الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

في الذكرى.. يتجلى الاعتزاز!

حسن حميد 

يضجّ قلبي بالفرح والاعتزاز، كلما قلّبت نظري في كتاب البلاد السورية العزيزة بتاريخها، وأفعال رجالها، وشواغل عقول أبنائها بما هو إبداعي وجميل ونايف، كُتب له البقاء والثبات، مثلما كُتب للمعاني الثقال البقاء والثبات!

لقد أدرك العقل السوري الموّار أنّ الدوران حول المعرفة وتأييدها، وتأبيد حضورها، وعشق المدرسة بوصفها آية التقدّم والحداثة والعمران، والإخلاص للعلوم، والتوجّه نحو المثاقفة مع الآخر للتنوير والاستنارة.. كلّها هي الشرط الجوهري لبناء دولة الاستقلال المنشودة، بعد رهق طويل، وعناء شاق، وصبر لا يحدّ، وثبات تزهو به الجبال.

التاريخ السوري الحديث، بناءً وعمراناً، وأحلاماً، وغايات، وتشوفات، يجهر بجهود رجال عشقوا العمل، وعاشوا للإخلاص والتفاني، من أجل الخلاص من لوثات الاستعمار وعقابيل الثقافات التي أراد ترسيخها مرّة، واستنباتها مرّة أخرى، ثم من أجل بناء الدولة الحديثة التي تباهي بما أنتجته عقول الأجداد والآباء والأبناء.. كيما تصير الحياة أكثر رغداً، والصورة أكثر جمالاً وبريقاً والعطاءات أكثر خصوبة وغنى.

على رأس هؤلاء الرجال القائد الفذ حافظ الأسد الذي عاش حياته كلّها من أجل البناء، وثقافة البناء، والعمران، ومعاني العمران ودلالاتها، والحداثة وما تعنيه بالنسبة للأجيال التي حفظت تراث الأجداد والآباء، والأحلام التي ربخت في صدورهم، وهم يعون ويتمثلون الدروب والوسائل التي استعانت بها المجتمعات البشرية المتقدمة حتى حظيت بمحظوظية الرتبة والمكانة.

في حياة الرئيس الخالد حافظ الأسد وعيٌ جهير بدور المدرسة، وما تقدّمه للمجتمع من رؤى، وما تشتقه من دروب، حتى لتبدو وكأنها هي ينبوع الحياة، فكلّ من يأتي إليها وارداً، يتخرج فيها كائناً آخر.. بعقله، وسلوكه، ونظرته للحياة، ولعلّ الدنيا كلّها تقدّمت، واشتقت الدروب، وألفت الكتب، وتجاسرت على اقتحام عالم المغامرة من أجل الابتكار، بسبب وجود المدرسة!

لهذا، وحين وجّه الرئيس الأسد بفتح المدارس في الأرياف، كان يدرك أنّ المدرسة هي الحال السحرية التي ستقرّب أهل الريف (الكتلة السكانية الأكثر تعدداً) من أهل المدن، وأنها ستكون هي الجهة التي ستوحّد لحمة أهل الأرياف وأهل المدن، بعدما كانت الثنائية المتناقضة، تشكّل التفاوت المخيف بين الطرفين. أهل المدن وفي جميع أنحاء الدنيا لم يتقدموا إلا بمعطيات المدرسة، وأهل الريف، وفي جميع أنحاء الدنيا لم يتقدموا إلا بمعطيات المدرسة، لهذا كانت المدرسة هي الكائن المعرفي الذي حضر بقوة في كلّ قرية سورية، أنّى كان تعداد سكانها وبيوتها، وأنّى كانت جهاتها الجغرافية.

ولأنّ المدرسة حال سحرية للتطور والعمران، فقد جاءت بالدروب والطرق ووسائل المواصلات، والعلوم والمعارف، فغدت الأرياف صورة باهية للتطور والتقدم، بل صارت مصادر إشعاع وتنوير، وسبباً لاكتشاف المواهب التي عمّرت البلاد، وأعطتها صورة التطور والعمران الباذخين، بعدما كانت الأرياف ترسف تحت ثقل ثقافات الجهل وعقليات من يكرزون لها.

ولأنّ المدرسة من دون معنى المواطنة، تعني الفردانية والأنانية، وحيازة العلوم فقط، فإن المدرسة التي أرادها الرئيس الخالد، هي المدرسة متعدّدة الوجوه، ومنها العلوم والثقافة التي تستند إلى المواطنة بضفافها كلّها، وفي مقدمتها المواطنة والنسب الأصيل.

إنّ الانهمام بالمدرسة، كان انهماماً بالمواطن السوري الذي حلمت الحضارة بتكوينه من حيث معاني العروبة والانتساب للماضي الأصيل، وعشق العلوم التي تسدّ الثغرات ما بين مجتمع وآخر، ودولة وأخرى، وجهة جغرافية وأخرى.

الآن نتذكر أعمال الرئيس الخالد حافظ الأسد، فنرى محبته الضافية، وجولان فكره، وانهمامه الوطني والقومي والإنساني بتزويد المواطن السوري بكلّ أسباب القوة والعزة من أجل كرامة أكثر رسوخاً، ومعرفة أكثر عطاءً، ومواطنة يُفتخر بها بين المجتمعات والبلدان.

رحل الجسد، لكن الفكر التنويري، والكرامة الوطنية، وعشق سورية، وتبني العمران والحداثة.. هي أحلام الرئيس الخالد التي يحفظها أبناءُ سورية في الصدور، من أجل المضي في مسيرة العزة والابتكار التي يقودها الرئيس القدوة بشار الأسد، كيما تظلّ سورية دارة النور والاستنارة.. على مرّ الأيام.

Hasanhamid55@yahoo.com