مجلة البعث الأسبوعية

نادر السّباعي.. من إنجاز مشروع مدرسي إلى تأليف كتاب في الفلسفة      

نجوى صليبه

لم يكن خبر تكريمه من قبل وزير التّربية الدّكتور دارم طبّاع مفاجئاً من ناحية تأليفه كتاباً وهو ما يزال في الصّف الثّالث الثّانوي، لكنّه كان مفاجئاً من ناحية موضوعه ألا وهو الفلسفة، المادّة المدرسية التي يخافها كثير من الطّلاب وربّما يمقتها ويكرهها ويحقد على مدرّسيها، يقول نادر السّباعي: فكرة الكتاب لم تخطر على بالي فجأةً، ففي البداية كان عبارة عن مشروع مدرسي،اطّلع عليه المدرّسون واقترحوا تحويله إلى كتاب، وبعضهم قدّم إليّ النّصائح، وهذا ما كان فعلاً أجريت بعض التّعديل وطوّرته ليكون كما يجب، أمّا موضوع الكتاب فهو عبارة عنبحث كرونولوجيحول تاريخ الفلسفات الأخلاقية وتطوّرهابدءاً من نشوء الفلسفة وصولاً إلىالفترة المعاصرة التي نشأت فيها الكثير من الحركات الأخلاقية المستندة على مدارس فلسفية معينة، كما يبحث في العلاقة الفكرية بين مختلف المدارس الفلسفية،ومساهمة كلّ منها في نشوء فلسفة جديدة عن طريق نقدها لما سبقها أو تجديده.

يضيف السّباعي: يقع الكتاب حتى الآن في ست وسبعين صفحة، وأقسامه هي: فلسفة الأخلاق وهو تصنيف حديث لا يذكر كثيراً في المراجع العربية، وفي قسم نشوء فلسفة الأخلاق أتناول بداية النّقاش الفلسفي حول الأخلاق الذي ابتدأ عند اليونان بين السّفسطائيين وسقراط، مروراً بالفلسفة الأخلاقية عند أفلاطون وأرسطو، ودراسة المدرستين النّاشئتين بعد وفاة أرسطو وهما: الرّواقية والأبيقورية، يلي ذلك قسم يتناول دراسة الفلسفة الأخلاقية في العصور الوسطى التي غلب عليها الجانب الدّيني والرّوحاني والتي ازدهرت بشكل أكبر في العالم الإسلامي، يليه قسم فلسفة الأخلاق في العصور الحديثة والتي تضمّنت نشوءمدارس كبرى ما تزال موجودةإلى يومنا هذا كالمنفعية وأخلاق الواجب، انتهاءً  بالحركات الأخلاقية المعاصرة.

ويحدّثنا السّباعي عن المراجع التي اعتمدها، يقول: المراجع بشكلٍ عام كانت كتب الفلاسفة الأصليين وكتب تاريخ الفلسفة للاختصاصيين والتي ذكرتها جميعها في الكتاب، وأغلبيتها كانت إلكترونية، وهنا أريد أن أقول لكلّ من يعدّ التّكنولوجيا مجرّد مضيعة للوقت، إنّها ليست كذلك فالكثيرون استفادوا منها وممّا تقدّمه من سهولة وسرعة في الوصول إلى المعلومات، ومنهم أنا في مشروعي هذا، مضيفاً: تأليف الكتاب كان نتيجة تراكم جهد طويل، فقد كنت في كثير من الأحيان اعتمد طريقة التّلخيص للكتاب الذي أقرأه، وعندما بدأت بمشروعي في شهر شباط من عام 2022 كان لدي الكثير من الملخّصات، وهذا ما جعلني أنهي المشروع بسرعة تحديداً في حزيران من هذا العام أيضاً، مبيناً: ما تزال المفاوضات قائمة مع جهة معينة لطباعة الكتاب.

وبالعودة إلى بذور الحبّ الأولى، يوضّح السّباعي: بدأ اهتمامي بمادّة الفلسفة بالتّدريج، فقد كنت معجباًفيها لأنّها مادّة ندرسها في المدرسة، وتعتمد على فهم الطّالب واجتهاده ورأيه الشّخصي وليس على الحفظ والتّلقين، ولأنّها تساعد في تحرير النّاس من انطباعاتهم وأفكارهم المسبقة، وجعلهم متواضعين لعملية الحوار والبحث الحرّ المستقل، وتقبّل الآخر، والاطّلاع على الفِكَر ووجهات النّظر الأخرى واحترامها، وبعد اطّلاعي على تاريخ الفلسفة أعجبت بكثير من الخصائص التي تميّز الفيلسوف عن غيره مثل احترام الآخر على اختلافه والتّواضع المعرفي وعدم ادّعاء المعرفة، مضيفاً: وبالتّأكيد كان لمدرّسة مادة الفلسفة دور في تكوّن هذا الحبّ من خلالها أسلوبها الجميل في التّدريس والذي لم يشوّه الفلسفة بوصفها مادّة حفظية فقط، وكذلك مواضيع الفلسفة التي كانت محطّ إعجابي، لكونها تبحث في قضايا أساسية كالمعرفة والخير والجمال والوجود.

وبالسّؤال عمّا إذا كان هذا الكتاب مجرّد إرضاء شهوة الكتابة أم أنّه خطوة أولى إلى المستقبل؟ يجيب السّباعي: لكوني طالب في الصّف الثّالث الثّانوي، أركّز حالياً على الدّراسة، بعدها سأكمل القراءة وربّما الكتابة في مجال الفلسفة، وسيكون لي مشاريع فلسفية ثقافيّة في المستقبل.

لزملاء الدّراسة في بعض الأوقات دور إيجابي في التّقدّم الدّراسي والمعرفي سواء تشجيعاً أم منافسة، وفي بعض الأوقات دور سلبي يتمثّل بالاستهزاء والاستهجان والتّحريض على الكسل، لكن ما هو موقف أصدقاء وزملاء نادر من حبّه للفلسفة ومن ثمّ تجربته في الكتابة؟ يجيب السّباعي: بشكلٍ عام الفلسفة مكروهة من قبل شرائح كثيرة في المجتمع، وذلك بسبب عدم معرفتهم الحقيقة فيها، وتشويهها من قبل البعض، ولكونها تسعى إلى وضع جميع الأفكار المسبقةالتي ورثها الإنسان موضع تفكير ومساءلة، ما قد لا يعجب البعض أو يزعزع راحتهم النّفسية أو يجرح مشاعرهم، وهذه سمةٌ أخرى يتميز فيها الفيلسوف، فهو ذلك الشخص الذي يبحث عن الحقيقة ويتقبّلها حتّى لو كانت البداية غير سارّة أوحتّى مؤلمة بالنّسبة إليه، أمّا بالنّسبة لزملائي فغالبيتهم كانت مشجعة.