الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

جريمة شرف.. بين “لا تصالح” و”سأخون وطني”

غالية خوجة

عبرت وستعبر أزمنة من آلة الوقت البدائية الطبيعية والرملية والحجرية والميكانيكية والرقمية والفنية ومنها لوحة سيلفادور دالي، والأدبية التي كتب عنها الكثيرون لأنها الآلة التي لا ترجع إلى الوراء إلاّ مع ويلز، ولكنها تمضي إلى الأمام كمستقبل وذلك ما يعرفه الجميع وبكل اللغات، وأولها رقيمات وألواح أوغاريت وإيبلا التي ستظلّ ماكثة أكثر من الأزمنة لتخبر الأحفاد عن الأجداد وكيف تمسّكوا بوطنهم ولم يسامحوا غازياً ولا مخرباً هدم وطنهم حتى من بني جلدتهم، وكأن مبدأهم المحوري هو “وطن- شرف- إخلاص”، بل طبّقوا عليه القوانين المناسبة، لأنهم أدركوا أن الخيانة مثل الإرهاب والاحتلال لا جنسية لها ولا دين ولا انتماء ولا هوية، حتى ولو كانت بكلمة واضحة أو متوارية أو همّازة، سواء في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي أو بأية وسيلة أخرى إعلامية أو رسمية أو ملحّنة أو استهزائية أو صورية أو مسموعة أو منشورة مرئية ومقروءة وإشارية ومضمرة واقعياً أو افتراضياً أو رمزياً.

ترى، كم معاني الشاعر الفلسطيني محمود درويش مؤلمة: “وطنيون كما الزيتون، لكنا مللنا صورة النرجس في ماء الأغاني الوطنية”.

ترى، هل كان سيغيّر الشاعر المصري أمل دنقل قصيدته لو كان بيننا اليوم: “لا تصالح/ هل يصير دمي بين عينيك ماءً”، لتصبح “بل نصالح”؟! أو “بل نسامح”؟!.

أم هل حسبوا أن الشاعر السوري محمد الماغوط فعل بدلالات عنوان مجموعته الشعرية “سأخون وطني”، وهو الذي تساءل فيها: “إذا ما سألوك: أين أذهب أحياناً عند المساء؟” ليجيب: “فقولي لهم: إنني أعطي دروساً خصوصية في الوطن العربي في توعية اليائسين والمضللين”؟.

يبدو أن الشعار الجديد لكثير من الموجودين في القطاع الثقافي والإعلامي أصبح لنسامح الجميع، وهو قناع جديد للتساهل مع الخونة والرماديين وأمثالهم، ومنهم “الكتبة” المحرّضون بالكلمة والرسم والصورة والتغريد والتفييس والتمثيل والفبركة والنفاق بذريعة أنهم تحت جناح الوطن!.

ولربما، ليس مستغرباً، في المستقبل العاجل، أن تنقلب المعادلة، ويصبح الكاتب المنتمي المبدع المصرّ على الوعي الوطني كمبدأ وقيمة أخلاقية وهوية انتمائية ثقافية حضارية، هو المجرم الحقيقي، وجريمته الشرفية هي تهمته بـ “الوطنية” فقط!.

وأتساءل: حتى لو فرضاً سامحناهم، فهل على أهل الوعي الوطني أن يفرشوا لهم المنابر بالورد، ثم المناصب بالود، الطامحين إليها بالأصل للقضاء على ما تبقّى من هذا الوعي الوطني بأشكال متنوعة أبسطها محاربة الكتّاب الوطنيين واعتبارهم المجرمين الأصليين والنيل منهم كما نال المحتل من الهنود الحمر؟

الواجب الوطني والثقافي والعام يفرض على الجهات المعنية بالثقافة والإعلام ألاّ تتساهل بالتسامح، وألاّ تكافئ من تصالحت معهم بفرضهم على الوسط الثقافي والإعلامي فرضاً بدل نبذهم وهذا أضعف الإيمان، أو أن تكافئهم بمناصب ليديروا العجلة بسهولة كما يشاؤون تلك التي لم يستطيعوا أن يديروها قبل وأثناء الحرب، لتكون ساحة الانتصار ما بعد الحرب حلبة لحرب أخرى علنية صريحة، أو رمادية، أو خفيّة، أو تتلوّى مثل الأفاعي من تحت الطاولة!.

ترى، كم زرع الشاعر السوري اللوائي سليمان العيسى وأمثاله من أناشيد وقصائد للطفولة والعروبة والوطن، تلك التي لا بدّ أننا بدأنا نشكّ بها وبأشباهها ما دام أمثال هؤلاء الذين بلا جنسية ولا انتماء ولا هوية ولا دين إلى أزمنتنا يصِلون؟ كونوا واثقين أننا لن ننسى أن ما بيننا وبينهم وطن وشهداء وجرحى وطن وشعب صبر وانتصر.