المرأة الحديدية في قلب القوة الروسية ماريا زاخاروفا… عندما تعافت أمريكا اتجهت لعسكرة العالم
البعث الأسبوعية-هيفاء علي
أجرت صحيفة “لوبوان” الفرنسية مقابلة مطولة مع المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، وبحسب محللين فرنسيين، فإن نشر مثل هذه الوثيقة في أسبوعية فرنسية لها وزنها على المستوى الوطني، وفي السياق العام لهستيريا ” فوبيا روسيا”، وفي سياق سياسة العداء غير المبرر، التي تنتهجها السلطات الفرنسية والأوربية عموماً تجاه روسيا، فإنه لأمر في غاية الأهمية.
ماريا زاخاروفا، هي أول امرأة تشغل هذا المنصب في قلب السلطة، وهي معروفة بصراحتها وتصميمها الدؤوب على تطوير، وتوضيح الرؤية الروسية للعالم، ولا سيما على قناتها على “تلغرام”، وقد صنفتها “بي بي سي” قبل خمس سنوات، من بين أكثر 100 امرأة نفوذاً في العالم.
في البداية طرح عليها المحاور سؤالاً حول رأيها بما فقده الغرب في علاقاته مع روسيا، وعلى وجه الخصوص، فيما يخص الحرب الأوكرانية، فأشارت زاخاروفا من خلال ردّها إلى أن كل شيء بدأ في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، حيث كانت أوروبا لا تزال مستقلة في قرارها عن الولايات المتحدة، أي قبل تفكك الاتحاد السوفييتي، حين كان العالم ثنائي القطب. عندما بدأت الدول الأعضاء في حلف “وارسو” في الانسحاب من الحلف- بدأت هذه العملية قبل تفكك الاتحاد السوفييتي -كان بإمكان أوروبا تأكيد استقلالها. هذا هو المكان الذي بدأت فيه أوروبا تفهم ما يعنيه حقاً أن تكون أوروبا موحدة. وإذا اتحدت أوروبا معنا، بمواردنا الروسية، فلن يجعلها ذلك قادرة على المنافسة فحسب، بل ستكون نهاية لها أيضاً. أولاً، تحدثوا ضد اندماجنا، ورفضوا نظام الإعفاء من التأشيرة، ثم بدأوا عملية تقريب قواعدهم العسكرية، بالوحدات والمعدات، من حدودنا. ثم قبلوا أعضاءً جدد في الناتو، ولكن الأهم من ذلك أنهم خلقوا هذه الرواية التاريخية المعادية لروسيا في أوائل العقد الأول من القرن الحالي. ثم واصلت أوروبا، تكاملها، ولا سيما الاقتصادي: إنشاء اليورو، واتفاقية شنغن. لكن بالنسبة للولايات المتحدة، كانت الصدمة الثانية، حيث لم يعد الدولار هو العملة الوحيدة المهيمنة، لكن الدولار مؤمن فقط على ديونه الخاصة، وليس على أي شيء آخر. بينما تم تأمين اليورو من خلال المستوى الاقتصادي المرتفع لحوالي عشرين دولة، ناهيك عن اقتصادات دول أوروبا الشرقية ووسط وشمال أوروبا ولكن هذا الاقتصاد القوي، يتغذى على الإمكانات القوية للموارد الروسية.
بالمقابل العملة الأمريكية كانت فقاعة صابون، حينها فهمت الادارة الامريكية أنه يجب اتخاذ إجراءات، ليس فقط تجاه روسيا، ولكن أيضاً تجاه أوروبا، حيث بدأوا في تقويض علاقات الطاقة الروسية مع أوكرانيا، التي أصبحت العقدة المركزية لهذه السياسة. بدأ السياسيون الأوكرانيون يهتفون بأن روسيا تشكل خطراً، لأنها لم تقم بتوصيل غازها لهم بالمجان، رد الأمريكيون على الأوروبيين، لكن اشتروا غازنا!. ورد الأوروبيون: إنه مكلف، إذا اشترينا بثمن أكبر، فلن يفهم الرأي العام زيادة الضرائب. وأضافت زاخاروفا، في عام 2016، نظمنا رحلات صحفية إلى شبه جزيرة القرم، وسألنا الصحفيين عما يريدون رؤيته والقيام به، قلنا لهم “حسناً” كل شيء. قال صحفي فرنسي إنه يريد الذهاب إلى قاعدة أسطول البحر الأسود البحرية، قبلنا. ولكن عندما قرأنا مقالته، كان عنوانها: “”لتخويف أوروبا، جمعت روسيا الصحفيين وأظهرت لهم أسطول البحر الأسود”.
روسيا تريد علاقات متوازنة
ورداً على سؤال آخر حول ما إذا نجحت روسيا خلال الأشهر التسعة الماضية في تطوير علاقاتها مع دول خارج النطاق الغربي؟. أشارت زاخاروفا إلى أن روسيا تريد اليوم أن يكون لديها علاقات متناغمة ومتوازنة مع كل أولئك الذين يمكن بناء علاقات معهم على قدم المساواة، واحترام متبادل ومفيد. واليوم، البلدان في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية هي بالضبط تلك التي، خلافاً لمطالب الولايات المتحدة، لا تتبنى موقفاً مناهضاً لروسيا، وهي تمثل غالبية دول العالم. الغرب الجماعي يذهب الى حيث يوجد الغاز والنفط، ولا يذهب على الاطلاق حيث الفقر والمجاعة والمتاعب. وفي معرض ردها على سؤال آخر حول تفسير الإعلام الغربي والقادة السياسيون انسحاب القوات الروسية من خيرسون على أنه هزيمة، أكدت ماريا زاخاروفا أن السلطات الروسية ليست مضطرة لإقناع أي أحد، وليس لديها أي نية للقيام بذلك فهذه هي مشكلتهم.
وأضافت أنه على رأس المؤسسات السياسية في بعض هذه البلدان، هناك أشخاص مرتبطون بالولايات المتحدة لأنهم درسوا وعملوا هناك، والولايات المتحدة تريد شيئاً واحداً فقط:
- أولاً: السيطرة على العالم وأن تكون الدولة الوحيدة القوية والمهيمنة التي تتحكم بكل شيء.
- ثانياً: عدم وجود منافسين أقوياء لها، وبمجرد أن تصبح المعركة صادقة، فإنهم يخسرون، ومن الناحية التكنولوجية، خسروا بالفعل أمام الصين اقتصادياً ومالياً، ومن وجهة نظر حضارية، فقد خسروا أمام أوروبا وبقية العالم، ومن وجهة نظر مجمعهم الصناعي العسكري، فهموا أنهم كانوا متأخرين عن الزمن.
لقد خسرت الولايات المتحدة كل شيء بسبب أزمة نظامها القائم على تفوق الدولار، فديونهم هائلة، واقتصادهم ليس حقيقياً، إنه افتراضي فقط. وهنا يكفي التذكير كيف تم إنشاء مجموعة العشرين في عام 2008، عندما انفجر سوق العقارات الأمريكية، وأخذ معه جميع أسواق الأسهم في العالم. لقد كانت أزمة عالمية ولكنها مصطنعة، بسبب نظام الرهن العقاري الأمريكي. في عام 2008، كانوا بحاجة إلى الجميع لإحياء النظام الاقتصادي العالمي، من الاتحاد الأوروبي، ومن البرازيل، ومن دول الخليج، ومن روسيا، ومن الصين. وعندما تعافوا، بدأوا بالتدخل في العراق وليبيا وأفغانستان وسورية وأوكرانيا.
وفيما يتعلق بمزاعم الغرب حول نية روسيا استخدام السلاح النووي، لفتت زاخاروفا إلى أن السلطات الروسية تحاول طمأنة الجميع، وقد نشرت بياناً بهذا الشأن على موقع وزارة الخارجية.
الكيل بمكيالين
وفي سياق ردها على سؤال يتعلق بشرح ما تعنيه بسياسة “الكيل بمكيالين” بين روسيا والغرب، تحديداً فيما يتعلق بأوكرانيا، عرضت ماريا زاخاروفا مثالاً على ذلك عندما اقتحمت مجموعة من الشابات الروسيات اللواتي يرتدين ملابس “البانك”، كاتدرائية في موسكو في عام 2012، كانت تسمى “بوسي ريوت”. قفزن خلف المذبح، ورقصن على خلفية من الأيقونات والأشياء المقدسة، وأدلين ببعض التصريحات، ونشرن ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي. في روسيا، أصيب الناس والهياكل الأمنية بالفزع، لأن كاتدرائية المسيح المخلص هي الأكبر على أراضي روسيا، وقد أعيد بناؤها بالكامل بعد تدميرها من قبل الشيوعيين الذين صنعوا حوض سباحة تم تشييده بأموال الشعب، أولاً في القرن التاسع عشر للاحتفال بانتصارنا على نابليون في عام 1812، ثم في القرن العشرين. هؤلاء الفتيات دنسوا في دقائق كل ما يؤمن به أهل بلادنا!، أرادوا الاستفزاز. دافع العالم الليبرالي وقيل لنا: كيف تجرؤن على معاقبة الشابات على أعمالهن المدنية إنه الفن؟!. واليوم، في أجزاء مختلفة من أوروبا، يدخل الناشطون في نفس أعمارهم إلى المتاحف ويرمون مواد ملونة على الأعمال، فيسارعون الى الاحتجاج على ما يعتقدون أنه ضرر يلحق بالطبيعة من قبل الصناعات. هدفهم ليس تدمير العمل الفني المحمي بالزجاج، ولكن للفت الانتباه إلى هذه المشكلة. بمعنى أن أفعال شنيعة مماثلة لا تؤدي إلى نفس ردود الفعل، فعندما يحدث في روسيا، يتم انتقاده، ولكن بمجرد أن يؤثر على الغرب، فإن هؤلاء الناس يعتبرون مثيري الشغب!، وهذا مجرد مثال واحد من بين أمثلة كثيرة، فكم عدد الشباب الذين انتهى بهم المطاف في السجن لمشاركتهم في احتجاجات السترات الصفراء في فرنسا، أو في احتجاجات في أمريكا؟. مئات الآلاف من الأشخاص الذين اقتحموا مبنى الكابيتول أدينوا جنائياً.
وبالنسبة للانتخابات، الأمر نفسه يحدث في الولايات المتحدة: لا أحد يفهم ما حدث بالفعل، فقد تحدث مراقبوا منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بحذر شديد حول الانتهاكات، بينما بالنسبة لهؤلاء المراقبين الغربيين، لم يتم إجراء اقتراع واحد بهدوء في المنزل في كل مرة كانت نفس الهستيريا. نحن لا نتدخل في الانتخابات في الولايات المتحدة، وهم لا يتدخلون في انتخاباتنا! هذا هو المثال الثاني. وفي فنزويلا! بالنسبة للغربيين، مادورو ليس رئيساً.
وفيما يخص الحرب الاوكرانية، لفتت زاخاروفا إلى أن كل شيء بدأ، عندما بدأت الولايات المتحدة، وبالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي، وبركسل، وباريس وبرلين، التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، فبدأوا بتغيير الوضع القائم، في عام 2004، بإنفاق الأموال، وتكثيف الدعم السياسي، وتشكيل ما سمي آنذاك، بالثورة البرتقالية، مع العلم أن الرئيس الأوكراني يانوكوفيتش كان قد فاز في الانتخابات بطريقة شرعية. لذلك قاموا بتصميم أوكرانيا الخاصة بهم، وأحدثوا تغييراً حكومياً، وحولوا مشاكل الطاقة إلى عامل سياسي. هم الذين قرروا كيف ستشتري أوكرانيا الطاقة من روسيا، وكيف أن هذه الأنابيب ستمر عبر أراضيهم. ثم اتضح أن لديهم فقط الحق في القيام بذلك، وهو معيار مزدوج آخر، ويمكن أن ينفجر فقط، لأنك عندما تطرد رئيساً منتخباً مرتين، لا يمكن أن تسير الأمور على ما يرام، وبالتالي هم الذين أطلقوا مثل الفوضى!.
مصطلح الغرب الجماعي
وعندما طلبت المجلة منها تفسير مصطلح “الغرب الجماعي، أشارت زاخاروفا إلى أنه ليس هناك سياسة خارجية فردية، وفي مناسبات عديدة، خلال المؤتمرات الصحفية، شاهدت أسئلة طرحها صحفيون على وزراء خارجية الدول الأوروبية. أجاب الجميع بأنه ليس لديهم الحق في إبداء آرائهم بشأن القضايا الدولية العالمية، لأنهم يتبعون سياسة جماعية داخل الاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي، لذلك يمكنهم فقط التعليق على العلاقات الثنائية. فرنسا جزء من هذا “الغرب الجماعي” لأنها متحدة في نظام إداري للقيادة داخل الناتو، مضيفةً أنه منذ التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لم يعد الاتحاد الأوروبي اتحاداً سياسياً واقتصادياً، بل أصبح جزءاً من الناتو، ولم يعد مستقلاً. ومع ذلك، وفقاً لاستطلاعات معينة، فإن سكان أكثر من دولة أوروبية لا يؤيدون العقوبات ضد روسيا، وهذا ليس بدافع حب روسيا، ولكن لأنه يجعل الحياة أكثر تعقيداً بالنسبة لهم. ونحن في روسيا نعلم جيداً من اتخذ القرار بشأن العقوبات في أعقاب عام 2014، حين كان بايدن نائب الرئيس، وكان هو الذي أثر على قرار الاتحاد الأوروبي، وهذا أمر معروف للجميع. كان ذلك فقط بعد أن قررت دول الاتحاد الأوروبي معاقبتنا، حتى تعرف ما نعنيه بفكرة “الغرب الجماعي”! لا حرج في اتخاذ القرار بشكل جماعي، نحن أيضاً أعضاء في الهياكل الجماعية، ولكن هناك اختلاف جوهري: نحن نقرر مع الآخرين على قدم المساواة، في بعض القضايا غير الحاسمة حقاً، يتخذ الأوروبيون قرارات معاً ولكن بمجرد أن تميل بلدان معينة إلى اتخاذ قرارات من شأنها أن تفيدهم بشكل فردي، تتم معاقبتهم. وأضافت: انظروا إلى ما يحدث في بولندا، ولا علاقة له بروسيا، فلديها تشريعاتها الوطنية الخاصة بها بشأن مسألة النوع الاجتماعي أو المسألة الوطنية، لكن إذا لم تعجب بروكسل، فستتم معاقبتها! وهنغاريا، كيف عاملناها وكيف تعاملنا مع أوربان الذي رفض العقوبات الغربية ضد روسيا كي لا يحرم شعبه من الغاز ومن الطاقة.