ما زال غير منظم وغير مضبوط! صناعة المحتوى الرقمي السوري إلى متى تبقى في طور المؤتمرات وورش العمل!
البعث الأسبوعية- غسان فطوم
في ظل التطور المذهل الذي نشهده في عالم المعلوماتية، أو الثورة الرقمية، ومع تنامي مجتمع اقتصاد المعرفة أصبح المحتوى الرقمي أحد أهم عناصر العمل في المؤسسات على اختلاف أنواعها ومهامها، لدرجة أن نجاحها في مهامها بات يقاس بمدى قدرتها على صناعة ونشر محتواها الرقمي وصولاً لتحقيق أهدافها، فاليوم بات الاستثمار في صناعة المحتوى الرقمي له مردوداً اقتصادياً كبيراً يمكن أن يفوق محاصيل وزراعات إستراتيجية.
محلياً لو سألنا: ماذا عن المحتوى الرقمي السوري؟
قد يستغرب البعض أن نتحدث عن محتوى رقمي سوري، في ظل عدم وجود محتوى رقمي عربي يعاني ما يعانيه من ضعف المحتوى الفكري!.
في الحقيقة سورية هي من أوائل الدول العربية في صناعةِ المحتوى الرقمي العربي، فهي تدرسه في المدارس والجامعات والمعاهد، والكل يعلم أن سورية رائدة ومنذ عقود بتدريس الطب باللغة العربية، لذلك ليس مبالغة أن نقول “محتوى رقمي سوري”.
بدايات مشجعة
تاريخياً بدأت سورية تهتم بالمحتوى الرقمي مع بداية عام الـ 2000 لكن بقيت المحاولات خجولة، وقد تزامن ذلك مع اهتمام كبير بنشر المعلوماتية في المدارس والجامعات، ويمكن اعتبار عام 2008 هو البداية الحقيقية والتي توجت بانعقاد المؤتمر الوطني الأول لصناعة المحتوى الرقمي العربي عام 2009 بتنظيم من وزارتي الإعلام والاتصالات والتقانة والجمعية العلمية السورية للمعلوماتية، وبالتعاون مع اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم وكان الهدف منه: تبادل الخبرات والاستفادة مما وصلت إليها التجارب الناجحة في مجال المحتوى الرقمي، ووضع معايير عمل ومؤشرات قياس واضحة لإنشاء المحتوى الرقمي، والعمل أيضاً على وضع منهاج عمل متكامل للوصول إلى إستراتيجية وطنية لإنشاء المحتوى الرقمي، مع التأكيد على تحديد مقومات صناعة المحتوى الرقمي المحلي، وتحديد آليات التقويم والمتابعة لتنفيذ خطوط العمل محلياً، وشددت توصيات المؤتمر على تطوير دور المؤسسات الحكومية ومراكز الأبحاث في هذا المجال، وتفعيل دور القطاع الخاص والمجتمع الأهلي والمنظمات غير الحكومية في صناعة المحتوى المحلي.
للأسف الحرب عطلت كل الخطط، وبقي الأمر على هذه الحال لغاية عام 2018 حيث شهدنا انعقاد المؤتمر الثاني لصناعة المحتوى الرقمي العربي، الذي عاد وكرر أغلب توصيات ومقررات المؤتمر الأول.
اجتماعات ولكن!
خلال السنوات الثلاث الأخيرة شهدنا عدة ورشات عمل لتطوير المحتوى الرقمي، كان من أبرزها اجتماع لجنة السياسات العليا والبرامج في رئاسة مجلس الوزراء عام 2019، حيث طرحت على الطاولة مجموعة خطط ومقترحات معدة من قبل وزارة التعليم العالي والجامعة الافتراضية وجهات أخرى حول صناعة المحتوى الرقمي وما يمكن أن يحققه في حال تم استثماره بالشكل المطلوب، وحينها وجهت الحكومة “بالتشبيك بين المحتوى الرقمي كرؤية والحكومة الالكترونية كمشروع متكامل يجري العمل عليه وشددت على تبني توصيات المؤتمر الثاني لصناعة المحتوى الرقمي العربي التي تضمنت إعداد سياسة وطنية مستدامة لبناء المحتوى الرقمي في سورية، وبناء مركز تفكير افتراضي يجمع المفكرين المهتمين داخل سورية وفي المغترب”.
وللتذكير وزير التعليم العالي في تلك الورشة أشار صراحة خلال اجتماع اللجنة المذكورة إلى “وجود محتوى رقمي في سورية، لكنه موزع بشكل غير منظم وغير مضبوط، من أجل ذلك، نحن بحاجة إلى سياسة واضحة وتعاون جدّي بين مختلف الوزارات والمؤسسات المعنية حيال هذا الموضوع”.
ورغم حالة الفوضى في صناعة المحتوى الرقمي، لكن يمكن الإشارة إلى تجارب سورية مميزة قامت على مبادرات فردية لمواقع الكترونية وجمعيات مختصة وبمجملها أثبتت أن السوريين لديهم القدرة على المنافسة في هذه المجال، لجهة العمل على خلق منتج رقمي مميز ولاسيما فيما يتعلق بالتعليم الالكتروني والصحة الالكترونية والحكومة الالكترونية والإعلام الالكتروني، ولا شك أن النجاح في ذلك يحتاج للدعم بكل أنواعه.
المشكلة بالمحتوى الفكري!
بالمختصر، مشكلتنا في ضعف المحتوى الفكري، وهذا ما يحتم على وزارة الثقافة الاستمرار في توثيق وإتاحة التراث الثقافي السوري المادي واللامادي باستخدام التقنيات البرمجية، وهنا نؤكد على توجهات الإستراتيجية الوطنية للنهوض بصناعة المحتوى العربي، كالعمل على نشر الثقافة المحفزة لتطوير صناعة المحتوى الرقمي، و مجتمع المعلومات، والاعتماد على دراسات اجتماعية ونفسية ومالية في وضع البرامج والخطوات التنفيذية، إضافة إلى تأمين الكوادر المؤهلة عبر تطوير مناهج واختصاصات جامعية تساعد في صناعة المحتوى الرقمي، ولا يمكن هنا إغفال أهمية التعاون مع المنظمات الدولية المطورة للمعايير للحد من إهمال تلك المعايير لحالة اللغة العربية أو لمتطلباتها، وذلك بحسب توجهات الإستراتيجية الوطنية.
بالمحصلة نحن نريد محتوى رقمي وطني عربي سوري مميز يخدم قضايا وأجيالنا، بعيداً عن ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي التي تروج لظواهر غير إيجابية بالمطلق، فنحن بغنى عن الانتقادات والتفاهات التي يروج لها بعض صناع المحتوى من الجيل الشاب بهدف الربح وجمع أكبر قدر ممكن من الاعجابات، ولعل ما قام به الاتحاد الوطني لطلبة سورية بالتعاون مع الجامعة الافتراضية السورية وجمعية رواد الأعمال الشباب حول إطلاق مسابقة رواد المحتوى الرقمي العربي يعتبر أنموذجاً جيداً وضرورياً من التحفيز للشباب وكافة صناع المحتوى من أفراد ومؤسسات للقيام بالعديد من الأعمال في صناعة المحتوى، وخصوصًا أن الاقتصاد الرقمي يمكن أن يكون قادرًا على رفد الاقتصاد التقليدي وتطويره بإمكانيات هائلة بحسب قول رئيس الجامعة الافتراضية “الدكتور خليل عجمي”.
وكلنا أمل أن نرى قريبا ونشهد ولادة شركات وطنية ناشئة مختصة بتطوير المحتوى الرقمي السوري العربي ومنتجاته، فذلك لو تم له أهمية في تعزيز التنوع اللغوي والثقافي على الإنترنت، وتحسين النفاذ إليه عدا عن حفظ أرشيفنا الثقافي والتاريخي بشكل رقمي، وكذلك المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.