تحقيقاتصحيفة البعث

ما تراه العين غير ما تسمعه الأذن.. وأمل وعتب ولوم في مدينة جبلة المنكوبة!

على طول الطريق من دمشق إلى مدينة جبلة المنكوبة لتأدية واجب مساعدة أهلنا المتضررين من كارثة الزلزال، شاهدنا مئات السيارات المحملة بالمساعدات في مشهد قلّ نظيره، يجعلك تشعر بالثقة المطلقة، والإيمان أن هذا البلد رغم كل المحن والأزمات والكوارث التي أصابته لن يموت، خالدٌ بحضارته وحيٌّ ينبض بمشاعر أهله وشهامتهم.

لا تنسوا جبلة

أول دخولنا للمدينة، ترى تقاسيم الوجوه المتعبة والحزينة، تقرأ فيها كل هموم الدنيا، وكلما تقدمنا في شوارعها كنا نرى بيوتاً فارغة خالية من سكانها، وأخرى مدمرة أنهكها الزلزال وحولها إلى ركام كتم حكايات و ذكريات جميلة علقها الأطفال على جدران غرفهم، فيما تدلت تلك الأريكة من على “بلكون” أحد البيوت تتأرجح قبالة شط المدينة في لقطة حزينة وكأنها تنادي المارة قائلة “لا تنسوا جبلة”.

في الاستماع إلى أحاديث الناس وهم يروون بألم لحظة شعورهم بالهزة، لا يمكن أن تتمالك نفسك، فالدموع ستنهمر بغزارة يقول أبو أحمد : جبلة مجروحة كغيرها من المناطق المنكوبة .. أبناؤها قضوا تحت الركام، وآخرون نجوا بقدرة إلهية يالها من كارثة، فيما قال مواطن آخر “قدّر الله وما شاء فعل”، صحيح خسرنا شقا عمرنا لكن نحمد الله أننا ما زلنا على قيد الحياة وما زال بصيص النور والأمل في أعماقنا لنخرج من تحت الركام”.

على الكورنيش البحري لم يكن ذاك المشهد الذي اعتاد عليه سكان المدينة وقت الغروب، حيث الناس بالمئات وتبقى لساعة متأخرة، فبالكاد وجدنا العشرات وغالبيتهم ممن شردهم الزلزال، كل منهم يحمل وجعه وألمه، وبعضهم كان ينظر بأمل على امتداد ووسع البحر داعياً الله أن يفك محنة المدينة الحزينة التي لا يليق بها إلا الفرح.

لا تخلو من العتب!

بصراحة ثمة أحاديث كثيرة للمنكوبين كانت لا تخلو من عتب ولوم، فبعضهم لم ينل شيئاً من المساعدات التي يسمعون عنها، وآخرون انتقدوا التأخير في معاينة الأضرار التي خلفها الزلزال في بيوتهم، وكان لمواطني سكان القرى نصيب من المعاناة، فقد علمنا من بعضهم أن هناك قرى كثيرة تضررت جراء الزلزال وبالرغم من نداءات الاستغاثة التي أطلقها الأهالي لتقييم وضع منازلهم التي تصدعت، لكن لا استجابة حتى الآن بحجة عدم توفر وسائل نقل حالياً، أو أنه لم يتم بعد تشكيل لجنة فنية لمعالجة الأضرار، فهل يعقل هذا التبرير والناس خارج منازلها في هذه الأجواء الباردة، إنه تبرير غير منطقي يطرح أكثر من إشارة استفهام على أداء الجهات في محافظة اللاذقية.

آه يا جبلة

بالقرب من إحدى البنايات المهدمة استوقفنا شاباً كان يحمل كاميرا يوثق فيها الأضرار، وسألناه عن أحوال الناس، فقال “ها هي الصورة أمامكم تتكلم بكل أنواع الألم”، ولفتنا عبارات حزينة كتبها على ورقة تصف المشهد المؤلم، فهو – بحسب ما اخبرنا – سينتج فيلماً قصيراً يوثق ما حدث، ومما جاء في القصاصة الورقية: “آه يا جبلة.. لو تعلمين كم من حبات ترابك امتزجت بدماء أبنائك الذين عشقوا بحرك وأسواقك القديمة ومدرجك الخالد.. آه يا جبلة، لو تعلمين مدى الخوف الذي ما زال يسكن قلوب أهلك جراء الزلزال المدمر، فهل من أمل بعودتك كما كنت عروساً جميلة تغازل البحر صباحاً ومساء؟”.

صور جميلة

بالرغم من أن شبح الخوف ما زال يسيطر على أجواء المدينة الحزينة لكن ثمة مشاهد وصور جميلة تفتح نوافذ الفرح والأمل، فداخل أسواق المدينة ورغم الغلاء الفاحش الذي يضربها بغياب الرقابة التموينية، وجدنا أشخاصاً كثيرين يوزعون معونات يحملون على درجاتهم النارية قادمين من مناطق ريفية بعيدة عن المدينة، بل وحتى من محافظتي اللاذقية وطرطوس ومدينة بانياس، وفي شارع آخر كان أحد المطاعم الشعبية يوزع الطعام مجاناً، فيما كانت هناك سيارة توزع أكياسا من التفاح تحمل لوحة نشير إلى أنها قادمة من محافظة حمص.

“جزائر”

وقرأنا على مواقع التواصل الاجتماعي أن أحد الآباء من أبناء جبلة أطلق على مولودته اسم “جزائر”، تقديراً لدولة الجزائر الشقيقة في دورها في مؤازرة سورية في محنتها الحالية، وربما سيقلده أو يحذو حذوه الكثيرون في إطلاق أسماء الدول الشقيقة والصديقة التي وقفت إلى جانب سورية في محنتها.

بالعموم المشهد مؤثر جداً فما تراه العين غير ما تسمعه الأذن فقلوب الناس موجوعة تعج بالألم تنتظر الفرج بالإغاثة السريعة، والتعامل بشكل صحيح ومنطق عادل مع توزيع المساعدات والمعونات، والسرعة في إيجاد السكن البديل حتى لا تتفاقم المشكلات ويصعب التعامل معها في القادم من أيام لن تكون مريحة!.

غسان فطوم