ثقافةصحيفة البعث

“الخال”.. ذلك القريب المفضل في الدراما والسينما العربية

سامر الشغري 

لم تخفِ النظارات الشمسية التي وضعتها حزناً يغالب عينيها ظهر جلياً لي وأنا أعزيها بوفاة خالها، فتلوت عبارات مقتضبة سريعة لأني لست ماهراً في هكذا مواقف، وخرجت على عجل وأنا أفكر ربما إذا عزيتها بخالها بأسلوبي أستطيع التخفيف عن حزنها بطريقة أفضل، فنحن معشر الصحفيين في الكتابة أمهر منا من الحديث المباشر، لطالما كان للخال عند الناس مكانة خاصة، فالعرب منذ القدم افتخرت بأخوالها، والأمثال الشعبية تطفح بذكره من (الخال والد) و(إذا طلع الولد لخاله يا زينة أفعاله)، ليحظى بمكانة لا تجاريها مكانة من أقرباء الدرجة الأولى.

هذه النظرة الإيجابية التقليدية للخال انتقلت من صفحات الكتب والأقوال المتوارثة إلى الخشبات والشاشات، عندما تعرف العرب على فنون التمثيل، وعلى مدى خمسة وثمانين عاماً، كرّس الخال بصورة مفرطة في الدراما والسينما، وبشكل أقل في المسرح، من بين كل الأقرباء، بأنه شخص محبّ ومساعد ويعتني بالبطل أو البطلة في غياب الأهل، في حين لا نجد هذا الاحتفاء بالعم مثلاً أو حتى بالجد، أولى هذه الأعمال التي خصّت الخال الفيلم الغنائي المصري “يحيا الحب” (بطولة محمد عبد الوهاب وليلى مراد إنتاج سنة 1938)، حيث سنجد شخصية شاكر بيه خال نادية (ليلى مراد) والتي أداها الفنان محمد عبد القدوس، والذي من فرط دلاله لابنة أخته كانت تناديه ماما. في الفن اللبناني أيضاً كان للخال دور مؤثر ومنذ البدايات، مع مسرحية وفيلم “بياع الخواتم” للأخوين رحباني بطولة فيروز ونصري شمس الدين إنتاج سنة 1965، حيث يلعب الأخير شخصية مختار الضيعة وخال ريما (فيروز) التي تتستّر على أكاذيب خالها وتؤكد لأهل الضيعة محبته لهم، وأنه لديه الكثير من المشاريع لتحسين أحوالهم. في الدراما السورية لدينا مسلسل “صح النوم” إنتاج سنة 1972، مع فطوم حيص بيص (نجاح حفيظ) وخالها أبو رياح (محمد الشماط)، الذي يساندها في وجه مؤامرات غوار الطوشة للزواج منها.

هذا الدأب على تكريس شخصية الخال الطيب ظهر في أعمال سورية لاحقة، من مسلسل “الأخوة” (إنتاج سنة 1992)، والذي أدى فيه الفنان بسام كوسا دور الخال الطيب لصباح جزائري وجمال سليمان وحسام عيد وجلال شموط، في النقيض لشخصية العم المستغل التي لعبها الراحل سليم كلاس، من أدوار الخال الإيجابي في الدراما السورية نتذكر أيضاً الراحل عبد الرحمن أبو القاسم خال وائل شرف في “بيت جدي” إنتاج سنة 2008، وسامر المصري خال الفنانين وائل شرف وميلاد يوسف في “باب الحارة”.

وبالعودة للسينما المصرية، أتذكر فيلم “المتسول” (إنتاج سنة 2008) عندما لعب الفنان الراحل زكريا موافي دور خال عادل إمام، والذي يكون ضيفاً ثقيل الظل على خاله وزوجته الفنانة هياتم، ويضطر لإرساله للبحث عن ماركة شاي غير موجودة اسمها أم حسن، وفي أفلام الكوميديان المصريين المعاصرين، هناك الفنان الراحل إبراهيم نصر الذي أدى دور (عبد الهادي) الشاعر البدين وخال الرسام مجدي (أحمد حلمي) في “إكس لارج” إنتاج سنة 2011، ومحمد سعد الذي كان خال الفنان الشاب عمرو مصطفى متولي في فيلم “تتح” إنتاج سنة 2013.

تُرى إذا ذكرت لها هذه الأمثلة وقرأت هي هذا المقال، هل سأكون عزيتها بطريقة أفضل، بأن الخال ليس غالياً عندها فقط، بل لدى كلّ المشتغلين بالفن من العرب، الذين أكثروا من مدحه وتجسيده بأفضل صورة منذ تسعة عقود وما زالوا.