اقتصادسلايد الجريدةصحيفة البعث

المهندس عرنوس خلال اجتماع مجلس اتحاد العمال: تسعيرة القمح كافية ولن نرضخ لعصابات وسماسرة.. لا يمكن الاعتماد على التمويل بالعجز ولن نفرّط بأية منشأة للقطاع العام

دمشق – ريم ربيع – مادلين جليس

لم يشفِ حديث رئيس الحكومة، المهندس حسين عرنوس، خلال انعقاد المجلس العام لاتحاد العمال، اليوم، غليل الحاضرين المتعطشين لأي بارقة أمل تنعش معيشتهم وظروفهم الاقتصادية، حيث طغت “الواقعية السوداء” على معظم ردود عرنوس بما يتعلق بالرواتب والوضع المعيشي الذي لا يختلف اثنان على ضرورة تحسينه، وفق تعبيره، فصارح ممثلي العمال بلا مواربة بأنه لا إمكانات ولا موارد متاحة حالياً لتحسين الأجور “وفق المأمول”، وردّ على مداخلة أحد رؤساء الاتحادات حول ضرورة زيادة الرواتب بقوله: “من وين؟”.

ولم ينكر عرنوس أن كل العمالة الخاصة، والحرفيين والعاملين بقطاعات التجارة والصناعة، تمكّنوا من موازنة أجورهم إلى حدٍ ما باستثناء القطاع العام، ليسرد بعدها جملة المعوقات التي حالت دون ذلك، فبيّن أن مقدار الدعم لهذا العام بلغ 25 ألف مليار ليرة، وهي قيمة لن تتمكّن الحكومة من الاستمرار بها في ظل غياب الموارد، وفي ظل تكلفة شهرية تقدّر بحوالي 200 مليون دولار ثمناً للمحروقات والقمح، ليكون خيار اللجوء إلى ملحق للموازنة هذا العام مطروحاً على الطاولة.

وأضاف عرنوس: هناك حوالي 2.5 مليون موظف بين عامل ومتقاعد، وهو عدد كبير عند النظر لأي زيادة محتملة، وأي سيولة يتم تأمينها تذهب لدعم قطاع معين بالحوافز أو الرواتب، أو تصرف كمنحة، مؤكداً أن الحكومة تبحث عن أي طريقة لتحسين الأجور، وجاهزة للأخذ بأي مقترح.

لا تفسير حكومياً

وعلى وقع ارتفاع سعر الصرف، وما يتبعه من زيادات متسارعة بأسعار مختلف السلع، بدا أن رئيس الحكومة نفسه لا يملك تفسيراً، وصارح العمال بأنه لا جواب منطقياً للحيرة التي يشعرون بها إزاء ارتفاع الأسعار، فالحكومة تتابع منصة التمويل – التي هي أكبر الحجج – على أعلى المستويات، وقامت بإخراج 40% من المواد من التمويل، لكن لم يلمس المواطن فرقاً بالسعر، مؤكداً أن مطالب التجار والصناعيين بأن تتركهم الحكومة ليعملوا “هي محققة، ولكن طالما لا نلمس أثراً لذلك فسنعود للتشدّد”.

وأوضح رئيس الحكومة أن بعض الصناعيين ينشئون معامل ويريدون استرداد رأس المال بسنتين عبر رفع الأسعار، مشيراً إلى أنه على الرغم من تأكيد الحكومة حماية الصناعة الوطنية، لكن يجب على الصناعيين بدورهم تحمّل مسؤوليتهم الاجتماعية، وأن يكونوا أكثر ارتباطاً بالشأن العام.

وحول رفع سعر الصرف بنشرة الحوالات، التي رآها بعضهم مؤشراً للسوق السوداء لترفع أسعارها، أوضح عرنوس أن المركزي لجأ لتثبيت السعر لأكثر من أسبوع على 7500، ولكن ذلك لم ينعكس انخفاضاً بسعر السوداء، وأثر سلباً في الحوالات، لذلك عاود رفع السعر إلى 7800 ليرة.

وفيما يتعلق بتسعيرة القمح التي لاقت ولا تزال استهجاناً كبيراً من مختلف الفئات، أصرّ المهندس عرنوس على أن “التسعيرة المحددة كافية، فالحكومة لن ترضخ لتسعيرة عصابات وسماسرة لتسعر مثلهم، وهي على ثقة أنها ستستلم كامل محصول المناطق الآمنة، ومن يتاجر بالقمح لخارج الدولة سيكون كمن يتاجر بالعملة”، مردفاً بالسؤال: “هل أنتم جاهزون لرفع سعر ربطة الخبز، إن رفعنا سعر شراء القمح؟.. فالربطة الواحدة تكلف اليوم 3200 ليرة، ووفق التسعيرة الجديدة ستكلف 4000 ليرة”.

وأشار عرنوس إلى أن الحكومة والمالية تضطران للتمويل بالعجز، لكن لا يمكن الاعتماد عليه بشكل دائم لأنه يخفض قيمة الليرة، مشدّداً على أن كتلة الدعم الكبيرة لا يمكن الاستمرار بها، فيومياً يتم ضخ 3 ملايين طن محروقات بسعر 700 ليرة لليتر، بينما تبلغ تكلفتها 7500 ليرة لليتر، وحتى الفيول الذي تم رفع سعره مؤخراً، لا يزال دون التكلفة المقدّرة بـ4.5 ملايين ليرة للطن.

 

شراكة مع الحلفاء

وحول التشاركية مع الحلفاء، قال المهندس عرنوس: لسنا من هواة طلب القروض، لكننا نبحث عن استثمارات رابحة مع الشركاء والحلفاء، ولن نفرّط بأية منشأة في القطاع العام، وبالنسبة لمنشأتي مرفأ طرطوس ومعمل الأسمدة اللتين تم التشارك بهما مع الجانب الروسي، فقد تأخر إنجاز الاتفاق ولم يكن على المستوى المطلوب إثر الحرب الأوكرانية، وإن سمح الظرف للشريك الروسي بإعادة النظر بوضع الاستثمار فنحن جاهزون، أو أن تتم معالجته بطريقة أخرى بهدف الوصول لواقع أفضل، ولسنا خجولين من شركائنا إذا دعوناهم للتعاطي بجدية في الاستثمار.

ارفعوا دعوى

ولفت عرنوس إلى أن الوظيفة العامة تتجه لإدارات ووزارات رشيقة تؤدّي الخدمة بأقل التكاليف، ودون أن يُصرف أي عامل، ولكن بالنسبة للعقود الموسمية التي تقرّر فصل العاملين بموجبها في وزارة العدل، لم يقدّم رئيس الحكومة أية إجابة واضحة حول مصيرهم، ليكتفي بالقول: “سنحاول أن نعرف توصيفهم، وإن أمكن تثبيتهم تحت مسمّى واضح، وإلا فليست “مزرعة” لنثبّت كما نشاء”، موضحاً أنه بالأساس التمديد لهذه العقود وفق قانون العاملين هو أمر مخالف، ليشير أحد الحاضرين إلى أن “العقود تم تمديد بعضها لأكثر من 10 سنوات وخلافاً للقانون”، فيأتي ردّ عرنوس: إذاً ارفعوا دعوى على الحكومة.

وتساءل عرنوس: لماذا لم ينجح سوى 30 عاملاً من أصل 130 من العمال الموسميين بالوزارة الذين تقدّموا للمسابقة؟ ليأتي تعقيب رئيس اتحاد العمال جمال القادري بأن الوزارة أوقعت العمال بمكيدة، إذ حوّلتهم من عقد سنوي إلى موسمي، وهناك 6000 عامل مؤقت لم تتم تسوية وضعهم بانتظار مسابقة أو حل، والمسابقة الأخيرة لم تكن أنموذجاً يحتذى به، والعشرات نجحوا بأساليب غير مشروعة.

وثائق فساد

وعلى الرغم من إقرارها بأن الحكومة والوزارة ليستا راضيتين عن المسابقة بشكل كامل، إلا أن وزيرة التنمية الإدارية، الدكتورة سلام سفاف، لم تستطع إلا أن تدافع عن المسابقة المركزية التي أقامتها منذ عدة أشهر عند مواجهة رئيس اتحاد العمال، جمال القادري، لها بوجود وثائق تثبت حصول حالات فساد بالعشرات، حيث أشادت سفاف بالتنظيم والأتمتة خلال المسابقة، وبأن الوزارات هي من راسلت “التنمية” باحتياجاتها ولم تحدّدها بمفردها كما يُقال، وكان المتقدم للمسابقة على علم ودراية بالمكان والتوصيف الذي يتقدّم له على عكس السابق.

وعلى الرغم من ذكر سفاف للأرقام كوسيلة للمحاججة بأهمية المسابقة المركزية، إلا أن هذه الأرقام كشفت التقصير الكبير في التعيين، فمن أصل 186 ألف متقدّم لامتحان المسابقة، تم تعيين 33 ألفاً فقط، إلا أنه، وفق رأي الوزيرة، “رقم جيد ويلبّي احتياجات الجهات العامة التي طرحت مسبقاً 76 ألف فرصة عمل”.

وحول التساؤلات التي وردت عن تأخير “قانوني الخدمة العامة والتنظيم المؤسساتي”، أشارت سفاف إلى اضطرارهم للتوقف عند عدد من النقاط ودراستها، مؤيّدة التوجّه نحو قانون عام يعطي لكل جهة خصوصيتها، أما بالنسبة لنظام “المراتب الوظيفية” فهو شبه منتهٍ.

ورداً على الانتقادات التي طالت المسار الزمني للمديرين ومعاوني الوزراء، تساءلت سفاف: هل من المعقول أن يبقى شخص لمدة 15 سنة في مكانه، بالمقابل هناك 35% فئة أولى من كتلة العمالة التي تقدّر بـ1.1 مليون موظف؟.

ضبوط شكلية

بدوره وزير الشؤون الاجتماعية والعمل، لؤي المنجد، أشار إلى إعادة النظر بالبيئة التشغيلية بقطاع الأعمال، بحيث تحفظ حقوق العامل والحكومة ورب العمل معاً، موضحاً أن معظم الضبوط الواردة من الدرجات الثالثة والرابعة من التجار هي ضبوط شكلية، وغالباً يتم النظر لهم كصغار كسبة، أما الضبوط الحقيقية فتكون من تجار الدرجة الأولى والثانية فيما يتعلق بتسجيل العمال، مؤكداً وجود ممثل عن الاتحاد بمختلف الجولات التفتيشية.

حفظ الحد الأدنى

من ناحيته، لفت وزير الإسكان، سهيل عبد اللطيف، إلى مذكرات تفاهم مع الدول الصديقة لتأمين الآليات، مؤكداً أن مؤسسة الإسكان حاولت الحفاظ على الحد الأدنى من الأقساط للسكن العمالي، وبعد أن كانت تقترض سنوياً 300 مليون ليرة لإتمام السكن، أصبح المبلغ بعد عام 2021 حوالي 5 مليارات ليرة.

تعميم التشاركية

أما وزير الكهرباء، غسان الزامل، فقد مهّد لزيادة قريبة بأسعار الطاقة بحسب كميات الاستهلاك، بينما ستصبح بسعر الكلفة لمن يستهلك أكثر من 1500 كيلو واط، وذلك لأن الوزارة لم تعُد تحتمل تكلفة الدعم كلها، مبيّناً أن عقد التشاركية لترميم محطة دير علي لا بد من تعميمه على بقية المفاصل للاستفادة من مرونة القطاع الخاص، لافتاً إلى أنه من المتوقع إنجاز الجزء الأول منها بداية الشهر، أما في محطة اللاذقية فأصبحت المجموعتان الأولى والثانية جاهزتين، وسيتم التشغيل مطلع الشهر للمجموعة الأولى وبعدها بـ15 يوماً الثانية، وفي حلب ستنتهي غداً عمليات إصلاح المجموعة الخامسة، بينما ستتأخر المجموعة الأولى شهرين تقريباً.

قيمة مضافة

إلى ذلك، بيّن وزير الصناعة، عبد القادر جوخدار، أن صناعة الأسمنت حالياً تعاني من بعض الإشكاليات المرتبطة بحوامل الطاقة، مبشراً بزيادة متمّمة لأسعارها بعد رفع سعر الفيول، أما بالنسبة للأدوية فأكّد أن التوجّه الحالي هو لاستعادة نشاط شركة “تاميكو”، وإضافة صناعات جديدة بما فيها أغذية الأطفال والمتمّمات الغذائية، ومشيراً إلى دراسة لاستثمار معملي الجرارات والبطاريات المتوقفين بحلب برؤىً استراتيجية تعكس هوية الصناعة السورية، والوصول لإنتاج متكامل يساهم بقيمة مضافة تصل إلى أكثر من 50%.

دون أرباح

وزير التجارة الداخلية محسن عبد الكريم، أشار إلى وجود دراسة جديدة للحوافز في كل المؤسسات، نافياً الحديث عن عدم تحويل المستحقات إلى معامل إنتاج المياه المعدنية من الشركة السورية للتجارة، ومضيفاً: إن كميات المياه التي كانت تخصّص لمعتمدين أُعيد تحويلها إلى السورية للتجارة لتُباع للمواطن بشكل مباشر دون أرباح، كما أشار إلى استمرار استجرار منتجات مؤسسة الصناعات الغذائية وفق الإمكانات المتاحة.

كلام دون فعل

من جانبه، رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال، جمال القادري، بدا متفهّماً للضغوط التي تواجهها الحكومة على المستوى الاقتصادي، إلا أنه أشار في الوقت ذاته إلى معاناة العمال الكبيرة بسبب التضخّم وانخفاض الأجور، مبيّناً أن الراتب لا يكاد يكفي لبند واحد من بنود الإنفاق، ولا يمكن إشاحة النظر عن واقع الطبقة العاملة المتردّي، وداعياً إلى إيلاء العملية الإنتاجية الأهمية القصوى لأنها قادرة على خلق دخول إضافية.

ولفت القادري إلى أن الكثير من الشركات والمنشآت يمكن تشغيلها وترميمها بمبالغ بسيطة، ولكن الحكومة تتكلّم دون أن تبدأ فعلياً، معتبراً أنه لا يوجد بديل عن التمويل بالعجز الذي يعترض عليه وزير المالية، فعلى الرغم من تكلفته الكبيرة إلا أن اللجوء إليه لمقاربة الرواتب بشكل أفضل سيكلّف أقل بعشرات المرات من التكلفة الاجتماعية الباهظة التي ندفعها.

وبدا القادري صريحاً باستيائه كما العمال من مشروع الإصلاح الإداري الذي لم يحقّق الخطوات المطلوبة بعد 6 أعوام من إطلاقه، موضحاً: إن واقع الوظيفة العامة أصبح متردّياً، وأداء العاملين تراجع، وعشرات المؤسسات لم تتمكّن من وضع نظام التحفيز الوظيفي، كما أن المسار الزمني لمعاوني الوزراء والمديرين لم يدرس الإمكانات فلا يوجد بدائل كثيرة، ومطالباً بإعادة النظر بالمشروع ورفع سن التقاعد، وأن يُترك لكل قطاع وضع مؤشراته بدلاً من القياس بمسطرة واحدة.

وأشار القادري إلى أن مرفأ طرطوس لم يشهد أي تطوّر بعد عقد الاستثمار، والأمر ينطبق على معمل الأسمدة، معرّجاً في الوقت ذاته على دور المصرف المركزي بـ”حماية الليرة، لا أن يقود بنفسه المضاربة”، كما طالب بإعادة النظر بتمويل المنصة، وسحب صلاحية التمويل من شركات الصرافة التي أصبح مالكوها “مليارديرية”.

مصير الوعود

وعلى الرّغم من أنه الموضوع الأهم والأكثر إلحاحاً، إلا أن مطالبات العمال لم تكتفِ بزيادة الرواتب، بل تطرّقت لكل ما من شأنه المساهمة في دفع العملية الإنتاجية، حيث تساءلوا عن تنفيذ وعود رئيس الحكومة بدعم الطبقة العاملة، وخاصةً أن أغلبهم لم يستطع الاستفادة من المسابقة المركزية التي أجرتها وزارة التنمية الإدارية وفق ما أكّده رؤساء اتحاد عمال المحافظات، الذين طالبوا بإجراء مسابقة خاصة لكل وزارة.

ولم يتناسَ العمال أن يضمّنوا مطالبهم النقل من وإلى أماكن عملهم، لأن ذلك يشكّل عائقاً مهماً بالنسبة لهم، إضافةً إلى إعادة تأهيل عدد من المؤسسات المتوقفة نتيجة عدم توفر المحروقات، كمعمل الدواء بحماة والشركة العامة للبورسلان.

أما رفع سن التقاعد إلى 65 عاماً فقد كان مطلباً ضمّته أغلب المداخلات، كما تساءل العمال عن نظام التحفيز الوظيفي والوحدة المعيارية، إضافةً إلى المطالبة بالتوضيح عمّا وصل إليه تعديل قانون العاملين رقم 50.

واتهم العمال “المركزية الشديدة” بالتسبّب في تأخير تسليم مخصصات عملهم، كاللباس والوجبة الغذائية ووسائل النقل، إذ وصفوها بـ”القاتلة للمؤسسات والشركات”.