ثقافةصحيفة البعث

لينا رزق: النقطية هي التقنية الجديدة في معرضي “سرّ الوجود”

ملده شويكاني

الأنثى التي تقف على جسر خشبي تنظر إلى البعيد، وقد أتعبها الانتظار، وزادت تلك المنمنمات الزخرفية التي نثرتها ريشة الفنانة التشكيلية لينا رزق على ثوبها وذراعها من جمالها بعدما تناغمت مع أطواق مزركشة تحيط بعنقها، تمازجت بتموجات الأزرق والبنفسجي وبسحر المكان.. هذه الأنثى كانت إحدى لوحات معرض “سرّ الوجود” الذي افتتح مساء أمس في صالة السيد، والذي ضمّ ثلاثين لوحة من أحجام مختلفة بألوان الزيتي، تشي بحالات تعيشها الأنثى بأحلامها وتطلعاتها وذكرياتها، وربما بالعالم الخلفي الذي تدّعي وجوده، فخلقت أجواء رومانسية تنمّ عن احتواء وأمل بالمباشرة والرمزية والأنسنة. “البعث” حاورت التشكيلية لينا رزق، فبدأت من العنوان:

ما هو “سرّ الوجود”؟

كما قال جبران خليل جبران “فالغُنى سرّ الوجود”، فأنا أقول إن الفنّ كله عامة بكل أطيافه هو سرّ الوجود. من هنا انطلقت فكرة المعرض التي عبّرت عن الفن الذي يعطي جمالية للحياة، ولوحاتي تحكي عن روحانيات تلتقي مع هذا المعنى.

ما هي الرسالة التي يحملها سرّ الوجود؟ 

أن ننتفض على أوجاعنا ونتمسّك بالضوء القادم من البعيد ليكبر وتكبر مساحة الضوء في داخلنا. أردت من معرضي أن يدخل المتلقي عوالم جديدة لأحلام وخيالات أجمل من الواقع، يعيشها، ونحن بحاجة لنعيش بعوالم تضفي جمالية على أرواحنا، تبعدنا عن الأسى الذي نحاول أن نتخلص منه.

ماذا عن الزخارف الصغيرة التي نثرتها على تكوينات لوحاتك؟ 

النقطية بما يشبه الزخارف هي التقنية الجديدة التي استخدمتها في هذا المعرض، إذ تتقاطع الزخارف مع بعضها، وبالتالي تتشكل تقاطعات الألوان بحيث تعطي انحناءات وتدرجات جديدة من خلال تمازج الألوان، وقد استمديتُ هذه الفكرة من الطباعة من خلال عملي بالتصاميم الإعلانية والمطبوعات المتنوعة التي تعدّ نوعاً من الفنون، والطباعة تعتمد على أربعة ألوان: الأزرق والأصفر والأحمر والأسود، وهي عبارة عن نقاط تدمج مع بعضها لتعطي كلّ ألوان الطيف والوجود، هذه الفكرة شدتني وأردتُ أن أستخدمها بلوحاتي لتعطي الأبعاد والألوان والأحاسيس التي أريدها، كما أردتُ أن تكون بصمة جديدة خاصة بي.

هل ركزت على الدمج بين السريالية والتعبيرية؟ 

المدرسة السريالية تشدني فأحب أن تكون موجودة بأجزاء من بعض اللوحات، كي أبتعد عن التقليدية بالدمج بانسيابية بين الأشكال كتكوين المرأة وخلفها الأوزة التي تفرد جناحيها وتحاول التحليق، فيستشفّ المتلقي من خلال الدمج بأن الجناح جناح الأنثى التي تحاول أن تطير وتحلق وتجد لنفسها عوالم جديدة تكون منفذ ضوء لها.

أنا أعمل بأسلوبي على الدمج بين المدارس ولا أكتفي بمدرسة واحدة، فأدمج بين التعبيرية والرومانسية والنقطية حتى بجزء من السريالية، فاللوحات متنوعة كلّ لوحة تحكي عن موضوع، إلا أن القاسم المشترك هو التقنية وأسلوب العمل كوحدة كاملة، ما يؤكد على عدم وجود نشاز بينها.

رغم التفاؤل المنعكس من الألوان وخاصة الأزرق إلا أن ثمة حزناً ما.. ما تفسيرك؟ 

كل إنسان يقرأ اللوحات من منظاره. أنا لم أظهر مشاعر الحزن، بل حاولت أن أبتعد عن الحزن. معارضي السابقة كان يطغى عليها الحزن، لأننا لا نستطيع أن نفصل مشاعرنا عن الواقع، ونحن محاطون بالحزن من جميع الزوايا نتيجة الحرب والدمار والحصار، لكن يكفي، في هذا المعرض تقصّدت إظهار التفاؤل بانطلاقة جديدة مثل طائر الفينيق الذي ينتفض من الرماد، فنبحث عن الأمل وبصيص نور، فصمّمتُ على نقل الطاقة الإيجابية والبعد عن الطاقة السلبية، وأتمنى أن تكون فكرتي وصلت للمتلقي.

كيف تقرئين المشهد التشكيلي الآنيّ؟ 

المشهد التشكيلي حالياً مفاجئ، فرغم كل الأزمات التي نمرّ بها ورغم كل الصعوبات والعقبات، الحركة التشكيلية تتعافى، وكأن الفنان يحاول التخلص من كل الأعباء ويظهر أجمل ما لديه، وفي الفترة الأخيرة رأينا معارض قوية لفنانين كبار أغنوا المشهد التشكيلي، إضافة إلى معارض نوعية ومهمّة جداً، ولاسيما بعد عيد الفطر المبارك، ما يدلّ على وجود حركة نشطة وقوية، وأنا أثني على جهود ومشاركات الفنانين لتقديم فنهم الراقي.

أتجدين صعوبة بالتسويق؟  

حركة التسويق ضعيفة ويوجد ركود إلى حدّ ما، لكن لا يخلو الأمر من البيع من خلال علاقات الفنان ومعارفه وجهوده، غالباً التسويق للخارج يكون أفضل من الداخل.

 هل توافقين الرأي بأن الفنّ للنخبة؟ 

برأيي المفروض أن يكون الفنّ للجميع لأنه ينطلق من أوجاعنا وأفراحنا، فالفنّ معنيّ بالتعبير عن المشاعر الإنسانية التي تلامس كل البشر، فمن لا يملك القدرة على اقتناء اللوحة بسبب الأوضاع المالية الصعبة يكتفي بتذوقها والتأمل فيها، وفي الوقت ذاته فإن مصدر رزق الفنان هو اللوحة والبيع، وخاصة في هذه الأوقات الصعبة المكلفة للعمل الفني من حيث الأدوات والألوان، ومن حق الفنان أن يبيع ويربح حتى يعيش، وهذا ما يقف في وجه دخول اللوحة إلى كل بيت وجعلها تنحصر بمن يملك القدرة المادية على شرائها. فالأوضاع المادية هي التي تحكم بأن يكون الفنّ للنخبة مادياً من حيث الاقتناء، وإلا الفن هو ملك للجميع.