مجلة البعث الأسبوعية

بعد فوزه بالانتخابات.. أين يقف أردوغان في علاقاته الخارجية

 البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة   

بالرغم من فوز أردوغان بولاية رئاسية جديدة الأحد الماضي 28 أيار 2023 في جولة الإعادة أمام زعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو، طبقاً لما أعلنته اللجنة العليا للانتخابات، متمماً 20 عاماً في حكم تركيا، إلا أن مراقبون، يرجحون أن أردوغان سيواجه تحديات كبيرة  على الصعيد الخارجي، وملفات عالقة في فترة ولايته الجديدة، معتبرين أن علاقاته الخارجية خاصة مع الولايات المتحدة قد تكون من أكثر الملفات توتراً.

وبحسب مراقبين، مرت العلاقات التركية – الأمريكية خلال الفترة الرئاسية التي حكم فيها الرئيس أردوغان تركيا بأزمات عديدة، فما أن تنتهي أزمة لتعود بعدها علاقات البلدين إلى التوتر من جديد. ويبدو أن العلاقات التي كانت توصف أحيانا بالإستراتيجية تمر هذه الأيام بأسوأ حالاتها، وذلك بسبب حدة الخلافات حول العديد من الملفات، ومنها إصرار تركيا على ملاحقة المليشيات الانفصالية المدعومة من الولايات المتحدة في سورية، بالإضافة إلى التقارب التركي – الروسي في العديد من الملفات، ومنها منظومة الدفاع الروسي إس-400 التي تمسك الرئيس أردوغان بالمُضي قُدما فيها برغم تهديدات البنتاغون، فضلاً عن مواقف تركيا الرافضة لانضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو، إضافة للموقف الأمريكي الداعم لليونان وأزمتها مع تركيا، وغيرها من الملفات.

في الحقيقة، جعلت هذه الخلافات العديد من أعضاء الكونغرس، بالإضافة لكبار المستشارين والخبراء في مراكز البحوث يُرجعون سبب تمزق العلاقات التركية – الأمريكية إلى الرئيس أردوغان، حتى وصل الأمر بهم إلى حد مطالبة بعض النواب الأمريكيين للإدارة الأمريكية بإخراج تركيا من حلف الناتو، وبعدم إمداد تركيا بصفقة طائرات الـ إف 16 التي سبق أن تم الاتفاق عليها في تشرين الأول عام 2021، حيث يرجعون ذلك إلى تباعد الرؤى والمصالح بين البلدين في الكثير من القضايا.

في الواقع، بدأ العام 2023 بوجود مشكلات جديدة نسبياً تعتمد على السياق السياسي والدولي الراهن، فضلاً عن مشكلات أعمق لها جذور تاريخية في العلاقات الأمريكية-التركية. وبالرغم من تحسُّن علاقات تركيا مع دول المنطقة – باستثناء اليونان – لم تتمكن أنقرة من تحقيق أي تقدم في حل المشكلات العالقة مع واشنطن، وحلف شمال الأطلسي، إذ وقفت مسألة توسيع عضوية حلف الناتو في ضوء تردُّد تركيا بالمصادقة على عضوية كلٍّ من السويد وفنلندا دون انتزاع تنازلات من الدولتين. إضافة إلى ذلك، تُعَدُّ مشكلات تركيا مع اليونان حول المياه الإقليمية في بحر إيجة والتنقيب عن الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط مشكلة متجذرة في العلاقات الأمريكية-التركية.

ومع ذلك، لابد من الإشارة إلى أنه بعد  فوز أردوغان، يرى مراقبون أن تركيا أردوغان الساعية لبناء علاقات تحقق لها مصالحها، ستستمر في اللعب على الحبلين بين الولايات المتحدة وروسيا، فعلى مدى السنوات العديدة الماضية، لعبت تركيا في ظل حكم الرئيس رجب طيب أردوغان على الحبلين في الانقسام الجيوسياسي العالمي، فهي تنتمي إلى حلف شمال الأطلسي، لكنها في الوقت نفسه عززت علاقات أوثق من أي وقت مضى مع روسيا.

وبذلك، عملت تركيا، التي كانت مؤيداً لحلف شمال الأطلسي لأكثر من سبعة عقود، داخل بعثات حفظ السلام التابعة للحلف في مناطق حرب مختلفة، لكنها قامت مؤخراً بشراء معدات عسكرية من روسيا كما رفضت دخول أعضاء جدد في حلف الناتو.

لقد تم تضخيم موقف تركيا المتناقض على ما يبدو منذ الحرب في أوكرانيا الموالية للغرب قبل 15 شهراً، حيث استغل أردوغان دوره مرة أخرى كحليف مهم لكل من الولايات المتحدة وأوروبا من جهة وروسيا من جهة أخرى. والسؤال الآن هو إلى أي مدى سيتغير مكان تركيا على المسرح العالمي بعد فوز أردوغان في الانتخابات. للإجابة على هذا السؤال، يرى إمري بيكر، مدير إدارة أوروبا في مجموعة أوراسيا، أن أردوغان سيستمر في لعب دور مهم – لكنه غير مريح – من المنظور الغربي.

في السر، كان بعض مسؤولي إدارة بايدن يقولون إنهم سيستمتعون بانتخاب شخص آخر غير أردوغان، الذي لم تتم دعوته إلى البيت الأبيض منذ تولى الرئيس بايدن منصبه. ولطالما انتقد السناتور روبرت مينينديز، الديمقراطي عن ولاية نيوجيرسي، الذي يرأس لجنة العلاقات الخارجية في الهيئة، أردوغان ومبادراته تجاه موسكو، حيث قال في خطاب ألقاه مؤخراً في نيويورك: “هل ستكون تركيا بعد الانتخابات حليفة الناتو التي طالما أردناها، أم أنها ستكون في حالة اضطراب؟”.

منذ العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا وفرض حزمة من العقوبات الغربية على الإقتصاد الروسي، أصبحت تركيا شريان الحياة الأساسي لموسكو، مع إصرار أردوغان على الحفاظ على العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع الغرب.

وفي هذا السياق، قال أردوغان في مقابلة مع شبكة “سي إن إن” مؤخراً: “لسنا في مرحلة نفرض فيها عقوبات على روسيا مثلما فعل الغرب،  فنحن لسنا ملزمين بالعقوبات الغربية”. مضيفاً “نحن دولة قوية ولدينا علاقة إيجابية مع روسيا، فروسيا وتركيا بحاجة إلى بعضهما البعض في كل مجال ممكن.”

في الوقت نفسه، يصور أردوغان نفسه على أنه ذو قيمة بالنسبة للغرب، زاعماً أنه يمكن أن يكون مفتاحاً في مفاوضات السلام، وأنه قادر على تقديم المساعدة لبوتين فيما يتعلق بصفقة حبوب البحر الأسود التي أُبرمت العام الماضي، وكانت بوساطة الأمم المتحدة سمحت بموجبها باستمرار تصدير الحبوب من أوكرانيا وتخفيف ارتفاع أسعار الغذاء.

من جهة أخرى، تعد روسيا أكبر مورد للطاقة لتركيا، حيث توفر ثلث وارداتها من النفط والغاز. في وقت سابق من هذا الشهر، وافقت موسكو على تأجيل بعض مدفوعات الغاز الطبيعي لتركيا، وهي خطوة يُنظر إليها على أنها خدمة لأردوغان قبل الانتخابات. كما يعمل البلدان معاً في أول محطة للطاقة النووية في تركيا، والتي من المقرر افتتاحها في وقت لاحق من هذا العام. كما دفع إغلاق خط أنابيب نورد ستريم، الذي كان سينقل النفط من روسيا إلى ألمانيا وأوروبا الغربية، روسيا إلى الضغط على تركيا لتصبح مركزاً إقليمياً للغاز للتجارة مع الاتحاد الأوروبي. في غضون ذلك، تجاوزت التجارة الثنائية 62 مليار دولار العام الماضي، ولا تزال تركيا الخيار الأول للسياح الروس، حيث زار أكثر من 5.2 مليون سائحاً روسياً تركيا العام الماضي. ومع إغلاق أوروبا أمام المواطنين الروس، أصبحت تركيا وجهة رئيسية للمغتربين الروس للعيش.

لقد عرف أردوغان بداية الحرب الأوكرانية كيف يوسع نفوذه، حيث قدمت أنقرة نفسها كوسيط بين موسكو وكييف، واستمرت إلى اليوم اللاعب الأساسي الذي يرغب الطرفان بإستمرار العلاقات معه، وقد  انعكس ذلك من خلال لقاءات كبار المسؤولين من أوكرانيا وروسيا في تركيا، حيث اجتمع وزراء خارجية أوكرانيا وروسيا وتركيا في أنتاليا في 10 من آذار2022 وبعدها بحوالي أسبوعين تفاوض مندوبو البلدين في إسطنبول.

وفي حوار مع “دي دبيليو” أكدت الخبيرة في العلاقات الدولية هاندي أورون أوتسداغ أن “الحرب الأوكرانية منحت حزب العدالة والتنمية الفرصة لتعميق علاقاته الاقتصادية مع روسيا لأن أنقرة لا تشارك في العقوبات الأمريكية والأوروبية على موسكو”. لذلك وحسب الخبيرة، فإن بوتين حقق لأردوغان أمرين مهمين الشعبية السياسية من خلال اتفاقية الحبوب والدعم الاقتصادي فيما يتعلق بالغاز، وهذا بالضبط ما كان يحتاجه حزب العدالة والتنمية قبل الانتخابات لأن شعبيته في أوساط الناخبين كانت آخذة في الانخفاض.