ثقافةصحيفة البعث

“الدائرة السحرية”.. السينما بين الرمزية والواقعية

ملده شويكاني

مضت السلحفاة ببطء شديد على حافة النهر عكس اتجاه المياه، برمزية إلى لعبة الحظ رغم إيقاع الحياة الثابت أحياناً، إذ وظّفها المخرج فراس محمد في فيلمه القصير “الدائرة السحرية” الذي كتبه وأخرجه ولا تتجاوز مدته عشرين دقيقة- إنتاج المؤسسة العامة للسينما.

وقد عُرض ضمن فقرات مبادرة “لنقرأ” في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة بإشراف سامر شريم بحضور المخرج فراس محمد، لتكتمل مشهدية الرمزية بالتفاحة الحمراء التي كانت الحدّ الفاصل بين البداية والنهاية مثل السلحفاة.

حركة السرافيس

بُني الفيلم على الدمج بين الرمزية والواقعية، وارتبط بالمكان الأساسي جسر الرئيس بكل تفاصيله من فوق الجسر وتحته، والنهر الذي بجانبه، وحركة السرافيس الدائرة الموحية بالزمن مثل عقارب الساعة التي كان لها دور بالفيلم.

السكين في المسلخ

كما اعتمد المخرج على المقارنة قبل الحدث وبعده لاسيما من النافذة التي ترصد ومضات من حياة الجيران الزوجين فيبدوان على خلاف في البداية ثم على وفاق في النهاية، عكس حكاية وليد- علي كمال الدين- وخطيبته –مرح حسن- إضافة إلى إقحام بعض المشاهد القاسية الخارجة عن السياق الدرامي المباشر والموحية برمزية فقط مثل مشهد السكين والخاروف في المسلخ، ومشهد الجنازة الافتراضية في البداية.

وتطرق إلى الصعوبات التي يواجهها الشباب أثناء مرحلة الحب والزواج في ظل الأوضاع الصعبة التي فرضتها الحرب الإرهابية على سورية، والتي كانت حاضرة بفنية غير مباشرة من خلال صوت المذياع ونشرة الأخبار تبث خبراً عاجلاً بهجوم المجموعات الإرهابية على منطقة الدخانية، المنطقة التي يملك فيها وليد منزلاً لايستطيع إكساءَه، فيعرض والدة خطيبته مساعدته بالإكساء بعد مناقشته الماجستير.

الزنزانة والخسائر

لكن ماذا يحدث لوليد الذي ارتبطت حياته بروتين يومي دقيق “يرن المنبه في الساعة السادسة، في السابعة انتظر السرفيس وأذهب إلى الجامعة والشغل” فيوم مناقشة الماجستير يتخلى وليد أو يتناسى روتينه اليومي فيتأخر عن الجامعة ويزج به بمشاجرة، فيجد نفسه بالزنزانة لكن بتهمة أخرى بسبب تشابه الأسماء.

ومن خلال هذا الحدث المفصلي يدخل المخرج بخط درامي آخر يتطرق فيه إلى إحدى المسائل الاجتماعية التي مازالت موجودة، باستغلال النساء الكبيرات الثريات من قبل شاب وسيم، فتدخل الزنزانة سيدتان –رغداء هاشم ودينا خانكان- وتعترفان للمحقق بأنه ليس هو الشاب المطلوب.

يفرج عن وليد لكن حياته كلها تتغير وتنقلب رأساً على عقب، ترفض الدكتورة تبرير غيابه عن مناقشة الماجستير وتتخلى عنه خطيبته وتطرده صاحبة المنزل -فاتن شاهين- لتأخره بالدفع ولأنه سجن على قيد التحقيق.

الورقة الرابحة كانت تبادل مواقع الحظ بدور بائع اليانصيب الذي يكون له دور في نهاية الفيلم -حضور خاص للمخرج مأمون الخطيب- إذ يشتري وليد بطاقة ويهديها للبائع.

التخلي عن الحلم

في المشاهد الأخيرة تنتقل الكاميرا من منزل وليد إلى الشارع إلى نقطة البداية جسر الرئيس بإيقاع صامت، يوصف حالة اليأس التي أصابت وليد وقراره بالتخلي عن كل ما يربطه بالماضي، فيترك السلحفاة على حافة النهر ويرمي التفاحة من فوق الجسر لتسقط في النهر، في الوقت الذي نشاهد فيه خطيبته السابقة تحت الجسر إشارة إلى الفراق.

لعبة الحظ

وتأتي المفاجأة في المشهد الأخير، إذ يعود فراس محمد إلى لعبة الحظ، حينما يصادفه بائع اليانصيب الذي ربح الجائزة ويطلب منه أن يمضي معه بسيارته، إشارة إلى بداية جديدة تحمل جزءاً من رسالة الفيلم بأن ما يقدمه الإنسان من خير يعود إليه بصورة أخرى رغم خسائره المتتالية. كما وظّف المخرج الأغنية بجمالية رومانسية حينما أضاف إلى المشهد الحواري بين وليد وخطيبته أغنية “تجي نحلم بوضع هادي وناس رايقين”.

التكثيف والواقعية السحرية

وبعد العرض ناقش المخرج مع سامر شريم والحاضرين الفيلم، فأوضح أن الفيلم  ضمن مسار الواقعية السحرية، يرتبط بالأحداث مابين 2015 و2014 وصوّر عام 2019 وأطلق في عام 2020، وحصل على جوائز من عدة مهرجانات، منها مهرجانا صربيا وشرم الشيخ. وتابع بأن الفيلم محاولة تكثيف قدرة البطل لتكيفه مع الروتين، فكان بحالة استقبال المتغيرات لكنه عاجز عن تغييرها، وتأتي النتيجة النهائية لتنصف البطل، وعقب بأن بائع اليانصيب شخصية واقعية.

ثم أجاب عن سؤال شريم  باشتغاله على الرمزية؟

بأنه اتبعها في مرحلة تنفيذ الفيلم، لكنه وجد أن الرمزية قد تقود المشاهد إلى قراءة لا تتوافق مع وجهة نظره، إذ أراد أن يذهب بالرمز بدلالاته البسيطة، فالسلحفاة تدل على الوقت وعلى شخصية البطل القديمة، والتفاحة المتعارف عليها بعلاقة آدم بحواء، لكن في الفيلم كانت رمزية عن التخلي.

كما توقف عند مشهد الشبيه الذي رآه عند الصائغ بالمصادفة يشتري المحبس لخطيبته الفتاة الصغيرة في الوقت الذي كان يحاول فيه استغلال النساء الكبيرات كنوع من المفارقة أيضاً.

المراجعة الذاتية

وبنوع من المراجعة الذاتية يرى أنه ركز على الجانب البصري والكادر السينمائي على حساب المضمون الدرامي، وأنه لا يفكر بالاعتماد على الرمزية المطلقة وإنما على شيء من ملامح الرمزية.

تكريم

سُبق الفيلم بفقرات حوارية عن الصعوبات التي يواجهها الإعلامي مع الإعلامي وهاج عزام، وعن دور السوشل ميديا في حياتنا مع د. أيمن السواح الذي ركز على عدم الانغماس الكلي بوسائل التواصل الاجتماعي وإنما الاختيار للإيجابيات التي تبث الطاقة والتفاؤل.

وتم تكريم المخرج فراس محمد والدكتور أيمن السواح بتقديم درع المبادرة لهما من قبل فريق العمل.