اقتصادصحيفة البعث

لا جدوى للمقاسم البرجية!!

علي عبود

ما من جهة حكومية، وتحديدا وزارة الأشغال أجابت على السؤال المطروح: ما جدوى المقاسم البرجية لمعالجة آثار كارثة كبيرة ومدمرة كزلزال 6/2/ 2023؟

إذا كانت الحكومة قررت اللجوء إلى خيار الأبنية البرجية كحل سريع استجابة لمطالبة المتضررين من الزلزال بتأمين مساكن بديلة تؤمن إقامة كريمة لهم ولعائلاتهم، فهل الأبنية البرجية، مهما كان تشييدها سريعا، ستكفي آلاف المنكوبين؟

والسؤال الأهم: من الجهة القادرة على تنظيم جدول أولويات بمستحقي الشقق المنجزة، والتي ستكون محدودة جدا مقارنة بأعداد المنكوبين الذين خسروا منازلهم وتشردوا خلال ثوان قليلة جدا أشبه بطرفة عين؟

حسب آخر إحصائية لوزارة الإدارة المحلية بتاريخ 5/ 4/ 2023، فإن عدد الأبنية التي تحتاج إلى هدم لا تقل عن 4700 بناء، أي أن تشييد ما يوازيها يحتاج إلى أكثر من  ضاحية سكنية، والسؤال: أين ستبنى الأبنية البديلة للتي اتخذ قرار بهدمها؟

بما أن وزارة الأشغال لم تشر حتى الآن إلى خيار الضواحي السكنية، فإننا نسأل المعنيين فيها: هل خططكم بتشييد أبراج في مناطق مبعثرة تكفي لمن انهارت شققهم؟

إننا أمام رقم ضخم، ولا يمكن لخيار الأبراج أن يكون البديل السريع، وستواجه وزارة الأشغال عاجلا أم أجلا مشكلة “التخصيص”، فالأبراج التي ستنجزها تبقى محدودة جدا، فما هي معايير توزيعها على منكوبين دون غيرهم؟ فالكلّ تعرّض للمأساة نفسها أي خسر منزله، ولا حلا جذريا، بالتالي، يضمن عدالة التوزيع سوى الضواحي التي يمكن إنجازها بتقنيات التشييد السريع، فلماذا التردد بتبني خيار الضواحي السكنية ما دام خيار الأبراج سيخلق الكثير من الإشكالات والوساطات خلال عمليات التخصيص؟

لقد كشفت إحصائية وزارة الإدارة المحلية عن عدد الأشخاص المهجّرين من جراء الزلزال داخل وخارج مراكز الإيواء، فأكدت انه وصل إلى 328301 شخص، منهم 136920 شخصاً في مراكز الإيواء، بينهم 70403 من الأطفال، و41809 من النساء، فإذا كان وسطي أعداد الأسرة الواحدة 5 أشخاص، فهذا يعني أننا أمام 6600 أسرة تحتاج إلى شقق بديلة ودائمة، وقطعا فعدد الأبراج التي أعلنت وزارة الأشعال عن المباشرة ببنائها في القادم من الأيام لن تكفي سوى لعدد قليل جدا من الأسر المنكوبة، لذا نعيد ونكرر بأن لا جدوى من بناء أبراج لا توفر سوى النزر القليل جدا من احتياجات الأسر المشردة من منازلها.

ومن الضروري جدا الوقوف عند الرقم الكبير من الأبنية التي بيّنت وزارة الإدارة المحلية انه يحتاج إلى التدعيم، فهو يبلغ 63905 مباني، في المحافظات المنكوبة، وإذا كان هذا العدد الكبير من الأبنية آمنا إنشائيا، أي صالحا للسكن، فالسؤال: هل هذه المباني آمنة بعد تعرضها لعدد كبير من الهزات في مواجهة أي زلزال شديد لا يعرف أحد متى سيحدث؟

وبما أن القسم الأضخم من المباني التي تعرضت للانهيار والتصدع والتشقق يقع في مناطق المخالفات، فلماذا لا تقوم الحكومة بالتواصل مع شركات عربية لبناء ضواح سكنية مكانها عن طريق الاستثمار، فنضمن بذلك تشييد أبنية سكنية مقاومة للزلازل دون أن تكلف خزينة الدولة قرشا واحدا، وخاصة أن بعض الشركات العربية سبق لها وتقدمت بمثل هذه العروض في تسعينات القرن الماضي، وفي بدايات القرن الحالي، أليس هذا أفضل من تدعيم أبنية مشادة أساسا في مناطق المخالفات ؟.

وكما ذكرنا مرارا فإن إنجاز الضواحي بتقنيات التشييد السريع لا يستغرق أكثر من عام، يمكن خلالها تأمين السكن المؤقت للمتضررين من خلال عدة خيارات، كتجهيز مراكز إيواء تضمن للأسر بداخلها نوعا من الاستقلالية والخصوصية، وإنجاز المنازل المسبقة الصنع التي وصل بعضها من الصين، والتي بدأت الإمارات ببناء ألف منها في اللاذقية، والتي باستطاعة الشركات الإنشائية إنجاز عدد كبير منها بزمن قياسي، وكذلك تأمين شقق مستأجرة وهو ما بدأت به فعليا غرف التجارة والصناعة..الخ.

أكثر من ذلك، لدى وزارة الأشغال مشاريع سكنية فارغة لم تُخصص للمكتتبين عليها، يمكن استخدامها بشكل مؤقت لعدد من الأسر المتضررة، مقابل بدل إيجار مناسب لأصحابها لمدة عام، أي ريثما تنجز الضواحي السكنية، ولكن لم تحسم الوزارة أمرها في تبنّي هذه الخيارات، ولا نعرف لماذا التردد في هكذا وضع مصيري يخصّ المنكوبين؟

الخلاصة.. في حال لم تعلن وزارة الأشغال عن تبنّي خيار الضواحي السكنية بتقنيات التشييد السريع، فإننا نخشى أن تكتفي ببضعة أبراج سكنية مبعثرة في عدة مناطق، وبتدعيم الأبنية المتصدعة “ربما على نفقة أصحابها”، والاحتمال الأخطر أن تتحول المنازل المؤقتة إلى دائمة، أي البديل عن أي أبراج جديدة!!.