دراساتصحيفة البعث

تعبئة جزئية تقلب الموازين

ريا خوري

نتيجة للتصعيد المتزايد من قبل الغرب الأمريكي- الأوروبي،  والدعم اللا محدود لأوكرانيا وجيشها، ونتيجة للبروباغاندا الإعلامية الغربية ضد روسيا، اتخذ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قراراً بإعلان التعبئة العسكرية الجزئية في سياق تطورات العمليات العسكرية في أوكرانيا، وحجم الحشد، والدعم العسكري والمالي الغربي لأوكرانيا، إضافة إلى تصعيد الأهداف الأمريكية والغربية الأوروبية بتسعير الحرب وصبّ الزيت على النار.

الواضح تماماً أن القيادة الروسية تعمل تكتيكياً في خدمة الاستراتيجية المرسومة، وتبحث عن التكيّف مع المستجدات الجديدة التي تفرضها طبيعة الصراع الدائر هناك، فيما لا يبدو من الجانب الآخر الغربي، بقيادة الولايات المتحدة، سعي للجم الصراع أو إنهائه، وإنما مزيد من العمل لاستنزاف الجيش الروسي ومحاولة إلحاق الهزيمة به، وبالتالي زعزعة الأوضاع الداخلية، على أمل إعاقة خطوات روسيا في إقامة نظام دولي جديد متعدّد الأقطاب، تأمل منه روسيا تحقيق العدالة والمساواة الدوليتين.

الواضح تماماً أنّ ردود الفعل الأمريكية الغربية على القرار الروسي تشير إلى أمرين اثنين: الأمر الأول، الخوف الكبير من مفاعيل واستحقاقات القرار على سير المعارك مستقبلاً، لأن الجيش الروسي القوي سيتمكّن دائماً من الإمساك بزمام المبادرة في حالة التعبئة، وزجّ مزيد من القوات العسكرية في ساحة المعركة بما قد يقلب المعادلة الحالية رأساً على عقب، ولذلك اعتبرت بعض الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة أن هذا القرار يمثل تصعيداً خطراً ومقلقاً.

والأمر الثاني، أن بعض الدول الغربية الأخرى ترى فيه دليلاً على مؤشر ضعف الجيش الأوكراني، ما يستدعي ضخ مزيد من الدعم العسكري لأوكرانيا، لتمكينها من تحقيق أي شكل من الإنجازات العسكرية الممكنة.

جميع المراقبين والخبراء العسكريين والاقتصاديين الاستراتيجيين في العالم يؤكدون أن الحرب في أوكرانيا تدخل الآن مرحلة جديدة وخطرة للغاية، فالتعبئة العسكرية الروسية التي جاءت رداً على تصعيد دول الناتو، وإصرار البعض على تأجيج الحرب بمزيد من السلاح والدعم المالي، قد يشكلان فصلاً أولياً من حرب مدمرة سيتسع مداها وتتشابك أدواتها، والأسلحة الخطيرة المستخدمة فيها، خاصة وأن روسيا لن تسمح بأن تهزم، والدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، مصمّمة على المضيّ فيها لتحقيق أهدافها ومراميها.

في حقيقة الأمر، إنّ الصراع الحاد الذي تطوّر من مواقف متناقضة ومتشابكة وتهديدات مستمرة ورسائل سياسية، إلى عملية عسكرية، وحرب اقتصادية مفتوحة على مصراعيها، يأخذ اليوم شكلاً آخر، في عالم تتجاذب أطرافه مصالح دول كبرى قوية.