مجلة البعث الأسبوعية

جميع الجهات شاركت بوضع لبنته الأولى “البعث الأسبوعية” تنشر مسودة التعريف الخاص بالمشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة

 

البعث الأسبوعية – المحرر الاقتصادي

في وقت لا يزال قطاع المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة يحبو بخطى متثاقلة لاعتبارات طالما تم تسليط الضوء عليها بأكثر من مناسبة يتصدرها التمويل بالدرجة الأولى، يبرز عدم اعتماد معايير واضحة لهذا النوع من المشاريع لتنظيمها وتأطيرها حسب ماهية القطاعات التنموية كعائق آخر يحد من توسع رقعتها، ولعلّ آخر ما حرر في هذا السياق الاشتغال الملحوظ من قبل وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية ممثلة بهيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة،لجهة إيجاد تعريف وطني لهذه المشروعات ليكون مرجعاً للجهات المعنية كافة، وإطار عمل لتنفيذ برامج متعددة تهدف لتطوير المشروعات، وليشكل لغة مشتركة يجمع عليها أصحاب العلاقة والشركاء الإستراتيجيون الذين يمارسون أعمال وأنشطة تنظيم وتنمية دعم المشروعات.

حوار واسع

مدير عام هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة إيهاب اسمندر بيّن لـ”البعث الأسبوعية” أن وزارة الاقتصاد أطلقت حواراً واسعاً بين الجهات الأكثر صلة، الحكومية منها وغير الحكومية نتج عنه وضع مسودة تعريف خاص بهذه المشروعات، يأخذ بعين الاعتبار مجموعة من المعايير التي تتناسب مع الحالة الاقتصادية وتتمايز فيما بينها قطاعياً “زراعي – صناعي – تجاري – خدمي”.

مسار تنفيذي

وعرضاسمندررحلة المسار التنفيذي لهذا الحوار الذي بدأ بالاجتماع مع الوزراء نهاية العام 2021، تلاه تشكيل فرق عمل بداية العام 2022، ثم اجتماع رئيسي مع هذه الفرق، وعقد ورش تخصصية بمجال الصناعة والزراعة والتجارة والخدمات، وصولاً إلى مخرجات عمل في مجال تعريف المشروعات وقواعد البيانات.

وأضاف اسمندر أن 48 جهة من وزارات وجهات عامة واتحادات ونقابات ومصارف قامت بتسمية ممثليها ضمن فرق العمل، وتم عقد اجتماع مع كافة الممثلين لعرض المسار التنفيذي للعمل والمخرجات المتوقعة منه، تبعه عقد 14 ورشة عمل تخصصية، وذلك من منطلق كون التعريف يمثل الأساس المشترك الذي ينبغي التوافق عليه من كافة الجهات المعنية بالقطاع، ما استدعى بالتالي مشاركة هذه الجهات في عملية بنائه من اللبنة الأولى.

لم تغفل أية فكرة

وأشار اسمندر إلى أنه تمت مراعاة أن تسير عملية البناء وفق خطوات متتالية استخدمت فيها الاستمارات كأداة مساعدة على تأطير النقاشات والمداخلات وإسهامات المشاركين، وتصويبها مباشرة نحو الهدف المرحلي المطلوب، كما أن تعدد الجهات المشاركة وتنوع خلفياتها انعكس على الآراء والأفكار والطروحات الواردة خلال مختلف محطات العمل، وتم توظيفها وعدم إغفال أية فكرة فيها أو طرح مقدم مهما صغرت مساهمته.

ثلاثة معايير

وأكد اسمندر أنه تم التوافق خلال الجلسة الأولى للورش التخصصية في المجالات الأربع على ثلاثة معايير أساسية يجب التركيز عليها في عملية التصنيف “عدد العمال – قيمة المبيعات – رأس المال المستثمر للقطاعين الصناعي والخدمي، ويستثنى منه الأراضي في القطاع الزراعي والثابت في القطاع التجاري”، مشيراً إلى أن المعايير الفرعية التي تم التوافق عليها ترتبط بفهم السمات المميزة للمشروع وأنها ستظهر في نظام إدارة معلومات متكامل.

مؤشر تصنيف

وخلصت مخرجات العمل – بحسب اسمندر- إلى مسودة دليل تعريف المشروعات -وفق الجدول المرفق- وذلك بموجب مؤشر تصنيف إحصائي مركب يقوم بدمج المعايير الأساسية المعتمدة لتصنيف المشروعات آخذاً بعين الاعتبار الأهمية النسبية لكل منها، موضحاً أن اعتماد هذا التصنيف يحيّد عامل الاختلاف في وحدات القياس المستخدمة “وحدة عد لعدد العمال – وحدة نقدية لقيمة المبيعات لرأس المال”، ولتخفيض مستوى قياس المعيار من المستوى النسبي إلى المستوى الفئوي بما يتيح إمكانية التعامل مع القيم السالبة والصفر.

وأضاف اسمندرأن هذا المؤشر يتيح إمكانية إجراء المقارنة بين المشروعات الواقعة ضمن ذات لتصنيف “مثال: مشروعان يقع كلاهما ضمن تصنيف الصغير”، وتمكين صانعي القرار من تصميم البرامج الاستهدافية لشريحة محددة من المشروعات الواقعة عند عتبة معينة في تصنيف معين، وتصنيف المشروع بشكل آلي من خلال ربط المؤشر بقاعدة البيانات، فضلاً عن المرونة من خلال إمكانية إضافة معايير نوعية تساعد بتصنيف المشروعات المحدودة ضمن نطاق المشروعات متناهية الصغر، إضافة إلى محاكاته لمؤشر التنمية البشرية المعتمد لدى الأمم المتحدة.

وأكد اسمندر أنه تم إرسال هيكلية الدليل المقترحة إلى كافة المشاركين قبل يومين من انعقاد الجلسة الرابعة للورش التخصصية ليتم التحضير للحوار حولها، وتم توزيع الاستمارة مرة أخرى بعد الحوار وتم التوافق على البنود الواردة في دليل تعريف المشروعات، مشيراً إلى إجماع المشاركون في الجلسة الثالثة للورش التخصصية في المجالات الأربع على ضرورة وجود قاعدة بيانات تعتمد على التصنيف الدولي للأنشطة الاقتصادية، وتتضمن المعايير الأساسية والفرعية، وسيتم وضع مسار تنفيذي بنظام إدارة معلومات متكامل.

الحلقة الأصعب

بانتظار إصدار دليل التعريف النهائي للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، يبقى التمويل هو الحلقة الأصعب في سلسلة حلقات تنمية المشروعات وهو أكبر تحديات الهيئة التي عملت على إنجاز كل الحلقات وبتقنية عالية جداً، من تدريب وتأهيل ودراسات جدوى ومتابعة وإقامة دورات فنية..الخ، خاصة عندما كانت السلسلة مكتملة أيام مكافحة البطالة حيث خصصت الحكومة أموالاً للهيئة لتمويل المشروعات عن طريق المصارف، ولكن بعد دخول المصارف الخاصة عام 2003 إلى القطر ارتأت الحكومة أن تأخذ المصارف دور التمويل، وأثبتت هذه الرؤية فشلها لأن المصارف تمول بشروط مصرفية بحتة، إلى جانب أنها تتخوف من تمويل هذا النوع من المشروعات وما ينتابها من مخاطر، فالمصرف يفضل –على سبيل المثال- تمويل مشروع كبير بقيمة 500 مليون على أن يمول عشرة مشاريع كل واحد بقيمة 50 مليون، لاعتبارات تتعلق بالملاءة المالية والمقدرة على السداد ونجاح المشروع.

دعم لابد منه

وفي ذات السياق تجدر الإشارة إلى ضرورة إعطاء الأهمية اللازمةلدعم هذه المشروعات والذي تقوم به حالياً وزارة الاقتصاد، والتركيز على إعطاءها المزيد من التسهيلات والتفضيلات لتكون شريك حقيقي في عملية إعادة إعمار سورية لما تمثله من حصة ذات قيمة مضافة في الاقتصاد السوري من خلال نسب التشغيل للقوى العاملة الموجودة حالياً، بالإضافة إلى المزايا النسبية التنافسية التي تتمتع بها.

ولا يجوز أن يغيب هذا الأمر إعطاء أولوية عالية للاستثمار في القطاعات الإنتاجية الزراعية والصناعة التحويلية والبنى التحتية والتنمية البشرية بما فيها التعليم والصحة من خلال إعداد الأطلس الجغرافي الخاص بالفرص الاستثمارية ضمن أولويات الإطار الوطني للتخطيط الإقليمي، وإعطاء الأولوية كذلك لدعم الصناعات الحرفية والتراثية لما تمثله من قيمة مضافة للاقتصاد السوري وقيمة عريقة تاريخية.

صورة نمطية

على اعتبار أن بلدنا زراعي بالدرجة الأولى، فمن الطبيعي أن يكون التوجه نحو المشروعات الزراعية والصناعات الزراعية، وبالتالي يفترض أن يلعب المصرف الزراعي دوراً كبيراً في هذا الشأن لكونه المصرف الوحيد الذي يمتلك الخبرة في تمويل المشروعات الزراعية، ولديه عدد كبير من الفروع المنتشرة في الأرياف البعيدة، ويتوقع أن يكون له دور في تنفيذ برامج التمويل البالغة الصغر، وبالتالي تغيير الصورة النميطة المأخوذة عن هذه المشروعاتبأنها باتت مجرد “إتيكيت اقتصادي” لابد من تناوله أو التطرق إليه في المحافل والملتقيات الاقتصادية، بغض النظر عن متابعة تجسيد هذا المكون الاستراتيجي والحيوي على أرض الواقع، وأنها إلى الآن لم تحظ بالاهتمام الفعلي المطلوب من الجهات المعنية، رغم كل التأكيدات الرسمية وغير الرسمية ومن أعلى المستويات لضرورة دعمها وتأمين جميع متطلباتها اللوجستية!.

حيثية مهمة

أمام هذا العرض لابد من الحديث عن حيثية مهمة وعامل مساعد لتعزيز واقع هذه المشروعات، وتتلخص باختصار بثقافة العمل الحر، والتي لا تزال محدودة جداً في بلدنا، فمعظم الشرائح تفضل العمل في كنف القطاع العام، لكونه يؤمن راتباً شهرياً لا ينقطع مدى الحياة وإن كان محدوداً ولا يتناسب مع تأمين متطلبات المعيشة اليومية، فالثقافة السائدة ورغبة الباحثين عن العمل بالحصول على فرصة عمل لدى القطاع العام وعدم الرغبة بالعمل لدى القطاع الخاص تؤدي إلى عدم إمكانية تلبية جميع الشواغر المعلنة لدى الشركات الخاصة الموقعة على اتفاقيات تدريب من أجل التشغيل المضمون مع الهيئة، وهذه تعتبر أحد المعوقات لانطلاق عجلة المشروعات الصغيرة والمتوسطة.

أخيراً…

ما سبق يحتم ضرورة وجود مبادرات فعالة وخطوات جادة لإنعاش المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة وبثها ضمن مفاصل اقتصادنا الوطني، وترسيخ ثقافة العمل الحر، وتطوير برامج هيئة تنمية المشروعات وذلك من خلال إحداث صندوق لتمويل هذه المشروعات يرتبط بالهيئة، وتستطيع من خلاله منح التمويل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر بشروط تحفيزية، أو بدعم أسعار الفوائد للقروض اللازمة لهذه المشروعات، ومنح المشروعات الممولة عن طريق الهيئة ترخيصاً مؤقتاً (أو إذناً بالعمل) لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات، والإعفاء من الترخيص الإداري خلال هذه الفترة، إضافة إلى تخفيض رسوم التراخيص التي تستوفى من المشروعات الصغيرة والمتوسطة والبالغة الصغر،  إلى جانب إعفاء المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر من الضرائب بجميع أشكالها خلال السنوات الثلاث الأولى من عمر المشروع، وتخصيص جزء من الأراضي الشاغرة المتاحة للاستثمار في المناطق الصناعية والسياحية والحرفية لا تقل عن 10 % لإقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة وبسعر التكلفة.