زيلنسكي.. الورقة المحروقة قربانٌ للحرب
البعث الأسبوعية – طلال ياسر الزعبي:
يتزايد الحديث في الصحافة الغربية حول الملل الغربي من السير وراء الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلنسكي في اتهاماته المتكرّرة لروسيا، وخاصة بعد حادث سقوط صواريخ على بلدة بولندية وسقوط قتيلين فيها.
فالصحافة الغربية التي اتخذت في السابق نهجاً واضحاً في تحميل موسكو مسؤولية جميع الأحداث التي تقع على خلفية العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، بدأت تأخذ منحى مغايراً لذلك عبر محاولة تسقّط عثرات زيلنسكي وانتقاده عليها بشكل مباشر، الأمر الذي بات يطرح مجموعة من الأسئلة حول الاتجاه الجديد الذي سلكته هذه الصحافة التي لا يشكّ أحد في أنها مقرّبة من أجهزة استخبارات هذه الدول.
فرغم الأخطاء الكثيرة التي ارتكبها النظام الأوكراني منذ بداية العملية العسكرية الروسية، إلا أن أحداً في الغرب لم يكن ليجرؤ على انتقاده، وذلك أن الحرب التي يخوضها ضدّ روسيا بالوكالة عنه كان يعوّل عليها كثيراً في تحقيق الهدف الأهم وهو هزيمة روسيا استراتيجياً وإضعافها.
ولكن بعد أن دخل الغرب الجماعي في نفق مظلم على خلفية دعمه غير المحدود للنظام الأوكراني دون تحقيق نتائج تذكر على الأرض، اضطر للتفكير مليّاً في جدوى هذا الدعم، وخاصة أن جميع الأهداف التي توخّاها من هذه الحرب لم تتحقّق، فلا روسيا هزمت عسكرياً ولا اقتصادها انهار، بل على العكس انقلب السحر على الساحر، حيث فعلت العقوبات الغربية فعلاً عكسياً أدّى إلى تضخّم غير مسبوق في أسعار السلع والمواد، وأزمة وقود وغذاء ضاغطة، فضلاً عن خلل واضح في سلاسل التوريد، وبالتالي وجد الغرب أن حرب الاستنزاف التي كان يعوّل عليها ضدّ روسيا انقلبت استنزافاً لموارده وانهياراً واضحاً في أنظمته الاقتصادية، ومن هنا بات عليه أن يبحث عن الأسباب التي تجعله يخرج من هذه الحرب بماء وجهه، وهذا يفترض طبعاً البحث عن كبش فداء يتم تحميله مسؤولية ذلك، ولن يكون هناك أكبر من زيلنسكي الذي بات ورقة محروقة لتقديمه قرباناً لهذه الحرب.
في جميع الأحوال، هناك توجّه في الصحافة الغربية عامة، والأمريكية خاصة، لتحميل زيلنسكي مسؤولية ما يجري الآن في أوكرانيا، لأنه من الصعب طبعاً أن يعترف الغرب بأنه هو من فرض على النظام الأوكراني التصعيد ضدّ روسيا، فالاعتراف يمنح روسيا نصراً على المنظومة الغربية بأكملها ممثلة بحلف شمال الأطلسي “ناتو” والاتحاد الأوروبي، وسائر المنظومات السياسية والاقتصادية التابعة لها.
ومعلوم أن الغرب إذا أراد التوجّه إلى شيء معيّن في أيّ قضية يعمد إلى التمهيد لذلك عبر الصحافة، وبالتالي ليس مستغرباً أن تذكر صحيفة واشنطن بوست أن الرئيس الأوكراني يدفع قادة البيت الأبيض لاتخاذ قرارات تتنافى مع المصالح القومية للولايات المتحدة.
ووفقاً لمقال نشره الكاتب ديفيد إغناتيوس، فإن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، توازن بين الدعم العسكري لأوكرانيا، ومحاولات تفادي أي إشكالات يمكن أن تثير حفيظة موسكو. وحاول الكاتب الحديث عن نوع من التباين بين الجنرال الأمريكي مارك ميلي الذي أعلن عن احتمال إجراء مفاوضات بين موسكو وكييف، والبيت الأبيض الذي قال مسؤولوه إن واشنطن لا تضغط على نظام كييف للامتثال إلى طاولة المفاوضات.
وأشارت بعض وسائل الإعلام الغربية إلى أن نظام كييف مستعدّ للتفاوض مع موسكو، بينما سارع زيلينسكي للإعلان أن باب التفاوض سيفتح فقط بشروط أوكرانية، تضمن وحدة أراضيها والحصول على تعويضات من روسيا.
أمّا مايكل ألين، أحد المساعدين السابقين للرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش، ففي مقالة لصحيفة “بوليتيكو”، أكد أن عدد المعارضين للمساعدات العسكرية لكييف ينمو في الحزب الجمهوري.
وجاء في المقالة: “في الوقت الراهن، يعتقد 48 بالمائة من الجمهوريين أن أمريكا تساعد أوكرانيا بشكل يزيد على الحدّ. هذا الرقم كان في آذار فقط 6%”.
ويرى كاتب المقالة، أن “الرغبة في التصويت ضد أوكرانيا يمكن فقط أن تزداد، إذا دخلت الولايات المتحدة في ركود عميق في الأشهر المقبلة”.
وكانت صحيفة “فاينانشيال تايمز”، أشارت إلى أن الاستياء من سلوك الرئيس الأوكراني بشأن حادث الصاروخ في بولندا، يتزايد في صفوف حلف شمال الأطلسي.
ووفقاً للصحيفة، بدأت رغبة زيلينسكي العنيدة في إقناع المجتمع الدولي بأنه لا علاقة بتاتاً لأوكرانيا في سقوط الصواريخ على قرية برزيودوف البولندية رغم كل الأدلّة الدامغة التي تثبت ذلك، تثير غضب الناتو.
ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي من إحدى دول الناتو يعمل في كييف: “هذا الأمر بات يثير الضحك. الأوكرانيون يدمّرون ثقتنا بهم. لا أحد يلوم أوكرانيا، لكنهم يصرّون على الكذب علانية. هذا أكثر تدميراً من الصواريخ”.
وفي وقت سابق، قال الرئيس الأمريكي: إنه لا يعدّ تصريح زيلينسكي، دليلاً على براءة كييف من سقوط صواريخ على أراضي بولندا.
وحتى لدى أشد حلفاء الناتو في آسيا ظهرت بعض الآراء التي تحمّل زيلنسكي المسؤولية المباشرة عمّا يحدث لشعب بلاده، حيث انتقد رئيس الوزراء الياباني الأسبق يوشيرو موري، الرئيس الأوكراني بسبب إصراره على استمرار النزاع.
ونقلت صحيفة “جابان تايمز” عن موري قوله في اجتماع سياسي في طوكيو: “زيلينسكي تسبّب بالمعاناة للكثير من الأوكرانيين”.
وانتقد موري كذلك، وسائل الإعلام اليابانية، وشدّد على أن تقاريرها الأحادية الجانب عن النزاع في أوكرانيا تعطيه انطباعاً بأنها “تعتمد فقط على التقارير الواردة من أوروبا والولايات المتحدة”.
ومع وجود الكثير من الآراء المماثلة للآراء السابقة في جميع أنحاء العالم، فإن انتقاد رئيس النظام الأوكراني يكاد يصبح عنواناً لجميع المقالات المكتوبة على الدوريات الغربية، الأمر الذي يوحي بأن هناك توجّهاً عاماً لدى الغرب بضرورة الانسحاب تدريجياً من الساحة الأوكرانية، ولكن لابد كما قلنا من وجود كبش فداء يحمّلونه مسؤولية الحرب، وليس بعيداً أن تكون واشنطن هي ذاتها التي ورّطت زيلنسكي في موضوع قصف بولندا بالصواريخ وزيّنت له الفكرة كوسيلة لاستدراج الناتو إلى الحرب مع روسيا، في الوقت الذي استخدمت فيه الحادثة نفسها لتكذيب زيلنسكي وإخراجه على أنه يتصرّف بشكل غبي، وأن أمريكا والناتو اكتشفا بعد هذه الحادثة أنه يعمل على هذا السيناريو المرفوض، وذلك لتحميله مسؤولية الحرب، والخروج ببعض ماء الوجه من مسؤولية الوقوف خلف ما يجري من حرب في أوكرانيا، وما ترتب عليه من أزمات اقتصادية عالمية، وليس مستبعداً أن تدعم الدول الغربية في قادم الأيام انقلاباً أبيض عليه تقدّم من خلاله شخصية أخرى قادرة على التفاوض مع روسيا مجدّداً لإنهاء الحرب.