مجلة البعث الأسبوعية

الولايات المتحدة تفقد قبضتها على الشرق الأوسط

 البعث الأسبوعية- محررة الشؤون السياسية

لا يزال الحدث المهم والكبير المتمثل في عودة سورية الى الجامعة العربية، وحضورها القمة الثانية والثلاثين في مدينة جدة، يستحوذ على اهتمام وسائل الاعلام العربية والأجنبية على حد سواء. وها هو رايان ماكماكين، الحاصل على درجة البكالوريوس في الاقتصاد ودرجة الماجستير في السياسة العامة والعلاقات الدولية من جامعة كولورادو، والخبير الاقتصادي في مجال الإسكان في ولاية كولورادو، يدلي بدلوه إزاء هذا الحدث الكبير، من خلال مقال نشره موقع “ريزو انترناسيونال”.

يشير رايان ماكماكين الى الترحيب الحار الذي عبّر عنه أعضاء جامعة الدول العربية بعودة الجمهورية العربية السورية، وبالسيد الرئيس بشار الأسد، الأمر الذي اعتبره ماكماكين انعكاساً ايجابياً بعد سنوات من القطيعة، وانفصالاً عن سياسة الولايات المتحدة. بمعنى أنه يجب أن يُنظر إلى تقارب الجامعة مع سورية على أنه رفض للسياسة الأمريكية، وعلامة على ضعف نفوذ واشنطن بين أعضاء العصبة، لاسيما المملكة العربية السعودية ومصر، حيث جاء هذا الحدث المهم الذي يعكس الأخبار السيئة لنفوذ واشنطن في المنطقة، بعد أسابيع فقط من استعادة إيران والمملكة العربية السعودية العلاقات الدبلوماسية بينهما.

يضيف الكاتب أن واشنطن سعت على الدوام إلى عزل كلا البلدين، وفرضت عقوبات اقتصادية جائرة عليهما، لكنهما عوضاً عن ذلك طورتا علاقاتهما مع دول أخرى في المنطقة بمساعدة الصين، وفي الوقت عينه، عززت بكين والرياض علاقاتهما مع روسيا. وبذلك توضح هذه التطورات أن المحاولات المتزايدة من قبل الولايات المتحدة لفرض أو التهديد بفرض عقوبات صارمة على المزيد والمزيد من الدول لم تحقق الهدف المطلوب بالنسبة لواشنطن، بل على العكس عملت على تسريع تحرك عالمي بعيداً عن الدولار الأمريكي وعن فلك واشنطن.

السعودية تعزز علاقاتها مع إيران وسورية

وأضاف الكاتب أنه في آذار من هذا العام، أعلنت المملكة العربية السعودية وإيران استئناف العلاقات بينهما بعد التوصل إلى اتفاق برعاية الصين، وبدا واضحاً أن السلطات السعودية، وهي حليف قديم لواشنطن، لم تبلغ إدارة بايدن بالاجتماعات مع إيران والصين. وبعد وقت قصير من إعلان الصفقة، أرسلت الإدارة الأمريكية مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز إلى المملكة العربية السعودية، حيث ورد أنه “أعرب عن إحباطه من السعوديين”، وقال لـولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إن الولايات المتحدة شعرت بالدهشة من تقارب الرياض مع إيران وسورية.

وعلى الرغم من أن البيت الأبيض يقول الآن إنه يدعم اتفاق الرياض وطهران الجديد، فإن هذا الدعم هو في الحقيقة مجرد اعتراف بأنه لا يوجد الكثير الذي يمكن لواشنطن أن تفعله حيال ذلك. بعد كل شيء، كانت السياسة الأمريكية لعقود من الزمان تسعى إلى عزل طهران، وفي السنوات الأخيرة فرضت واشنطن عقوبات قاسية، بما في ذلك “حملة الضغط الأقصى” التي شنها دونالد ترامب والتي تهدف إلى شل إيران بشكل أكبر، ولم تتخذ إدارة بايدن أي إجراء ذي مغزى لعكس موقف ترامب. وبالتالي، فإن انفتاح السعودية على إيران يتعارض مع السياسة الأمريكية، وليس من المعقول أن تكون واشنطن بأي حال من الأحوال سعيدة بهذا التغيير، فمن وجهة نظر واشنطن، تصاعد الموقف أكثر هذا الشهر عندما عادت سورية الى جامعة الدول العربية، والذي يبدو أنه تم دون استشارة واشنطن.

 

ترسيخ العلاقات مع روسيا 

ويضيف الكاتب أن الانفتاح السعودي الجديد على سورية وإيران يتعارض مع سياسة واشنطن، لأن إيران وسورية حليفان مهمان لموسكو، ومع فرض الولايات المتحدة الآن عقوبات صارمة على روسيا، فإن أي شيء يساعد دمشق وطهران من المرجح أن يساعد موسكو أيضاً. في السياق، وقد حرص السعوديون والصينيون على بذل جهود متزايدة لإقامة علاقات مباشرة مع روسيا، وأعلن كل من روسيا والصين عن عزمهما ترسيخ العلاقات بينهما، وذلك في القمة الصينية الروسية التي انعقدت في شباط 2022، ولم يتغير هذا حتى بعد عام من تصعيد الأعمال العدائية للولايات المتحدة والناتو ضد موسكو.

وبالتالي يبدو أن العلاقات بين روسيا والصين أقرب مما كانت عليه في أي وقت مضى في حقبة ما بعد الاتحاد السوفييتي السابق، ومن الواضح أن هذا الوضع شكل مشكلة في واشنطن، حيث تواصل الصين تقديم سوق مهم للصادرات الروسية على الرغم من العقوبات الأمريكية. مزيداً على ذلك، بذلت الدولتان أيضاً جهوداً للابتعاد عن الدولار الأمريكي، وتسوية تجارتهما الدولية بعملات أخرى.

وبالنسبة للسعودية، يوضح الكاتب أن السعوديين مستعدون على ما يبدو للّعب بلطف مع الروس والصينيين، وغيرهم من أعضاء ما تعتبره واشنطن “محور الشر” المزعوم. واقتربت السعودية من موسكو بعد العقوبات الأمريكية ضد روسيا، وعلى سبيل المثال، لا تتردد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، الحليفان التقليديان للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، في استيراد الوقود الروسي أو تخزينه أو تسويقه أو إعادة تصديره على الرغم من جهود الولايات المتحدة لإقناعهما بالانضمام إلى حملة القمع ضد محاولات روسيا للتهرب من العقوبات الغربية على نفطها.

بعبارة أخرى، فشلت جهود الولايات المتحدة لحمل الدول العربية على عزل روسيا، كما أن علاقات روسيا مع الشرق الأوسط آخذة في التحسن، ويتضح هذا الأمر من خلال حقيقة أن منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)، التي تستحوذ على منتجها الرئيسي، المملكة العربية السعودية، لم تظهر أي اهتمام بمساعدة الولايات المتحدة في حرب العقوبات ضد روسيا، بل على العكس من ذلك، خفضت أوبك مستويات الإنتاج لرفع أسعار النفط، الأمر الذي يعود بالفائدة على موسكو. وعارضت الولايات المتحدة هذه التخفيضات، وتقوم بعض الفصائل المناهضة لروسيا في الولايات المتحدة الآن باستكشاف طرق لمعاقبة أوبك على افتقارها إلى الحماس للتعاون مع الجهود الأمريكية ضد روسيا. وفي هذه المرحلة، يظهر نمط واضح، وهو بينما تحاول الولايات المتحدة إحكام قبضتها الجيوسياسية على الاقتصاد العالمي من خلال العقوبات الاقتصادية، يبدو أن عدداً أقل من الدول حول العالم يرغب في اللعب.

ويضيف الكاتب في النهاية أن حرب العقوبات التي تشنها الولايات المتحدة ضد نسبة متزايدة من سكان العالم لها تأثير معاكس لما هو مقصود.، حيث تهدد الولايات المتحدة بفرض عقوبات على المملكة العربية السعودية والصين، وفي المقابل، أصبحت هاتان الدولتان أكثر استعداداً للتعاون مع بعض الدول التي هاجمتها واشنطن أكثر من غيرها. وبينما تنتهج واشنطن استراتيجية فرِّق تسد في جميع أنحاء الشرق الأوسط، تتوسط بكين في صفقات تهدف إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي. وبينما تضاعف الولايات المتحدة جهودها لعزل أعدائها الكثيرين، يتجاهل الصينيون والسعوديون والجامعة العربية وأوبك تعليمات واشنطن، ويسعون إلى زيادة الاتصالات والتجارة الدولية.

وعليه، تُظهر مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن إشارات قليلة على إدراك ذلك، إذ لا تزال “مجموعة أدوات” السياسة الخارجية للنظام الأمريكي تركز على العقوبات والعنف والمطالبات من حلفائها وأعدائها المعلنين على حد سواء. ومع ذلك، فإن بقية العالم يتغير، وقد تكون واشنطن واحدة من آخر الدول التي تقبل الواقع الجديد