مجلة البعث الأسبوعية

شعراء.. أكملنا مدار العمر فرساناً ومتنا شباباً

أمينة عباس

تعددت الأسباب والرحيل المبكر واحد لمجموعة من الأدباء الذين لم يمهلهم القدر ليعيشوا حياة طويلة، لكنهم كانوا مبدعين واستطاعوا خلال فترة قصيرة من عمرهم الإبداعي ترك أعمال خلدت أسماءهم، وكانت للشعراء حصة كبيرة من هذا الرحيل المبكر.

النوابغ يموتون شباباً

في دراسة صادرة عن جامعة كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأميركية نشر الباحث والعالم النفسي جيمس كوفمان عام 1987 بحثاً مطولاً عن أسباب ودوافع الموت المبكر عند الكتّاب بشكل عام والشعراء بشكل خاص، وخلصت الدراسة إلى أن معدّل الأعمار عند الشعراء هو 62 سنة، بينما الروائيون والمسرحيون وباقي الكتّاب يعيشون ما بين 65 إلى 68 سنة، والسبب حسب الدراسة يعود إلى طبيعة الشخصية عند الشعراء والخصائص النفسية التي تشكّلها: “الشاعر غالباً ما يكون ذا شخصية هشّة وضعيفة من الناحية السيكولوجية وتخزّن في دواخلها مجموعة من المشاعر والأحاسيس الكبرى التي لا تحتمل طاقتها، بالإضافة إلى قلقها الدائم تجاه ما يدور حولها من أحداث، في حين يقول الفيلسوف الألماني فردريك نيتشه: “النوابغ يموتون شباباً لأنهم طيبون أكثر مما تستطيع الأرض تحمله”.

أكثر الشعراء دراسة

الشاعر البريطاني جون كيتس واحد من شعراء الحركة الرومانتيكية الإنكليزية المهمّين في مطلع القرن التاسع عشر على الرغم من حياته القصيرة، إذ رحل عن 26 عاماً ولم تُنشر أعماله إلا قبل 4 سنوات من وفاته، وكانت حصيلته الشعرية نتاج 6 سنوات فقط، ويُعتبر اليوم من أكثر الشعراء دراسة، وتُعد سلسلة الأغنيات القصيرة التي كتبها تحفاً فنية، وكان له تأثير كبير على مجموعة كبيرة من الشعراء.

شاعر روسيا الكبير

رحل الشاعر الروسي آلكسندر بوشكين في 38 من عمره بعد مبارزة خاسرة مع نسيبه الضابط الفرنسي، وقد وصِف بشاعر روسيا الكبير، ويصنف النقاد أعماله على أنها أعمال فنية مميزة مثل قصيدة “الفارس البرونزي” ومسرحيته الشعرية القصيرة “موزارت وساليري” وروايته الشعرية “يفغنيأونيغين” التي أصبحت تقليداً خاصاً بالروايات الروسية العظيمة، ويُصنف بوشكين من قبل الكثيرين على أنه الممثل المركزي للرومانسية في الأدب الروسي.

بايرون رائد الشعر الرومانسي

كان الشاعر الإنكليزي بايرون من رواد الشعر الرومانسي، وقد اتصفت قصائده في أغلب الأحيان بالغرابة، حيث كانت مرآة لحزن الإنسانية جمعاء، وحين انتشر خبر وفاته عمّ حزين شديد وحداد عام،ولخص تلك المناسبة فيكتور هيغو قائلاً: “أعلنوا خبر وفاة بايرون” ومن أشهر أعماله ملحمة “دون جوان” الهجائية، وهي تتألف من 16 ألف و64 بيتاً في ستة عشر نشيداً،ومات بايرون قبل أن يكملها، وتحدث فيما أنجز منها عن رحلته ومغامراته،وأصيب بالحمى وتوفي عام 1824 عن 36 عاماً .

أعظم الشعراء الإسبان

توفي الشاعر الإسباني لوركا في العام 1936 في غرناطة وهو في الـ38 من عمره، ويُعد أحد أعظم الشعراء الإسبان خلال القرن العشرين، وقد كتب عدة دواوين شعرية، أهمها مجموعة “الأغاني الغجرية” التي رسخت سمعته الشعرية على الصعيد العالمي، وفيها اختار بطل قصائده من الغجر لأنهم يمثلون الإنسان الطبيعي الحر، وخلال الحرب الأهلية في إسبانيا اعتُقل وأُعدم على يد القوات المؤيدة لفرانسيسكو فرانكو، ومن أشهر أقواله: “لم أشعر بالقلق والخوف حين ولِدت، ولن أشعر بهما حين أموت”.

رامبو طفل شكسبير

بعمر الـ 37 تصدّر الشاعر الفرنسي آرثر رامبو عالم الشعراء الرمزيين، وهو الذي كتب أهم أعماله قبل أن يبلغ الواحدة والعشرين من عمره، وقد وصفه فيكتور هوغو بـ”طفل شكسبير” واعتبره النُقّاد مؤسس تيار الحداثة في الشعر الفرنسي والمُمهد الأول للشعراء السورياليين، ومن أهم قصائده “الزورق المخمور، إحساس، بوهيميتي، الزوج الجهنمي، الفقراء في الكنيسة” وتوفي عام 1891 متأثراً بإصابته بالسرطان.

هزة عنيفة في الأوساط الأدبية

بديوان واحد من أعماله الشعرية حقق الشاعر الفرنسي شارل بودلير شهرة غير مسبوقة وقد حمل الديوان عنوان “أزهار الشر” وأصدره عام 1857 واعتبره النقاد انطلاقة للشعر الحداثي في فرنسا وأوربا، كما أحدث بودلير هزة عنيفة في الأوساط الأدبية يوم أصدر ديوانه “قصائد نثرية” وأبدع في جنس جديد من الكتابة الشعرية (قصيدة النثر) والذي كان ما يزال خجولاً، وأصيب بودلير بشلل نصفي بعد سقوطه سنة 1866 ورحل دون أن يتجاوز سنَّ السادسة والأربعين.

شعراء عرب توفوا في سن مبكرة

أشعر الناس

من الأسماء الشهيرة بموتها المبكر في الشعر الجاهلي امرؤ القيس الذي رحل عن 45 عاماً،وتضاربت الأقوال حول موته، فهناك من قال إنه مات مسموماً، وهناك من قال إنه مرض بالجدري ومات، وقد عُرِف بلقبه بَرز في فترةِ الجاهلية، ويُعد رأس شعراء العرب وأبرزهم في التاريخ ووصِف بأنه أشعر الناس، وهو صاحب إحدى المعلقات الشعرية الكبرى للعرب التي علقت على أستار الكعبة ويُعرف في كتب التراث العربية بألقاب عدة، منها: “المَلكُ الضلّيل وذو القروح” وقد ترك خلفه ديوان شعر ضم ما يقارب 100 قصيدة، وأشهر قصائده معلّقته الطويلةالتي بدأها بقوله:

قِفَا نَبْكِ مِن ذكرى حبيبٍ ومنزلِ…. بسِقطِ اللِّوى بينَ الدَّخُول فحَوْمَلِ

الشاعر المغامر

طرفة بن العبد شاعر عربي جاهلي من شعراء الطبقة الأولى، وصف بالشاعر المغامر، وله ديوان شعر أشهر ما فيه معلقته الداليّة التي اعتُبرت واحدة من أيقونات الشعر العربي، وقد فضّلها بعض النقاد على جميع الشعر الجاهلي لما فيها من الشعر الإنساني:

لِخَولة َأطْلالٌ بِبُرقَة ِثَهمَدِ…. تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليدِ

مات مقتولاً على يد ملك الحيرةوهو في السادسة والعشرين،وكانت معلقته الذهبية الخالدة قد اكتملت.

خاتم الشعراء

يُعد أبو فراس الحَمْدَاني من أشهر أعلام الدولة الحمدانية وأمرائها وفرسانها وشعرائها،وقد نافس المتنبي فيالنظم،إذ ترك زهاء 70 نصاً شعرياً في مختلف بحور الشعر العربي وأغراضه، حتى أن الصاحب بن عباد صنّفه كخاتم الشعراء، وقال عنه: “بدأ الشعر بملك وانتهى بملك” ويقصد أن الشعر بدأ بامرئ القيس وانتهى بأبي فراس، وقد تُرجم بعض شعر أبو فراس الحمداني إلى اللغة الألمانية، ويتفق النقاد على أن أجمل قصيدة للشاعر هي قصيدة “أراك عصي الدمع” التي أخذت مكانها في الشهرة بين قصائد الغزل العربية:

أراك عصي الدمع شيمتك الصبر… أما للهوى نهيٌ عليك ولا أمر؟

بلى أنا مشتاقٌ وعندي لوعة… ولكن مثلي لا يُذاع له سر

مات مقتولاً في إحدى المعارك عن 36 عاماً وكان يشعر برحيله المبكر فأوصى أن تُكتب عدة أبيات على قبره تتضمن التصريح بأنه سيموت شاباً، إذ يقول: أبنيتى صبراً جميلاً، للجليل من المصاب، نوحي على بحسرة، من خلف سترك والحجاب،زين الشباب أبو فراس، لم يُمتع بالشباب.

ـشاعر الخضراء

حتى القرن الحادي والعشرين ظل أبو القاسم الشابي واحداً من أكثر الشعراء العرب قراءة على نطاق واسع للمتحدثين باللغة العربية، وهو أشهر شاعر تونسي ومن أعظم الشعراء العرب في القرن العشرين، وأعظم شعراء شمال أفريقيا، لُقب بـشاعر الخضراء وشـاعر الحب والحياة، وشاعر الحياة والموت، وشاعر الطبيعة، نَظَم 95 قصيدة، أشهرها قصيدة “إذا الشعب يوماً أراد الحياة” التي قال في مطلعها:

إِذا الشَّعْبُ يوماً أرادَ الحياةَ… فلا بُدَّ أنْ يَسْتَجيبَ القدرْ

توفي في عمر 25 عاماً بسبب مرض ألمّ به.

شاعر الحياة والعنفوان

يُعد الشاعر العراقي بدر شاكر السياب واحداً من الشعراء المشهورين في الوطن العربي في القرن العشرين، وأحد مؤسسي الشعر الحر في الأدب العربي، ووصِف بشاعر التحرُّر وشاعر الحياة والعنفوان، ويمثل شعره حسب النقاد أهم الاتجاهات الشعرية التي عرفها عصره، وأبدعُ ما ترك من آثار “أنشودة المطر، مدينة السندباد، النهر والموت، قصيدة المسيح” وتُعد قصيدتاه “أنشودة المطر” و”غريب على الخليج” صوتاً مميزاً في الشعر العربي الحديث.. يقول مطلع أنشودة المطر:

عيناك غابتا نخيل ساعة السحر،أو شُرْفَتَان راح ينأى عنهما القمر .

رحل عن 38 عاماً بسبب المرض.

لا تصالح

خالف الشاعر المصري أمل دنقل معظم المدارس الشعرية في الخمسينيات، واستوحى قصائده من رموز التراث العربي، وكان السائد في ذلك الوقت التأثر بالميثيولوجيا، ولم يكتب الشعر الحر فقط وهو اللون الذي اشتهر به، بل كتب أيضاً بالفصحى ملتزماً بالوزن والقافية، وصدرت له ست مجموعات شعرية، وأشهر قصائده “لا تُصالِح”.

توفي عام 1983 عن عمر 43 عاماً بسبب مرض السرطان.

بسيط كالماء

في عمر الـ 28 رحل الشاعر السوري رياض الصالح الحسين عام 1982 بعد تعرضه لفشل كلوي وذلك بعد أن أصدر ثلاث مجموعات شعريةهي: “خراب الدورة الدمويّة، أساطير يوميّة، بسيط كالماء واضح كطلقة مسدَّس” عبّر فيها عن حزنه وغضبه وعشقه، وصاغ حسب النقاد نهجاً جديداً في الشعر الحر ونصوص النثر، كما أنجز مجموعته الشعريّة “وعل في الغابة” قبل وفاته، وكان الحسين أصماً وأبكماً ولم يكمل دراسته، فدأب على تثقيف نفسه بنفسه، واستطاع بكلماته البسيطة الناعمة الدخول دون تكلّف إلى مشاعر وأحاسيس القراء.

ما ذُكر من أسماء نماذج محدودة، فالقائمة تطول لشعراء لم يمهلهم القدر لكنهم تركوا وراءهم أعمالاً خالدة، وينطبق عليهم ما قاله الشاعر الراحل ممدوح عدوان في مجموعته “كتابة الموت”:”إننا ننهض عن مائدة العمر ولم نشبع، تركنا فوقها منسف أحلام، نحن أكملنا مدار العمر فرساناً، وقد متنا شباباً”.