الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

ما أنقذنا سوى الحب

سلوى عباس

الفنان صاحب رسالة، وله تأثيره في المجتمع. والفن يمثل مرآة حقيقية تعكس قضايا المجتمع ووجدان السوريين الذين يعتزون بسوريتهم، وفنانونا الذين نراهم في الشخصيات الدرامية التي يجسّدونها أشخاصاً من لحم ودم، يشبهوننا كثيراً، يعيشون كما نعيش، ويحلمون كما نحلم، جسّدوا في هذه الفاجعة الزلزالية التي أصابت سورية أعلى حالات النبل والإنسانية، سواء بانخراطهم في الفرق التطوعية والمساعدة في إنقاذ الناس وانتشالهم من تحت الركام، أو من خلال المشاركة في المبادرات التي نظّمها بعض الفنانين، وقد ترجم موقف نقابة الفنانين هذا البعد الإنساني بكلّ تجلياته، إذ أعلن نقيب الفنانين محسن غازي عن إطلاق حملات لدعم ضحايا الزلزال تضمّنت التبرعات المادية والعينية والتبرع بالدم للمصابين، كذلك رأينا الفنانين باسم ياخور وفادي صبيح متواجدين إلى جانب المتضررين من الزلزال، يوزعون لهم المساعدات والمواد الإغاثية بأيديهم وقد تجلّت إنسانيتهم بأسمى معانيها، حتى ليُظن أن المتضررين أقرباؤهم، وهذا ليس غريباً على السوريين بكل أطيافهم وشرائحهم، دائماً تجمعهم الملمات على قلب واحد متناسين خلافاتهم التي نشبت بينهم على حين حرب ظالمة، كما أطلقت الفنانة شكران مرتجى عبر صفحتها صيحات الاستغاثة لمساعدة المنكوبين في هذه الكارثة المؤلمة طالبة من الناس تقديم شتى أنواع الدعم، كذلك مبادرة “كلنا لبعض” التي شارك فيها الفنان الراحل شادي زيدان قبل أيام من وفاته، لدعم المتضررين من الزلزال، وما تصرّفه هذا إلا مثال بسيط على نخوة وشهامة يعرفها جميع المقرّبين منه.

لكن أكثر ما لفتني بمبادرات الفنانين مادوّنته الفنانة أمانة والي على صفحتها، حيث نشرت لوحة مكتوب عليها “ما أنقذنا سوى الحب” وعلقت عليها قائلة: “رأيت الحب بأسمى آياته لدى شباب وبنات سورية وسنحتفل بكم اليوم وكلّ يوم، عشتم وعاشت سورية”. وفي منشور آخر لها كتبت: “حالات لم نكن نتصورها أن تحدث من شباب وشابات اليوم كنا نقول ما عرفنا نربي متل أمهاتنا وآبائنا، طلعنا نحن والزمن الصعب ربيناهم، وبيّن المعدن يلي تعبنا عليه، بوركتم شباب وبنات سورية أثلجتم صدورنا وطلعنا غلطانين.. حضن كبييييييييير إلكن”. كما تحدثت عن مواقف كثيرة لسوريين كانوا متعاونين معهم من أجل إخوتهم المتضررين من الزلزال، وهؤلاء الأشخاص هم بأمسّ الحاجة للمساعدة، كالمرأة التي خاطت لهم ألبسة داخلية بسعر التكلفة فقط، وذلك الرجل الذي أوصى على 100 سلة غذائية من عند مركز تسوّق دون أن يعرّف عن نفسه، وأيضاً الشاب صاحب البسطة الذي وزّع عليهم كاسات الشاي مجاناً أثناء وقوفهم في ساحة سعدالله الجابري، وشخص آخر لا يعرفهم وليس لديه القدرة على مساعدتهم في حلب، حوّل لهم آلافاً من الرصيد إلى “موبايلاتهم” بدون مقابل! ومواقف شهامة ومروءة لأشخاص كانت أياديهم بيضاء في هذه الكارثة. وتضيف والي: “على قدر الكارثة، على قدر شعوري الغريب تجاه المواقف يلي ما كنت بتخيّل أنها ممكن لسا تكون موجودة بمكان منكوب نفسياً قبل حياتياً.. شكراً جزيلاً لكم جميعاً، هذه الحالة لا يمكن وصفها”.

فنانونا الأعزاء.. إن ما تقومون به اليوم، وكلّ يوم، من تعبير عن محبتكم لبلدكم وأهلكم وفنكم بلسم لجروح سورية وهدهدة لقلوب ثكلى تحوّلت دموعها شلالات فرح لغد مشرق بموسيقا تعزفها أصواتكم أنشودة للانتماء، ومن وحي أعمالكم التي أعطت للفن السوري ألقه تتفتح سنبلة من حنطة الأمل، وتتوضح رؤية الخلق المدرك لقدرة الشعب السوري على الصمود والانبعاث والتجدّد.