اقتصادصحيفة البعث

“الرقابة” في هذه الأحوال؟!

قسيم دحدل 

لطالما كانت الأجهزة الرقابية التموينية هدفاً للتشكيك في تطبيق مسؤولياتها وأدائها لدورها بكلّ نزاهة وإخلاص، لناحية ضبط الأسواق ومكافحة المخالفات وكشف حالات الاستغلال والغش والتدليس.

وكما لا يمكن التعميم في التشكيك بوجود فساد في دوريات التموين، كذلك لا يمكن تبرئة الكلّ، حيث هناك الفاسد والصالح معاً، وهذا أمر يعلمه الكلّ، ورغم ذلك لم نلمس بالنتيجة أن الأسواق والأسعار والمخالفات قد ضُبطت بالحدود المقبولة على أقل تقدير، علماً أن هناك ضبوطاً تموينية تحرّر كل يوم، لكنها ضبوط لا تقارن بكمّ الانتهاكات التي يتعرّض لها المستهلكون لحظياً، بدءاً من التلاعب بزيادة الأسعار وليس انتهاء بالغش!.

في هذا الشأن وهذا التوقيت، حيث عيد الأضحى، يأتي توجيه وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك محسن عبد الكريم لمدراء التجارة الداخلية بالعمل على ضبط دوريات الرقابة التابعة لهم ومتابعتها لتؤدي دورها بالشكل الأمثل، محذراً أن من لا يلتزم يجب إخراجه من دوريات الرقابة ومحاسبته وفق القوانين، ومعاقبة غير الملتزمين والذين يعملون ضد المصلحة الوطنية ويخلقون فجوة وأزمة ثقة مع المواطن.

توجيه الوزير ومع أنه مُبطَّن بالتهديد والتنبيه والتحذير، إلاَّ أنه لن ينهي حالات الفساد، بعد أن أصبحت الرشوة، بخاطر أو دون خاطر البائع والتاجر، عبارة عن إكرامية أو عيدية، يجد فيها الطرفان (المراقب والبائع) مصلحة متبادلة، وخاصة في ظلّ الراتب الهزيل لمراقب التموين (كما غيره من الموظفين في القطاعات الرقابية عامة)، والذي لا يكفي عائلة ليوم أو يومين لتأمين غذائها فقط.. راتب أصبح حجة قوية يتخذها المراقب ذريعةً لتبرير ما يأخذه من مال، وبالمقابل رشوة وجد فيها البائع والتاجر منفداً لما يرتكباه من مخالفات وتجاوزات، وهذا أمر رغم خطورته، لكنه واقع قائم لا يمكن إنكاره، حيث أصبح حديث الناس وتحوّلهم لاعتبار حجتي الراتب والرشوة وجهة نظر لا أكثر، بل وبكل صراحة اعتبار الأمر مباحاً!!.

أما الأخطر في الموضوع فهو الفساد والرشوة في المستويات الأعلى بالوظائف والمناصب الرقابية، التي يكون شاغلوها مؤتمنين على حسن تطبيق العمليات الرقابية، بحكم مسؤولياتهم في ضبط عمل المرؤوسين ومحاسبتهم.

وبرأينا أن العملية الرقابية بحاجة أساسيات لنجاحها وتحقيق أهدافها، وإن لم يتمّ توفيرها فلن يكون هناك رقابة فاعلة ونزيهة بالمطلق، وإنما رقابة مجتزأة فيها ما فيها من شبهات، حيث الوضع العام للأحوال المعيشية يجعل من غضّ الطرف “مشرعناً”، في ظل فلتان الأسعار، واعتراف التجار أنفسهم بأن التسعير يتمّ كيفياً، كلٌّ كما يريد، نتيجة لغياب المرجعية في هذا المجال. والسؤال الكبير في هذا السياق: كيف سيكون هناك رقابة تحمي المستهلك فعلاً، وتحمي نفسها؟!.

Qassim1965@gmail.com