دراساتصحيفة البعث

التدافع الجديد على أفريقيا

هناء شروف

أشار بنك التنمية الأفريقي مؤخراً إلى أن النمو الاقتصادي في أفريقيا من المتوقع أن يتباطأ إلى 3.8 في المائة في عام 2023 من 4.1 في المائة في عام 2022، بسبب ضعف الاستثمار وانخفاض الصادرات.

ومع ذلك، لا تزال الاقتصادات الأفريقية مرنة في مواجهة توقعات النمو الضعيفة، وارتفاع مستويات الديون. لذلك ستخطط بعض الحكومات الأفريقية لزيادة تركيزها على استقرار الاقتصاد الكلي، وتعبئة الإيرادات المحلية، وخفض الديون، وتعزيز التجارة، والاستثمارات المنتجة للحد من التحديات الاقتصادية المتزايدة.

على مدى السنوات القليلة الماضية أصبحت إفريقيا إحدى مراحل المنافسة الجيو-اقتصادية بين التكتلات الاقتصادية الكبرى، حيث يصف بعض المحللين هذه الظاهرة بأنها “صراع جديد لأفريقيا” في إشارة إلى “التدافع على إفريقيا” الأول الذي حدث تقريباً بين عامي 1884 و 1914 وأسفر عن قيام دول أوروبية قوية بتقسيم واحتلال واستعمار القارة.

يمكن أن يُعزى سبب هذا الاهتمام “المتجدد” بأفريقيا إلى حقيقة أن القارة على عتبة التحول الاقتصادي الهام والتنمية، خاصةً أن أفريقيا على وشك الشروع في عملية تصنيع مثيرة، وسد فجوة بنيتها التحتية، وإطلاق العنان لإمكانات ثروتها الزراعية، والموارد الهائلة، وكذلك الصناعة الرقمية. لا عجب أن عدداً متزايداً من البلدان يدرك الوزن الاقتصادي والديموغرافي المتزايد للقارة، إذ من المتوقع أن يزداد عدد سكان القارة إلى ما يقرب من 2.4 مليار بحلول عام 2050، وأن الإنفاق الاستهلاكي والتجاري سيرتفع إلى ما يقرب من 16 تريليون دولار في نفس العام.

وبما أن الانتعاش الاقتصادي للقارة يمثل أولوية قصوى، فإن مرحلة تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية ذات أهمية حاسمة لأفريقيا. وتمثل منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية خطة شاملة تسعى إلى إنشاء سوق واحد، ومتحرر للسلع والخدمات ورأس المال في كتلة من 55 دولة تضم 1.3 مليار شخص بإجمالي ناتج محلي إجمالي قدره 3 تريليون دولار، وتهدف إلى تعزيز التجارة والصناعة، وتطوير البنية التحتية البينية.

بالنظر إلى المشهد العالمي المستقطب من بين أمور عدة، بسبب أوكرانيا والأزمات والصراعات الدولية الأخرى، فضلاً عن تأثيرها الاقتصادي السلبي على الصعيد العالمي، تشارك العديد من البلدان الأفريقية النهج البناء الذي يعزز الاستجابات المنسقة متعددة الأطراف، والعالمية والتي ستستمر في ضخ زخم متزايد في السلام والتنمية العالميين.

هذا النهج الجدير بالثناء، والذي يتردد صداه بقوة لدى جزء كبير من المجتمع الدولي، يوضح المطلب المشروع لأفريقيا للدفاع عن سيادتها، وأمنها ومصالحها التنموية، لأنه يمثل رداً قوياً في رفض الممارسات الأحادية والهيمنة في العالم. ومن المؤسف أن نهج “المنافسات الجيوسياسية”، و”المواجهة الجماعية” سيأتي بنتائج عكسية، وقد يؤدي إلى تحويل مسار الأولويات الاقتصادية، والإنمائية العالمية المطلوبة لتعزيز السلام العالمي ،ومعالجة محنة الفقراء والمهمشين في العالم.

يجب على القارة أن تواصل العمل بحزم فيما يتعلق بالمصالح الجوهرية، والاهتمامات الرئيسية، وحماية التعددية الحقيقية، وتعزيز نظام دولي مع الأمم المتحدة في عملها الأساسي، والنظام العالمي القائم على القانون الدولي.