مجلة البعث الأسبوعية

ما أهم الفنيات في آثار ناصر وردياني بين الشاشة والحياة؟

البعث الأسبوعية-غالية خوجة

أن تكون أثراً لا يتقنه سواك في أي عمل تقوم به فهذا يعني أنك متميز بفنية، سواء في الكتابة أو الرسم أو الحرفة أو المسرح، وهذا ينطبق على الفنان الحلبي ناصر وردياني رحمه الله الذي غادرنا إلى الملكوت الأوسع.

وبلا شك، يتذكر الناس أينما كانوا أعماله المسرحية والإذاعية والتلفازية والسينمائية، خصوصاً، وأن موهبته المميزة قادته إلى مسرح الشعب والمسرح القومي والمسرح العمالي، لينطلق إلى عوالم الشاشة هو المولود في باب المقام بحلب عام 1951، المتوفى (15/5/2022)، والذي ترك أثره الفني في الكثير من الأعمال والأدوار التي قام بها، مثل المختار أبو سليم في مسلسل “باب الحجر”، وأبو جهل في مسلسل “خالد بن الوليد”، وله أدوار لامعة في أعمال فنية ملفتة أخرى، منها نهاية رجل شجاع، التغريبة الفلسطينية، بيوت حلبية، صقر قريش، ربيع قرطبة، عمر الخيام، الجوارح، أخوة التراب، أبو جعفر المنصوري، صهيل الألم، صلاح الدين الأيوبي، فتح الأندلس، الظاهر بيبرس، وشارك في العديد من الأفلام السينمائية، منها تراب الغرباء، صهيل الجهات، التجلي الأخير لغيلان الدمشقي، عمر، دمشق حلب.

ولأنه من هؤلاء الذين يقدمون أعمالاً فنية خالدة بجوهرها وفنياتها سواء كانت تأريخية أو توثيقية أو حياتية، كان ل”البعث” هذه الجولة من الآراء حول أهم ما يميز الأداء الفني والحضور الشخصي للراحل وردياني:

فنان بإنسانيته وأعماله

أجابتنا الفنانة هوري بصمه جيان: شاركت مع وردياني بكل الأعمال الحلبية مثل خان الحرير، والحقد الأبيض، وكوم الحجر، ومثلت معه العديد من الأعمال، وكنت أتعامل معه بشكل مباشر في مسلسل “البيوت أسرار”، واكتشفت من خلال هذا العمل المشترك كيف يبدو إنساناً قبل أن يكون فناناً، لأنه فنان بإنسانيته أيضاً، فهو غير أناني، ورغبته ليست ظهور شخصه أمام الكاميرا، بل مساعدة الآخرين، ومريح ومتفهم ومحب ويعمل بروح الفريق، ويجيد التمثيل كإنسان طبيعي ويعطي الدور حقه، وبرع في أدواره كلها، لا سيما دور البطولة في مسرحية سعد الله ونوس “الملك هو الملك” في مهرجان حلب الأول، وكانت من إخراج فراس نعناع.

متفانٍ في المسرح

وبدوره، أكد الفنان الباحث محمد هلال دملخي على تميز الوردياني كشخص وفنان، خصوصاً، وأنه شارك معه في العديد من الأعمال الفنية الإذاعية والمسرحية، منذ بداية السبعينيات، ومنها قبل أن يذوب الثلج، الحقيقة المنتصرة، مرحبا خاص..مرحبا عام، كوميديا القرود، حدث في بوزنتا.

وأضاف دملخي: ناصر وردياني من العناصر المتفانية في الفرقة المسرحية، وعملنا معاً في المسرح العمالي في الأمور الإدارية والفنية، وقام بدور عبد القادر في مسرحية المجنون يقول وداعاً، وها هو يقول وداعاً، وأنا لا أستطيع متابعة الإجابة من شدة حزني.

أسرار وردياني

بينما وبصوت حزين، قال الفنان غسان مكانسي: خسارتنا كبيرة جداً، خسارة للدراما السورية عموماً، ولحلب خصوصاً، لأن ناصر وردياني إنسان مميز بكل شيء، بعلاقاته، وإبداعه، وتمثيله، وحركاته، وارتجاله، وحتى بشجاره كان مميزاً.

وتابع: وردياني إنسان طيب وأصيل وصاحب رسالة وأكثر من زميل وصديق، بقلبه الوفاء والصدق للناس والزملاء والمعارف والمهنة ولأهله الحلبية، ولوطنه سورية، ولم يحظَ بفرصته الكاملة، لكنه أثبت جدارته في كل عمل، وأثبت أنه ممثل من الصف الأول محلياً وعربياً وعالمياً، ولم يكن يحب التلون في الفن، لأنه كان واضحاً وصريحاً.

واسترسل مكانسي: عملنا معاً عدة أعمال، أذكر منها مسرحية “ظاهرة حضارية”، التي من خلالها عرفناه أكثر، لأننا عرضنا العمل يومياً لمدة شهرين ونصف، وكان جميع الزملاء يحضرونها يومياً منتظرين مشهدنا أنا وناصر وردياني، لأننا كنا نقدم المشهد بطريقة فنية جديدة كل يوم، فكلانا لديه مخزون كبير من الارتجال، وكانت أرواحنا قريبة جداً، وعلى المسرح نريد النجاح لبعضنا البعض.

أين مسرح حلب الدائم والجوال؟

ولفت مكانسي إلى طموح الفنان المرحوم ناصر وردياني الذي كان يحب، ومنذ بداية حياته الفنية، أن يكون لحلب فنها المسرحي المميز، وهو “مسرح حلب الدائم” على غرار المسارح العالمية التي تقدم أعمال خالديها كل يوم مثل مسارح إنكلترا وشكسبير.

وأضاف مكانسي: وكان يحلم بمسرح جوال، لكنه لم يتحقق بسبب احتياج الفكرة لإمكانات مادية مناسبة، كما لم تشجعنا أية مؤسسة على ذلك.

وتابع: وفي جلساتنا كان حديثنا عن المسرح وتطويره، وكان ناصر وردياني حزيناً جداً على المسرح الذي تمتع بماضٍ عريق، ونهضة مميزة، مقارنة بالمسرح المعاصر المفتقد للمواهب العملاقة العظيمة المثقفة، لأننا أمضينا عمرنا التجريبي الفني من أجل إعطاء حلب حقها كاملاً لأنها مدينة الثقافة والفن والتأريخ، ولا أعرف لماذا حلب هي هذه المدينة المبهرة؟ ربما، لأن لحلب سرّ إلهي، منذ نشأتها، عبوراً بمبدعيها ومنهم خير الدين الأسدي، عبد الوهاب جراح، عمر حجو، وليد إخلاصي، وغيرهم.

وتساءل: لماذا لا نكرم المبدعين الأوفياء في حياتهم بل ننتظر موتهم لنكرمهم؟! في حياتهم معارك مصطنعة ضدهم، وحالما يموتون نشعر بوجودهم أكثر وإنتاجهم أكثر، لذلك، أقول للجهات المعنية: انتبهوا لجميع العاملين بضمير وإبداع، وكرموهم وهم على قيد الحياة لا بعد الممات، لأن التكريم محطة هامة في الحياة، تدفع الروح لمزيد من العطاء والتحليق.

واختتم مكانسي بصوت حزين: لا نريد لمدينة حلب ذات السر الإلهي أن تكون “مقبرة العظماء”، لأن الجسد والروح متناغمان، ولا يمكن اختزال الحياة بالبعد المادي فقط، ولو أن الإنسان يفكر للحظة، لاكتشف أن الحياة لحظة، فعلينا أن لا نفوتها، بل أن نكون جميعاً معاً، وهدفنا واحد هو التطوير والرقي، لأن الجميع يشكّل لوحة واحدة، إذا فقدت جزءً منها تكون قد فقدت معنى من معاني وجودها، لذلك، علينا أن ننتبه لبعضنا البعض، لأن الحقد لونه أسود، والحب لونه أبيض شفاف، ومن لا يحب بيته وباب بيته لا يحب وطنه ومدينته وأهله، المحب ينطلق من البيت إلى العالم، وما أجمل أن نرى ملامحنا من خلال الحب.

العفوية والصوت والملامح

أمّا محمد حجازي مدير المسرح القومي بحلب، فرأى أن الفنان ناصر وردياني يتميز بالعفوية التي تنحو به نحو ميزة الاحتراف بالسليقة، وأن صوته الأجش منحه ميزة تلائم الأعمال التأريخية، بينما قسماته فتمنح ملامح وجهه طابعاً خاصاً وتقنية بشرية حقيقية متوافقة مع التصوير، وتميل به نحو الإقناع في الأعمال التي قدمها.

ابتكار ملامح الشخصيات

ورأى المخرج صالح السلتي أن وردياني رحمه الله ترك إرثاً فنياً معنوياً كبيراً، كونه شارك بعدد كبير من المسرحيات في مدينته حلب مع المسرح القومي والمسرح العالي ومسرح الشبيبة، وشارك بعدد من الأفلام السينمائية مثل التحدي وباب المقام، وشارك في عدد من المسلسلات منها الزير سالم، الحوت، لهون وبس، حوش العيلة، رجال تحت الطربوش، هدية نفيسة، غزلان في غابة الذئاب.

وأضاف: تميز بكثير من الصفات المشعة على الصعيدين الإنساني والفني، وتمتع بالجدية والطموح والعطاء والطيب وابتكار الأسلوب المناسب لكل شخصية قدمها على الرغم من تنوع الأدوار واختلافاتها النفسية والاجتماعية.