب من الموردين في لبنان إلى المهربين والموزعين الكبار والصغار في سورية

الاستثمار في ضمان جودة الدواء:

لا يعتبر الدواء سلعة كبقية السلع ولا يجب أن يعامل كأي سلعة تجارية أخرى، فهو سلعة يجب توفرها عند الحاجة بالجودة المطلوبة ولا يمكن التنازل عن مواصفاتها.فهي ليست سلعة كماليةوإنما الأداة الأهم بعلاج الأمراض. ولذلك نجد أن أدوات ووسائط الإنتاج والرقابة يجب أن تتصف بميزات محددة عالمياً.والاستثمار في ذلك يعتبر استثماراً في جودة الدواء. ولا يمكن أن نجبر المعمل ولأسباب دعائية أو سياسية على خفض الاستثمار في الجودة.من المعروف أن سعر الدواء السورية كان ولا يزال من أرخص الأدوية في المنطقة،ولكن السعر الرخيص جداً غير المبرر هو ظاهرة سلبية وليست إيجابية في صناعة الدواء: ففي معظم الحالات يجبر المعامل على البحث عن طرق لخفض التكلفة والدواء الرخيص يكون غير مقنع للمريض والطبيب بأنه مماثل لمثيله الأجنبي لأن فرق السعر لا يمكن قبوله بأنهما متماثلان بالفعالية، ويضطر المعمل للبحث عن مصادر أرخص للمواد الأولية ومستلزمات الإنتاج.كل ذلك في النهاية يؤدي إلى إحباط عمليات البحث والتطوير الملزمة للصناعة الدوائية.

وبالمقارنة بين معامل الأدوية السوريةنجد أنها جميعاً تحقق المتطلبات المقررة من وزارة الصحة، ولكن العديد منها تجاوز هذه المتطلبات ليصبح متوافقاً مع الشروط المطلوبة عالمياً وخاصة للأصناف الحديثة ولتلبية طلبات التصدير. وفي هذا السياق تأتي فلسفة السعر الموحد للمنتج وآثاره السلبية على تميز الدواء. صحيح أن جميع الأدوية تحقق المواصفات المطلوبة وهي المحددة في دستور الأدوية، ولكن الاستثمار في الجودة والبناء والعناصر البشرية يعطي أفضلية تميز بعضها عن الأخرى، ولا بد من لحظ ذلك لدى حساب التكلفة والتسعير. ولقد تضمنت قواعد التسعير المعتمدة من رئاسة مجلس الوزراء بأن يسعر الدواء المنتج بتكنولوجيا متميزة سعر التكلفة الفعلي على أن لا يتجاوز السعر النهائي 50% من سعر الدواء الأصيلBrand.

بالمقابل نرى أنه لا بد من التدقيق المستمر بمستوى تطبيق شروط التصنيع الجيد للدواء ومعايير الجودة وتطبيق أقصى الإجراءات بحق المخالفين، لأن أي إساءة من أي منتج هي إساءة للصناعة ككل.

والغريب أن الكثيرين ممن يتحدثون عن صناعة الدواء وفعاليته، ليسو على اطلاع حقيقي واقعي بمدى تقدم الصناعة الدوائية والتقنيات المستخدمة التي تم توطينها، ونوعية البناء ومواصفاته الخاصة بهذه المعامل التي لم تكن معروفة في سورية قبل صناعة الدواء السورية.

هل المطلوب تشريع التهريب؟؟:

من الملاحظ أن الاستقصاءات بين بعض الصيادلة والأطباء تفوح منها رائحة قوننة وتشريع وتبرير وجود الدواء المهرب.هذه الظاهرة التي أصبحت شائعة رغم خطورتها الكبيرة على صحة مواطننا واقتصادنا الوطني.

فكل دواء مهرب يعتبرمزوراً لأنه لم يدخل البلاد بصورة شرعية ومشكوك بمصدره وغير مسيطر على سلسلة شحنه وتوريده.وبالتالي هناك جهل تام بجودته ونوعيته ومحتواه من المواد الفعالة. وقد يدعي البعض بأنه لا توجد أدوية مزورة في السوق السورية، ولكن القاعدة العلمية تقول أن كل دواء مهرب هو مزور. ويمكن تبويب مخاطر الدواء المهرب/المزور بما يلي:

المخاطر الاقتصادية

وأهم المخاطر الاقتصادية التأثير السلبي على الصناعة المحلية محاربة المنتج المحلي والإساءة إليه و محاربة توفر فرص العمل للأيدي العاملة و تضييق ظروف الاستثمار و التهرب الضريبي.

المخاطر الصحية

إن المنتجات الدوائية والصحية المتواجدة في السوق بشكل غير نظامي، غير شرعي  مجهولة المصدر وبالتالي لا يمكن ضمان الجودة ومتابعة المحاسبةوالرقابة.فإما أن تكون هذه المنتجات دون المواصفات أو مخالفة للشروط الصحية من حيث طريقة التصنيع أو شروط النقل والخزن والتوزيع،أو تحوي مواد ضارة أو سامة أو لا تحوي مواداً فعالة.

إضافة للأسباب التي ذكرت سابقاً حول أسباب انتشار الدواء المهرب يمكن أن يكون لغياب التواصل الواعي أو ضعفه، بين المُنتج السوري والزبون(المريض أو الطبيب أو الصيدلي)وعدم وعي المستهلك السوري للمواصفات العالية التى تتمتع بها المنتجات المحلية ومنافستها الحقيقية للمنتجات الأجنبية دور في انتشار هذه الظاهرة. ولذلك لا بد من حملة توعية متكاملة تشارك بها النقابات الطبية ووزارة الصحة وتكون معامل الأدوية المحرك لها،على مستوى الوطن تبين واقع هذه الصناعة ودورها وأهميتها الصحية والاقتصادية. ويجب أن يعي المستهلك المحلي أن دعم الصناعة المحلية هو واجب وطنيوله عائد اقتصادي ايجابي مفيد له ولعائلته.

إن صناعة كهذه وقفت وصمدت وقاتلت مع أهلها وشعبها خلال الحرب الظالمة على سورية تستحق منا جميعاً أن نقف معها ونحميها ونساهم في تطويرهابقطاعيها العام والخاص، فلكل دوره ومساهمته التي لا غنى عنها في السياسة الدوائية السورية.