أخبارصحيفة البعث

تخفيضات “أوبك بلس” تجسيدٌ لأدوات العالم الجديد

تقرير إخباري:

شهدنا تزايداً في الأصوات الأمريكية المندّدة بخطوة دول “أوبك بلس” نحو زيادة تخفيض الإنتاج بمعدّل أكثر من مليون و600 ألف برميل نفط يومياً، رغم مطالبتها بتحقيق العكس، ما يعكس مدى تراجع هيمنتها على مؤسسات الطاقة العالمية كما كان سائداً، وقد تذرّعت واشنطن بأن هذه الخطوة تزيد من التضخم العالمي وارتفاع أسعار النفط، مشيرةً إلى أن “خفض الإنتاج العالمي بهذا الشكل الذي يمثل 1,16% من الإنتاج سيسبب ارتفاع السعر بمعدل 48 دولاراً للبرميل الواحد، وسيؤثر في جميع الأمريكيين، ويخنق الولايات المتحدة، ويزيد من بُعدها عن دول تحالف (أوبك بلس)”، وفي الوقت نفسه تتناسى الإدارة الأمريكية بكل أنانية ما اقترفته من سياسات خاطئة أدّت إلى انهيار البنوك، وتأجيج التضخّم حول العالم، كما تتناسى أن النفط هو آخر مشكلة في سلّم مشكلات إدارتها التي تخلق مئات الصراعات وتزجّ نفسها بعشرات النزاعات حول العالم، وتزيد من ترسانتها وإنفاقها العسكري دون حساب، ثم تأتي لطرح حلول على حساب الدول المنتجة للنفط، التي تبني ميزانياتها بشكل أساسي على سعر متوسط له يتراوح بين 50-80 دولاراً، ولا سيما أن إنتاج البرميل يكلّف بحدود 22- 28 دولاراً، وأيّ خفض للسعر يعني انهياراً لاقتصادات تلك الدول.

إن “أوبك بلس” باتت لا تتأثر بالإملاءات الأمريكية والأوروبية في رسم سياساتها المستقبلية، لأن دول الغرب إما مستهلة للنفط أو لا تعتمد عليه في بناء ميزانياتها بشكل أساسي، واعتراضها لا محل له أساساً، وخاصةً أنها تلتزم الصمت عند انخفاض سعر البرميل إلى مستويات كارثية تقارب الـ30 دولاراً.

كذلك فإن العالم يسير بأدواتٍ غير مسبوقة اقتصادياً آخرها اعتماد الروبل الروسي واليوان الصيني وعدد من العملات المحلية في التبادلات التجارية وشراء الطاقة، بعد أن استغلت أمريكا الدولار سياسياً، أو اعتماد معيار خام نفط دبي بدلاً من خام برنت الأوروبي لتسعير النفط كما حدث بين روسيا والهند مؤخراً، وفي سياقٍ متصل فإن روسيا وحدها خفّضت الإنتاج بمعدل نصف مليون برميل يومياً، مؤكدةً أن هذا التخفيض يصبّ في مصلحة دعم قطاع الطاقة وتحقيقاً للمستوى المناسب له، بغض النظر عن قبول أو رفض القرار من بقية الدول، في إشارة منها إلى أمريكا والدول الأوروبية.

من جهةٍ أخرى، تحاول الولايات المتحدة تفسير خطوة “أوبك بلس” على أنها تصعيد أو صدام يستهدف كيانها تقف وراءه روسيا والسعودية وعدد من دول الشرق الأوسط، أو مزج للاقتصاد بالسياسة والتحالفات الجيوسياسية “حسب زعمها”، لكن بالمقابل فإن الواقع ليس كذلك مهما تم تضخيمه من وسائل الإعلام الأمريكية، فدول تحالف “أوبك بلس” تعاني من انخفاضاتٍ في سعر النفط منذ بداية أزمة انهيارات البنوك الأمريكية، ووجدت أن الأفضل هو الاتفاق على صيغة تضمن توازن السعر من خلال رفعه في حال انخفاضه بصورة مضرّة، أو حتى تخفيضه إن ارتفع بشكل كبير وغير متوازن، وهو من الواجبات الأساسية المترتبة على المنظمة والتي أُنشئ التحالف من أجل تحقيقها بعيداً عن السياسة.

وفي النهاية، العالم الجديد يتابع رسم خطواتٍ عادلة للشعوب، فليس من المعقول أن يكمل مسيرته على نهج رسمته الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية لتقاسم ونهب خيرات العالم بالاشتراك مع حفنة من الدول الأوروبية والأذناب، وخاصةً بعد ما شهدناه من ظاهرة انهيار عملات واقتصادات الدول دون أن تعاني حتى من حروب أو أزمات، أو أن تعاني بعض الدول كدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من مجاعات لمجرد اندلاع حرب أو نزاع في مكان من العالم رغم قدرتها الكاملة على إنتاج القمح والحبوب، فالدول ماضية اليوم نحو التحالفات الاستراتيجية التي تحقق مصلحة المتحالفين بالدرجة الأولى وإنهاء حالة الفوارق الاقتصادية.

بشار محي الدين المحمد