سورية واسطة العقد..
طلال ياسر الزعبي
لا شكّ أن سورية لم تكن يوماً من الأيام عائقاً أمام العمل العربي المشترك ما دام ذلك سيساهم في صناعة أدنى صيغة من صيغ التضامن العربي، فالتاريخ الحديث يشهد أنها كانت رائدة لحركات التحرّر في الوطن العربي، حيث عملت منذ استقلالها عن المستعمر الفرنسي في السابع عشر من نيسان عام 1946، وحتى قبل ذلك، على دعم حركات التحرّر في الوطن العربي، وقدّمت الدعم المادي والمعنوي لجميع الشعوب العربية التي كانت تناضل من أجلال الاستقلال عن المستعمر، فكان الشيخ عز الدين القسّام الذي قاد الثورة ضد المستعمر البريطاني في فلسطين، وكانت أيضاً مشاركة سورية في صدّ العدوان الثلاثي على مصر، ودعم الشعب الجزائري في نيل استقلاله من المستعمر الفرنسي.
ولسنا هنا في معرض تعداد المآثر التي تميّزت بها سورية، ولكن لابدّ في بعض الأحيان من التذكير بأنها كانت حاضرة دائماً في كل القضايا التحرّرية العربية، بل أثبتت الأعوام الاثني عشر الأخيرة التي واجهت فيها سورية أعنف الهجمات الإرهابية التي عرفها التاريخ، أن موقف سورية من القضية المركزية للعرب قضية فلسطين، هو السبب الرئيس الذي جعل الصهيونية العالمية ممثّلة بالولايات المتحدة و”إسرائيل” والغرب الجماعي تشنّ عليها أقذر الحروب في العصر الحديث، ليس لأنها وقفت في وجه تيار التطبيع السائد الذي فرضته الهيمنة الأمريكية على العالم فحسب، بل لأنها هي العقدة التي إذا تمّ حلّها انفرط عقد الأمة مجتمعة وصارت نهباً للجميع.
فلو قُيّض للمشروع الصهيوني أن يمرّ من دمشق التي هي واسطة العقد، فإن عقد دول المنطقة كان سينفرط وستعمّ الفوضى فيها، وربما انسحب ذلك على عدد كبير من دول العالم المستهدفة بنظرية المليار الذهبي وغيرها من النظريات الأمريكية، ولكن صمودها في وجه ما سُمّي زوراً “الربيع العربي”، كان بشهادة عدد كبير من الدول في المنطقة والعالم، عنواناً لمرحلة جديدة نشهد إرهاصاتها الآن.
فالعالم كلّه بدأ يتغيّر، ولم يعُد المشهد كما كان سابقاً، تسيطر فيه الصهيونية على العالم، بل راح عدد كبير من دول العالم، ومنها دول عظمى، يسعى إلى تغيير النظام العالمي السائد القائم “على القواعد” كما يسمّيه الغرب، للإبقاء على هيمنته، ليدخل العالم مرحلة جديدة تتعدّد فيها الأقطاب بعيداً عن هيمنة القطب الواحد.
ومن هنا، فإن سورية عندما تجنح إلى تجاوز الخلافات مع محيطها العربي، إنما تتعالى على الجراح، لأن غايتها الوصول إلى التضامن الذي كانت وما زالت تنادي به. والهدف الأهم الذي تبحث عنه سورية هو أن يكون للأمة العربية مجتمعة مكان في العالم الجديد، وأن تصبح طرفاً في المعادلات الدولية الجديدة بما تمتلك من ثروات مادية وبشرية تمكّنها فعلياً من ذلك، لا أن تغرق في الخلافات البينية التي لا طائل منها سوى التخلّف والدمار والعيش على هامش العالم.
وعلى هذا الأساس كانت سورية، وما زالت، مستعدّة للتضحية دائماً للوصول إلى الغاية المنشودة، وهي الوصول إلى هذه الحالة من التضامن العربي ونبذ الخلافات، لمواجهة الأخطار الكبيرة التي تواجه الأمّة برمّتها، ولن تكون عائقاً في طريق أيّ نهضة عربية جديدة، لأنها تريد للأمطار أن تنتظم الدول العربية مجتمعة.