مجلة البعث الأسبوعية

هكذا تدعم الحكومة الزراعة ..  قرارات تؤدي لتراجع الإنتاج وخفض الاستهلاك!

 البعث الأسبوعية ـ علي عبود

يُمكن الرد على الحكومة في كل مرة تكرر فيها معزوفة “دعم الزراعة” بسؤالها: إذا كانت الزراعة مدعومة فلماذا يتراجع الإنتاج وينخفض استهلاك ملايين الأسر السورية من السلع الغذائية الأساسية؟

وإذا أردنا اكتشاف الآلية التي تدعم بها الحكومة القطاع الزراعي فستصدمنا النتائج، فكل القرارات التي ترفعها اللجنة الاقتصادية للحكومة ويقرها مجلس الوزراء بحضور وزير الزراعة تزيد تكاليف مستلزمات القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، وخاصة ما يتعلق منها بالمحروقات والأسمدة والأعلاف.. الخ.

وبغياب أي خطط خمسية للزراعة، فإن القرارات التي تخصّها تبقى حكراً على اجتهادات وقناعات اللجنة الاقتصادية، مع انعدام أي تأثير أو فعالية لاتحاد الفلاحين، ولعل أخطر قرار اتخذته اللجنة وسيكون له تأثير كارثي على الزراعة في القادم من السنوات هو بيع الأسمدة والأعلاف بالسعر الرائج!

والسؤال: هل هكذا تدعم الحكومة الزراعة بما يؤدي إلى تراجع الإنتاج وانخفاض الاستهلاك؟

مقارنة غريبة وغير واقعية

ما لفتنا، وأثار استغراب المعنيين بالقطاع الزراعي، ليس رفع أسعار الأسمدة بنهاية تشرين الثاني الماضي بنسبة 100% فقط، وإنما ما صرح به أيضاً مدير عام المصرف الزراعي التعاوني بقوله “بالرغم من رفع أسعار الأسمدة التي تبيعها الدولة فلا تزال لا تقارن بأسعار القطاع الخاص”!

وهذه المقارنة الغريبة وغير الواقعية، والتي  كررتها جهات وزارية أخرى، لا تشي بأن الحكومة  مهتمة فعلا بدعم القطاع الزراعي وصولا للاكتفاء الذاتي من القمح والمنتجات الغذائية الأخرى، بدلاً من استنزاف القطع باستيراد احتياجاتنا منها، وإنما شغلها الشاغل بيع الأسمدة والأعلاف بالسعر الرائج سواء كان موازياً أو أقل من أسمدة القطاع الخاص!

والمستغرب أن تبرر الحكومة فعلتها بإجراء مقارنة بين سعر طن سماد اليوريا المباع من المصرف الزراعي للفلاح بعد رفعه بنسبة 100 % بمبلغ 3 ملايين ليرة وبين سعره بالسوق العالمية والذي يتجاوز الـ 800 دولار!

هذه المقارنة الغريبة وغير الواقعية تعني أن سعر أي مستلزم للإنتاج سيوصف بالمدعوم طالما هو أقل من سعره في الأسواق العالمية، وبالتالي من المبرر إلغاء إنتاج أي سلعة زراعية إذا تجاوزت كلفة استيرادها!!

وفي حال كانت الحكومة جادة فعلا بتأمين مستلزمات محصول إستراتيجي كالقمح الذي يشكل صمام الأمن الغذائي، فلماذا يتراجع إنتاجه عاما بعد عام، مع التذكير إن إنتاجنا كان يفيض عن حاجتنا عندما دعمته الحكومات السابقة عبر تنفيذ “الأولوية للزراعة” بالأفعال وليس بالأقوال!

ومن يسعى لدعم الزراعة يهتم بتأمين مستلزماتها بما يسهم بتخفيض مستوردات سلعها الأساسية كالحبوب والبقوليات والأعلاف من جهة، وبما يناسب الأوضاع المادية للمنتجين والمستهلكين من جهة أخرى، وبالتالي لا يتحفنا بمقارنات غريبة من قبيل “أن سعر طن سماد اليوريا بالمصرف الزراعي لا يزال بحدود 3 ملايين ليرة في حين يبيعه القطاع الخاص بـ 5 ملايين وسعره العالمي يصل إلى 800 دولار”!!

والأمر هنا يشبه المقارنة بين أجر العامل الذي لا يتجاوز الـ 40 دولار شهرياً عندنا، مقابل 3 آلاف دولار على الأقل أجر العامل في الدول التي تصدّر الأسمدة!!

والسؤال: هل تحقيق الأمن الغذائي الذاتي يتحقق بالمقارنات الرقمية أم بتوفير مقومات الإنتاج بما يغنينا عن الاستيراد مهما بلغ حجم الدعم الحكومي للقطاع الزراعي؟

 الدعم.. بالأرقام!!

لاشك أن المنتجين الصغار تعرضوا لصدمة لا يزالون تحت تأثيرها حتى الآن ، بدليل أنهم اضطروا إما التحول من المحاصيل الإستراتيجية إلى زراعات أخرى أقل كلفة، أو شراء مستلزماتهم من الأسمدة بالحد الأدنى مما سيؤثر على مردود الهكتار الواحد من الحبوب!

وكما قلنا، كان القرار صادماً للمنتجين الصغار، فقد رفعت اللجنة الاقتصادية بتاريخ 29/11/2022 أسعار مبيع  طن سماد الفوسفات من 1.250 مليون ليرة إلى 2.5 مليون ليرة سورية وطن اليوريا من 1.5 مليون إلى 3 ملايين ليرة، ونترات الأمونيوم من 825 ألف إلى 1.65 مليون..الخ، وما أن ارتفعت الأسمدة حتى بدأ المصرف الزراعي ببيعها بعدما كان محجما عن البيع ريثما يصدر قرار الرفع!

وعلى الرغم من رفع الأسمدة بنسبة 100% فلا يزال المصرف يكرر “أن هناك استنفار كامل للحكومة لتأمين السماد وبيعه بالحدود الدنيا، دعماً للعملية الإنتاجية”!

وتتصرف اللجنة الاقتصادية وكأنّ المنتجين الصغار يملكون أموالا ضخمة لتمويل مساحات واسعة من المحاصيل الإستراتيجية، فقد تلقى المصرف الزراعي تعليمات بصرف وتسليم كامل احتياجات الفلاحين من الأسمدة الفوسفاتية سواء قرضاً أو نقداً، دون أن تجيب أي جهة حكومية على السؤل: كم عدد المنتجين المقتدرين على تحمل زيادة أسعار الأسمدة 100%؟

ولا يبدو أن وزارة الزراعة وضعت أعضاء اللجنة الاقتصادية بصورة النتائج السلبية لرفع أسعار الأسمدة وتأثيرها على تراجع الإنتاج، أو أن كلمتها في اللجنة مثل التنظيم الفلاحي غير “مسموعة”!!

نتائج الدعم؟!!

وبما أن معزوفة الدعم “شغالة” فإننا لا يمكن دحضها إلا بالوقائع، فبالإضافة إلى تصريحات غرف التجارة والصناعة والزراعة وجمعيات حماية المستهلك التي تؤكد تراجع الإنتاج والاستهلاك معا، فإن الثروة الحيوانية تتعرض منذ أشهر إلى الهزال، فيما تربية الدواجن التي كانت مصدرا للحوم البيضاء الشعبية لملايين الأسر السورية تراجعت بنسبة 70% بفعل غلاء الأعلاف!

ماذا يعني هزال القطيع الحيواني؟

يعني الأمراض والنفوق ، وتأخر ولاداتها ،وتراجع بإنتاجها من اللحوم والحليب، مما انعكس على صناعة الألبان والأجبان والسمون، فانخفض إنتاجها واستهلاكها وارتفعت أسعارها ولم تعد في متناول ملايين الأسر محدودة الدخل!

ترى كم عدد المربين القادرين على شراء طن الذرة الصفراء بمبلغ لايقل عن 3 ملايين ليرة وطن الصويا بـ 4 ملايين ليرة؟

فإذا أضفنا إلى ذلك أسعار المحروقات لتدفئة المداجن، سنكتشف أن تربية المداجن أصبحت مكلفة جدا لا يستطيع تحملها سوى أصحاب الأموال الكبيرة، والتي سيستردون تكلفتها بزيادة أسعار الفروج والبيض كما هو حاصل منذ عامين، وهي أسعار تكاد ترتفع من شهر إلى آخر إلى حد أن الفروج طار مع البيض من موائد ملايين السوريين، وكل ذلك بفعل الدعم الحكومي للزراعة!!

 الخلاصة:

لا يكفي أن يعلن التنظيم الفلاحي بأنه فوجئ بقرار رفع سعر الأسمدة، وأن القرار سينعكس سلباً على الإنتاج الزراعي وعلى الفلاحين وحياتهم الاجتماعية، ولا يكفي أن يرفع التنظيم مذكرة لمن أصدر قرارا برفع أسعار مستلزمات الزراعة، بل هو مطالب أن يجيب على السؤال: ماذا فعل بعد قرار الرفع ؟

كنا ننتظر أن يضغط ممثلو التنظيم في مجلس الشعب لتشكيل لجنة تقصي خاصة لوضع تقرير عن نتائج رفع الدعم عن القطاع الزراعي وآثاره الاقتصادية والإجتماعية، لكنه لم يفعلها حتى الآن.. فلماذا؟