أدب الأطفال… التجريب في أدب الأطفال مرفوض وأهم أدباء الطفل في العالم العربي من سورية
البعث الأسبوعية- أمينة عباس
حين سُئل الكاتب صمويل بيكيت لماذا لا تكتب للأطفال؟ كان جوابه لأنني لم أنضج بعد.. وكذلك فعل الأديب جورج برنارد شو الذي قال مرة إنه لن يكتب في أدب الطفل لأنه لم يعش طفولته، فهو غير قادر على تلبية احتياجات الأطفال في قصصه طالما هو لم يعشها.
وفي العالم العربي رفض عددٌ من الكتّاب الكبار كتابة هذا النوع من الأدب لخوفهم من عدم قدرتهم على تلبية احتياجات الأطفال، فالأديب نجيب محفوظ وعلى الرغم من حصوله على جائزة نوبل في الأدب لم يقرب هذا النوع الأدبي، في حين قال عبد الرحمن منيف: “لا أستطيع أن أكتب للأطفال لأن الكتابة للطفل مسؤولية كبرى”.
أدب الأطفال في سورية
يرى الكاتب د.هيثم يحيى الخواجة أن الحديث عن أدب الأطفال كبير وواسع جداً، وأن الكتابة للأطفال أصعب من الكتابة للكبار، وأننا في الوطن العربي نستهين بأدب الأطفال ولا نعطيه ما يستحقه من التقدير، وأنه رغم كل ما صدر من أدب ودراسات وندوات لم نرتقِ به، مؤكداً أن نسبة كبيرة من أدب الأطفال يجب أن تُحرَق لأنها لا يصلح للطفل لأن هناك من يكتب ويحكّم ويقيّم كتب أدب الأطفال ولا علاقة له بهذا الأدب الذي يجب أن يقوم على الابتكار والجِدّة والإبداع والابتعاد عن الخطابية والفجاجة والمباشرة واختيار الفكرة التي تتناسب مع رؤية الطفل الذكي الذي يعاصر المخترعات الحديثة، مبيناً أن أكبر خطاً يقع فيه أكثر كتّاب أدب الأطفال اليوم في سورية والوطن العربي أنهم يستقون قصصاً من طفولتهم، وهذا مرفوض لأن طفل اليوم مختلف عن طفل الأمس، لذلك يجب أن يكون كاتب الطفل اليوم أكثر التصاقاً بطفل اليوم ليعرف طموحاته وآلامه ورؤاه، مؤكداً أن التجريب في أدب الأطفال مرفوض لأن الطفل ليس حقل تجارب، ومن يريد أن يتصدى لأدب الأطفال يجب أن يكون متمكّناً من اللغة العربية ويعرف الكثير من علم النفس والتربية، وأن يقدم فكرة جديدة ومبتكرة وناضجة بشكلٍ صحيح، فكاتب الأطفال برأيه يجب أن يكتب الفكرة التي لم تُكتَب من قبل لأن الطفل كائن ذكي وله عالمه الكبير، كما يجب أن يأخذ الكاتب بعين الاعتبار أن هذا العصر هو عصر المخترعات، فما يعيشه الطفل اليوم وما يراه مختلف تماماً عمّا عاشه الكاتب في صغره، أما فيما يتعلق بلغة السرد الموجهة للطفل فيجب أن تكون برأي الخواجة باللغة العربية الفصيحة، وهو يرفض الدعوات شكلاً ومضموناً لجعلها باللهجة العامية لأن من أهداف أدب الأطفال أن يتزود الطفل بثروة لغوية جديدة وصحيحة، ودون ذلك فنحن نعمل على طمس اللغة العربية، مشيراً هيثم يحيى الخواجة إلى أن كاتب الأطفال يجب أن يعرف الفئات العمرية التي تنظم عمله، ولكن دون أن تكون محسومةلديه لأن بعض الأطفال يتجاوزون الفئة العمرية التي يعيشون فيها، وهذا يفرض على الكاتب أن يتوجه لكل فئة حسب ما تتمتع به على صعيد التجربة واللغة التي تتقنها،أما فيما يتعلق بالنهايات في أدب الأطفال يفضل الخواجة أن تكون نهاية مفتوحة لأنها تتيح للطفل التفكير والتأمل والبحث، متوقفاً كذلك عند موضوع الخير والشر في أدب الأطفال وأن المشكلة عند كاتب الأطفال برأيه أنه ينحاز دائماً إلى الخير وكأن الحياة التي نعيشها ليس فيها إلا الخير، وهذه قضية تتنافى مع الواقع ومسلكيات الحياة التي هي ليست أبيض دائماً وليست أسود، منوهاً إلى أن مجموعة من الأدباء يكتبون للأطفال بطريقة مبدعة، لكن الغث أكثر بكثير من السمين، والسبب في ذلك أن الذين يتصدون لأدب الطفل ليست لديهم الخبرة الكافية في هذا المجال، وأنه ورغم خصوصية ما يكتبه الكاتب السوري في أدب الأطفال إلا أننا برأيه لم نصل إلى القمة، ومازلنا نحتاج للكثير، وفي مقدمة ذلك الرقابة على النضج الفني وعلى ضرورة تشجيع ودعم كاتب الأطفال السوري من خلال استراتيجيات وخطط معينة، وتخصيص جوائز تحفيزية له، مع تأكيده على أن أهم أدباء الطفل في العالم العربي هم من سورية لأن الكاتب السوري جادّ ويملك موهبة وقدرة في الكتابة الإبداعية التي تترك أثراً طيباً لدى الطفل الذي يراه الخواجة ذوّاقاً وناقداً بحدود إمكانياته المعرفية والثقافية، مؤكداً على أن أدب الأطفال مظلوم في الوطن العربي، وتوقف عند الكثير مما يشوب هذا الأدب، حيث الكثير من الكتّاب برأيه لا يمتلكون ناصية اللغة، وهذا ما لمسه بحكم وجوده في العديد من لجان التحكيم في جوائز كثيرة تخصّ الطفل، إضافة إلى أن بعضهم لا يميز بين الفئات العمرية، ولا يلتزمون بالمعجم الخاص بكل فئة من هذه الفئات، وبعضهم لم يقرأ علمَ نفس الطفل، ولا يتحلى بالقيم التربوية والأخلاقية، إضافة إلى أن قسماً كبيراً برأيه يحاول أن يُبعد الطفل عن الواقع، وهو ليس مع من يعتقد أن الطفل يقبل بكل ما يُقدّم له، فيتساهلون في مخاطبته ولا يواكبون ما يحدث في عصره، ولا يهتمون بتقديم ما يُدهش الطفل ويثيره، ويحزنه أن بعضهم يكتب بالعامية، وهذا أمر غير مقبول أيضاً، إضافة إلى أن الكثير من الأدباء برأيه مازالوا يعتبرون أدب الطفل أقل قيمة من أدب الكبار، وهي نظرة غير صحيحة.
أدب مستباح
وأشار الشاعر بيان الصفدي إلى أنه غير راضٍ عن مشهد أدب الأطفال الذي يسوده الاستسهال والتسلّق من قبل غير المؤهلين له، وهو الأدب المستباح من قبل كتّاب لا يتقنون فنونه على صعيد اللغة الصحيحة والقيم التربوية والثقافة العامة، والمشكلة الكبيرة هي أن هؤلاء يعتبرون أنفسهم كتّاباً مظلومين لرفض أعمالهم، مؤكداً أن سورية في التجربة العربية في مجال أدب الأطفال تضم كتّاباً في طليعة الكتّاب العرب وهي في المقدمة حيث قُدمت أهم التجارب الناجحة فيها بدءاً من المؤسسين منذ نهاية القرن التاسع عشر، وصولاً إلى التجربة الحديثة التي من روادها كبار الأسماء مثل ابراهيم سلطان وعبد الكريم الحيدري، في حين أن الساحة اليوم برأيه مليئة بالتجارب الضعيفة، مشيراً إلى أن وزارة الثقافة هي أهم جهة في سورية اليوم في تقديم أدب الطفل والدراسات عنه في ظل وجود مختصّين يراجعون الأعمال الإبداعية والبحثية، مبيناً الصفدي أن المعايير الملائمة في أدب الأطفال تقوم أولاً على المعيار التربوي،فنحن نريد من خلال هذا الأدب أن نربّي طفلاًتربية إنسانية تحترم الطبيعة والقيم النبيلة بعيداً عن أي تعصّب لأن ساحة أدب الأطفال تعاني من زجّ الطفل في امور ليست له من خلال بثّ بعض القيم الخاطئة التي تؤثر على الحسّ الوطني والإنساني، وإن كنا في سورية برأيه قلما نشكو من هذا الجانب، موضحاً الصفدي أن أهم مشكلة يعاني منهاأدب الاطفال هي الوسائط التي يصل بها هذا الأدب إلى الطفل، وهي مسؤولية وزارة التربية، والسبب أن تأثير الكتاب المدرسي في منتهى الخطورة، وهو أهم أداة ثقافية لإيصال الأدب، وقد تأثر الجميع بالنصوص الرائعة التي كانت موجودة فيه، ورأى أنه ولأسباب مختلفة هو في تردّورغم كل الصيحات التي تنبه لذلك مازلنا نجد فيه القصيدة الباهتة والضعيفة التي تحوي أحياناًأخطاء في الوزن واللغة، في حين أن الطفل عندما يقرأ قصيدة رائعة في هذا الكتاب فلا أحد يتخيل الدور الجمالي والثقافي والوطني الذي تلعبه لشدة تأثيرها على الطفل، وهذا غير قائم إلا بحدود بسيطة جداً، متمنياً بيان الصفدي أن يحدث تغيير نحو كتاب مدرسي يسهم في أدب الطفل الحقيقي والجيد،مؤكداً أن ما يقدمه اتحاد الكتّاب العرب ووزارة الثقافة في مجال أدب الأطفال يدخل الطمأنينة إلى نفوسنا لأن أدب الطفل في الوطن العربي يتضمن مخاطر تربوية وإنسانية كثيرة، وطفلنا بفضل ما يقدمانه مازال بعيداً عن ذلك، فسورية في عالم الشعر والقصة والفنانين الذين يرسمون للأطفال في الطليعة ونفخر بما قدمتْ،منوهاً الصفدي إلى أن 90% مما يُنشر في الوطن العربي في أدب الطفل عبارة عن كتابات دينية يقودها أناس لا يبتغون إلا الناحية التجارية.. من هنا أكد على أن مهمة الدولة توفير الكتاب الممتاز بشكله ومضمونه وبأسعار زهيدة كما في سورية،مع إشارته إلى أن الكتاب الرخيص له ضريبة فنية لأن الناشر يضطر فيه إلى تقليلعدد الصفحات الملونة والاعتماد على أسماءغير مهمة من الكتّاب والرسامين بسبب ابتعاد الفنانين والكتّاب الكبار.
الكتابة للطفل مغامرة صعبة
ونظر د.نزار فلوح إلى الموضوع من زاوية مختلفة، حيث رأى أن واقع الطفولة سواء في مجتمعاتنا المحلية أو العربية أو في المجتمعات الأخرى وبلغة الأرقام والاحصائيات واقع مؤلم وكئيب، أنتج ثقافة وطفولة مشوهة تفتقد القدوة بالمعنى الإيجابي لتحضر القدوة السلبية والسلوكيات الخاطئة، متفقاً مع ما قاله بيان الصفدي على صعيد الكتاب المدرسي الذي يضمّ نصوصاً لا ينفعل بهاالكبار فكيف الطفل من خلال تقديمه لمجموعة من القيم المحنطة والمعلبة والجافة التي تفتقد إلى الحيوية والإثارة والتشويق وتساهم في ابتعاد الطفل عن التعليم والقراءة، موضحاً أنه لا توجد وصفة أكاديمية جاهزة لصناعة أديب يكتب للطفل لأنه يظهر كنجم موهوب لديه استعداد فطري لحب عالم الطفولة وقدرة على الاندماج مع الأطفال وقديم المتعة لهم، بالإضافة لخبرته بالمعجم النفسي والتربوي واللغوي والإنساني، مؤكداً أن أدب الأطفال يختلف عن الأدب الموجه للكبار، وهو اليوم برأيه يعاني من مشاكل كثيرة أهمها إصرار عددٍ كبير من الكتّاب على إسقاط معادلات الكبار الجاهزة على الطفولة من خلال نصوص تقوم على وعظ وتلقين وأوامر ونواهٍ بلغة لا تلامس روح الطفل بمحبة وودّولطف، إلى جانب مشكلة الاستسهال في الكتابة للطفل،منوهاً فلوح إلى أنه لدينا تجربة في سورية سنة 1979 وكانت السنة العالمية للطفل،وقد شهدت فورة من إصدارات الأطفال إلا أننا لم نجد فيها من أدب الطفل ما يستحق الذكر، مؤكداً أن الكتابة للطفل ليست مغامرة سهلة، وأنه من المؤسف أن بعض كتّابنا يمارسونها على هامش أنشطتهم، ومنهم مَن يتصدى للكتابة للطفل في غياب الموهبة وطرح معادلات قيمية جاهزة،وهناك من لهم حضور معين في مجال الأدب لكنهم يعتبرون أن الكتابة للطفل تكون في أوقات الفراغ، فينتجون أعمالاً لا تنتمي لعالم أدب الأطفال.. من هنا بيّن فلوح أننا بحاجة لمشروع وطني شامل وعملٍإصلاحي تتضافر فيه جهودُ الخبراء والتربويين والمبدعين والإعلاميين في سبيل رعاية بذرة الطفولة لتنمو إلى جانب السخاء على مشاريع حقيقية ونافعة، وتخصيص جائزة لأدب الطفل وثقافته بمعايير أدبية ومعنوية ومادية عالية، والعمل على استلهام الصالحمن الموروث الأدبي والروحي في صياغة أعمال أدبية للأطفال،مع الأخذ بعين الاعتبار مستجدات العصر والواقع، والعناية بالكتاب المدرسي ليكون كتاباً شائقاً وقريباً لنفس الطفل، داعياً لأن تصبح الطفولة قضية محورية مركزية كبرى في تفكيرنا.