مجلة البعث الأسبوعية

إنهــــــــــا ألمانيــــــــــا !…

د. مهدي دخل الله

الصراع اليوم في أوراسيا محوره محاولات الولايات المتحدة وقف عملية التعاون الأوروبي – الروسي . فهذا التعاون تفرضه المصالح والجغرافيا والتاريخ وطبيعة الأشياء . ولا شك أن ألمانيا هي مركز هذا التوجه الأوروبي العارم . إن أكبر مشكلة لواشنتُن هي ارتباط الاقتصاد الألماني بروسيا من جهة السوق ومن جهة الطاقة والخامات ، أي من جهة مخرجات الانتاج ومدخلاته . اليوم تعج شوارع موسكو وحدها بخمسة ملايين سيارة غالبيتها إنتاج أوروبي ، ألماني بشكل خاص . ناهيك عن مسائل الطاقة والخامات . ومنذ الحرب العالمية الثانية عملت الولايات المتحدة على منع أي تقارب بين روسيا وألمانيا . كان يساعدها في ذلك التناقض الإيديولوجي القائم في الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والغرب .

كتب ويلي براندت المستشار الألماني في الفترة /1969 – 1974/ في مذكراته ، أنه عندما كان محافظاً لمدينة برلين الغربية عام /1957 – 1966/ ، زار الولايات المتحدة ليعرض أوضاع مدينته المحاصرة جغرافياً من ألمانيا الشرقية ، وليطلب تخفيف حدّة التوتر بين الألمانيتين . كان سكرتير إدارة الدولة ( أي وزير الخارجية ) جون فوستر دالاس مريضاً . زاره براندت في المشفى وجلس بجانب السرير يحدثه عن معاناة سكان برلين الغربية المحاصرين بأراضي ألمانيا الشرقية من جميع الجهات ، وضرورة التفاهم مع الجانب الشيوعي حول تخفيف حدّة التوتر بما يسهم في التخفيف عن معاناة الناس في الجزء الغربي من عاصمة الرايخ المقهورة .

استمع دالاس إلى براندت بهدوء ، لكن الغضب كان ظاهراً في عينيه ، كما يقول محافظ برلين في مذكراته . ما أن أنهى الضيف الألماني حديثه حتى مدّ دالاس يده إلى عصاه التي يتكأ عليها ، وكانت قرب سريره ، ووضع نهايتها في صدر براندت ، وقال له : اسمع أيها الألماني .. نحن والسوفييت نختلف في كل شيء إلا أمراً واحداً نحن متفقون عليه تماماً ، وهو أن لا يتصالح الألمان ويتّحدوا من جديد …

تغيرت الأوضاع اليوم ، ولم يعد الخوف من ألمانيا موجوداً لدى روسيا بعد انهيار ( الجدار الإيديولوجي ) . تتطلع موسكو الآن لتعزيز أواصر التعاون متعددة المجالات مع ألمانيا ، وهو ما أثار هذا التصلب الأمريكي في مسألة توسيع الناتو ليصل إلى أبواب العاصمة الروسية . ولا شك في أن التطورات تؤكد استحالة إعادة عقارب الساعة إلى الخلف ..

mahdidakhlala@gmail.com