مجلة البعث الأسبوعية

الخيل والفروسيّة… جمال وأصالة وسبق

البعث الأسبوعية- محمد غالب حسين

الفرس الأصيلة الكريمة خليلة العربي في حِلِّه وترحاله، يرعاها كما الأثير المدلل من أولاده، ويتباهى بها نسباً وجمالاً وأصالة لأنها الوفيّة الجميلة المحببة إليه، لا تخذل ولا تخون.

فالجواد العربي من سلالات الخيول الخفيفة في العالم برأسه الدّقيق المميز، وذيله المرتفع، ويسهل التعرف عليه عبر العالم، وهو واحد من أقدم سلالات الخيول.

وتُرجّح الأدلّة الجينية أن أصول الخيول العربية تعود إلى 4.500 سنة، فمنذ قديم العصور عاشت الخيول العربيّة في الجزيرة العربية، وانتشرت في باقي بلدان العالم إمّا عن طريق التجارة أو الحروب، كما استخدمت الخيول العربية للتناسل مع السلالات الأخرى، لتحسين قدرات تلك السلالات على الصبر والدقة والسرعة، والعظام القوية، والدم العربي الأصيل، لذلك تعتبر الخيول العربية الأكثر حضوراً وتنافساً وسبقاً في سباقات الخيل عالمياٌ، لأن الحصان يعدو بأسرع من السرعة عندما يكون هناك حصان آخر يحاول اللحاق به أو تخطّيه.

فالخيول العربيّة ولدتْ، وترعرعتْ، ورُبيِّتْ، ودُرّبتْ في الصحراء في بيوت العرب الذين أحبوها وبجّلوها، وكانت تعيش معهم في الخيام لتوفير المأوى والحماية لها، وهذا الارتباط الوثيق بينها وبين البشر، جعلها أكثر تعلّماً وطاعة لهم، حيت كان العرب يستخدمونها في الحروب، وهذا ما يدفع مربو الخيول حالياً للالتزام مع الخيول العربيّة بالطريقة التقليديّة المعتمدة على الاحترام.

وتمتاز الخيول العربية بجمال الهيكل وتقعّر الجسم وتقوّس الرقبة واستواء الخانوق نسبياً.​

أما الصفات العضوية للفرس الأصيلة، فالآذان صغيرة ورقيقة الأطراف ومتقاربة وقائمة، والعيون واسعة براقة تنمّ عن ذكاء وانتباه ولطف وصفاء، والجبهة عريضة محدّبة، تنحدر إلى طرف دقيق للأنف بشكل مقعّر عند الخطم، والمنخران واسعان، رقيق ما حولهما من الجلد، والذيل عالي الارتكاز قصير العسيب، والرقبة مقوسة وطويلة، والجلد صافٍ أسود اللون، والشعر رقيق ناعم براق قصير.​ أما الارتفاع فما بين 145 و160 سم، بمتوسط 150سم.​

أقوال في الخيل

وقد فازت الخيل بقصب السبق في الأدب العربي شعراً ونثراً، فخراً وتسامياً وتقديراً واحتراماً لها.

وتقول العرب: العز في نواصي الخيل ظهورها عزّ وبطونها كنز، والأصيلة تحمي صاحبها وأهلها ومربطها، وتدافع عن فارسها إن تعثّر أو سقط، وأثرى الأموال فرس يتبعها فرس وفي بطنها فرس. كما ذكرها الشعراء بمئات القصائد مفتخرين متباهين.

نسب كريم

وكان أبناء الجولان يعتزون بالخيل أيما اعتزاز، ويشترك الاثنان والثلاثة والأربعة بملكية الفرس الواحدة، ويحتسبون حصصهم بالقراريط.

وتمتاز الفرس الأصيلة بنسبها الكريم وجمالها وحسن تكوينها ورأسها الدقيق وذيلها الذي يشمخ كقوس قزح حين تغير مسرعة كهبوب الريح إضافة لصفاتها التي تمتاز بها عن سائر الحيوانات. ومن أهم سلالات الخيل: الكحيلة، المعنقية، العُبيّة، الصقلاوية، أم عرقوب وغيرها، والخيل لا توسم أبداً تقديراً لأصالتها، وإكراماً لمكانتها واحتراماً لجمالها بينما يطال الوسم بقية الحيوانات الأخرى.

كما يحظى تناسل الخيل بأهمية عظمى واهتمام بالغ للمحافظة على نقاء سلالتها الكريمة، ويكون موعد تزاوج الخيل خلال شهري آب وأيلول من كل عام، ومدة حملها أحد عشر شهراً ويقوم صاحب الفرس الأصيلة خلال مرحلة التزاوج، بحجزها بمربطها حتى لا يقترب منها حصان هجين غير أصيل، يهين نسبها، ويدنس أصالتها، ويعيب نقاءها وبهاءها، ويختار مالك الفرس جواداً أصيلاً كريماً منسوباً مشهوداً بأصله ونبل نسبه، ويُشهد على التزاوج بعض الشهود الثقاة، ليشهدوا عند ولادة الفرس بنسب المولود، وكان بعضهم يوثق ذلك بحجة مكتوبة تضاف لمدونة نسب الفرس الأصيلة.

ولا تباع الفرس الأصيلة بيعاً قطعياً بل بالتفييض، ومعنى التفييض أن يستفيد مالكها الذي باعها من المولود الأول والثاني وهي عند مالكها الجديد، وبعد ذلك تؤول ملكيتها كاملة للمالك الجديد، أما الجواد فيتم بيعه قطعياً مقابل ثمن متفق عليه، ويُسمى ميدان السباق في الجولان الصّابية حيث يتسابق الفرسان على صهوات خيولهم، مفتخرين هازجين: خيالها حركي، خيالها فضلي.

لكن للآسف، فاليوم لم يبق بمحافظة القنيطرة سوى (١٧٠) رأساً من الخيول العربية الأصيلة، منها مئة رأس موثقة ومسجّلة بمكتب الخيول العربية الأصيلة بوزارة الزراعة، وهناك سبعون رأسَاً قيد التسجيل بينما يبلغ عدد الخيول الوطنية الهجينة (١٠٣) رؤوس.

وهناك دائرة للخيول العربية بمديرية زراعة القنيطرة، تُعنى بالخيول الأصيلة بالمحافظة، وتقوم بإجراءت نقل ملكيتها من شخص إلى آخر، استناداً للشروط والتعليمات التي تنظّم نقل الملكية، أي تحديد هوية المالك القديم وبصمته، وعقد البيع مع المالك الجديد حيث ترسل إلى المحافظة التي بيعت إليها الخيول، لاستكمال بصمة المالك الجديد، وصورة حديثة للخيول التي تم نقل ملكيتها وقيودها لهناك، لإرسالها لمكتب الخيول العربية بدمشق لتوثيقها أصولاً، إضافة لرفع تقرير دوري وشهري لفرع الأعلاف بمحافظة القنيطرة لتحديد مخصصات الخيول من الأعلاف، وأماكن إصطبلات الخيل، وأسماء المالكين، ليتمكّنوا من شراء مخصصات خيولهم من العلف، كما تقوم الدائرة بالكشف على المواليد الجدد، وتنفيذ رسماً تشبيهياً لها بعد تقديم طلب تسجيل المولود من المالك، وإحضار شهادة تلقيح للفرس الولود، مع ثلاث صور للمهر أمامية ويمينية ويسارية، والقيام بتصوير مقطع فيديو للخيول الحديثة، وإرساله  لمكتب الخيول العربية بدمشق، وتشارك أيضاً اللجنة المختصة برفع عينات جينية للمواليد الحديثة، لإرسالها لمخابر مختصة، للتأكد من مطابقتها للأبوين، وبعد مطابقتها تختم مواليد الخيول، أو ترسم من قبل اللجنة المختصة.

وأصبح لمربي الخيول العربية الأصيلة همومهم ومعاناتهم من قلة الأعلاف المخصصة للخيول العربية الأصيلة، ناهيك عن عدم توفرها أحياناً لدى فرع الأعلاف، إضافة لافتقار المحافظة لمركز رعاية صحية بيطرية للخيول العربية الأصيلة، مما يكبّد المربين أعباء مالية من أجل نقل الخيول العربية للمعالجة أو التلقيح إلى محافظة درعا أو ريف دمشق أو استقدام أطباء بيطريين لمعالجة الخيول العربية الأصيلة إلى أرض المحافظة.

وطالبوا مكتب الخيول بوزارة الزراعة بتوفير جواد أصيل، لتلقيح الأصائل والاستغناء عن نقل الخيول خارج أرض المحافظة لهذه الغاية.

يُشار أن معظم الخيول العربية الأصيلة تتركز تربيتها في قرى كودنة والعشة والأصبح والحيران، وتعود بنسبها للصقلاوية وأم عرقوب والكحيلة، وجميع المربين من أبناء القبائل العربية التي تفخر بتربية الخيول العربية الأصيلة.