مجلة البعث الأسبوعية

التغيرات المناخية ساهمت بخفض إنتاج طوائف النحل.. ارتفاع أسعار العسل عن الموسم السابق بنسبة تراوحت بين الـ ١٠٠% والـ ٣٠٠%

البعث الأسبوعية- ميس خليل

شهد سوق بيع العسل ارتفاعاً كبيراً بالأسعار خلال الفترة الماضية بحيث وصل سعر كيلو العسل الجبلي بين (150 – 250) ألف ليرة حسب نوعه، فيما وصل سعر كيلو العسل بشهده بين(80- 90) ألف ليرة سورية، وهذا الارتفاع ترافق مع التغيرات المناخية التي سادت خلال الموسم الماضي وأدت إلى اضطرابات كبيرة ساهمت بخفض إنتاج طوائف النحل من العسل وحدت من نشاطها.

وفي هذا الإطار يوضح خبير برامج وأبحاث النحل لدى المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة عبد الرحمن قرنفلة لـ ” البعث ” انه يتم تحديد سعر العسل  الطبيعي بناء على عوامل متعددة يأتي في مقدمتها حجم المعروض منه في الأسواق إضافة إلى تكاليف الإنتاج والتي تشمل أجور نقل طوائف النحل بين المحافظات وأجور وضعها في أراضي المزارعين وأجورحارس يقيم قرب خلابا النحل لحراستها وقيمة مستلزمات إنتاج وأدوية وقائية وعلاجية للتصدي لبعض الآفات والأمراض التي يتعرض لها النحل وأجور تنقل النحال من مكان إقامته لمتابعة واقع المنحل ثم تكاليف جمع و نقل إطارات العسل من منطقة تواجد المنحل إلى مكان فرز العسل وأجورعمالة إضافة إلى قيمة عبوات التعبئة حيث يتم وضع  الكميات الكبيرة بالتنك المطلي بطلاء غذائي  يمنع تفاعل العسل مع معدن الصفائح يلي ذلك أجور نقل الصفائح إلى نقاط التعبئة بعبوات المستهلك وهنا يضاف تكاليف قيمة ( العبوات  الزجاجية)  وتكاليف تعبئتها ، ومن المنطق أن هناك هوامش ربح تضاف للعاملين في السلاسل التسويقية

وأكد قرنفلة انه في هذا الموسم ونتيجة تراجع حجم المعروض من العسل و  ارتفاع كافة تكاليف الإنتاج وأجور النقل  وقيمة عبوات وأجور التعبئة  فقد ارتفعت أسعار العسل عن الموسم السابق بنسبة تراوحت بين الـ ١٠٠% وال ٣٠٠% وفقاً لنوع العسل وندرة وجوده إضافة إلى عامل الجودة، وهنا انصح المستهلكين بشراء العسل من مصادر موثوقة أو من النحالين مباشرة حيث تكثر في فترات انخفاض إنتاج العسل الطبيعي حالات الغش ومن المعروف عالمياً أن الحليب والعسل أكثر منتجين زراعيين عرضة للغش.

النحال باسم العيسى أوضح انه بالنسبة  لموسم اللوزيات والحمضيات فمع نهاية فصل الشتاء وبداية اعتدال الطقس في شهر آذار يبدأ النحل انطلاقته في جمع رحيق وحبوب الطلع من  أزهار اللوزيات  للتغذية عليها ولتخزين العسل حتى بداية نيسان حيث يبدأ النحل بنهل رحيق الحمضيات وجمع حبوب اللقاح منها ، وتعتمد كمية العسل التي يصنعها ويخزنها النحل من رحيق أزهار اللوزيات والحمضيات على طول فترة تفتح الأزهار حيث يزداد إنتاج طائفة النحل مع زيادة طول فترة الإزهار وخلال الموسم الماضي أدى اضطراب درجات الحرارة وشذوذها عن معدلاتها الطبيعية ارتفاعاً وانخفاضاً وكذلك الهطول المطري المتطرف وفي غير أوقاته المعتادة وهبوب الرياح السريعة إلى الحد من سروح النحل وتراجع قدرته على جمع الرحيق وحبوب الطلع .. أدى إلى قصر فترة تفتح الأزهار وكانت نتيجة هذه الظروف تراجع إنتاج طائفة النحل من عسل  اللوزيات والحمضيات  من ٢٠ _٢٥ كغ بالمتوسط إلى حوالي ٥ كغ من العسل، وأيضاً تراجع تكاثر النحل لعجزه عن رعاية وتغذية الحضنة التي تنتج الجيل الجديد من النحل…

أما بالنسبة لموسم حبة البركة واليانسون والكزبرة فمع انتهاء موسم اللوزيات والحمضيات وفي بداية شهر ايار ينتقل النحالين بمناحلهم إلى المناطق الداخلية وينشرون طوائف النحل في حقول حبة البركة وحقول اليانسون والتي تتركز زراعتهما غالباً في محافظات حمص وحماه والغاب وادلب وحلب ودمشق وتقليدياً تستوعب المساحات المزروعة بالمحاصيل أعداد طوائف النحل وبحمولة رعوية مقبولة إلا أن الموسم الفائت شهد تراجعاً كبيراً في  المساحات المزروعة نتيجة عوامل تتعلق بندرة مستلزمات الزراعة ، كم وأدى تراجع المساحات المزروعة إلى ارتفاع الحمولة الرعوية بوحدة المساحة مما خفض كمية الرحيق وحبوب الطلع  التي جمعها النحل كما أدت الظروف المناخية غير الطبيعية إلى قصر فترة أزهار المحصولين وبالتالي تراجع إنتاج العسل وارتفع استهلاك النحل للعسل الذي جمعه في فترات انخفاض درجات الحرارة وهبوب الرياح السريعة وهطول الأمطار حيث يتعذر سروح النحل ويضطر إلى استهلاك ما جمعه من عسل للحفاظ على حياته، والنتيجة تراجع إنتاج طائفة النحل من ٢٠ كغ عسل إلى حوالي ٤ إلى ٥ كغ بالمتوسط.

في حين أشار نسيم العلي ” نحال ” إلى انه بالنسبة لموسم القبار والكينا والشوكيات والعاقول يتم نقل طوائف النحل للمناطق الداخلية مع بداية حزيران حيث تنتشر نباتات القبار والشوكيات وبعض أزهار النباتات البرية والرعوية الحولية  وتفتح أزهار أشجار الكينا ويستمر حتى نهاية تموز،  إلا أن ارتفاع تكاليف نقل الخلايا وأجور النقل وندرة مادة المازوت اللازمة لوسائط نقل طوائف النحل حال دون انتقال أعداد كبيرة من النحالين مع طوائف النحل إلى مناطق انتشار تلك النباتات لاسيما في ظل غياب تخصيص شاحنات النحالين بمادة المازوت، واضطر كثير منهم إلى تقديم التغذية السكرية لطوائف النحل للحفاظ على حياتها بفعل غياب إمكانية جمعها للرحيق وحبوب الطلع ، وكانت النتيجة أيضاً تراجع إنتاج طائفة النحل من عسل الشوكيات والجيجان والكينا بنسبة ٦٠% عن المتوسط المعتاد .

في حين ينوه معين ” نحال ” انه هناك إحجام من قبل الكثير من الناس عن العمل في مجال تربية النحل وبمخاطر جنيه مقابل رافد مالي قليل،  بحيث يبلغ سعر خلية النحل بين 1.5 و3 ملايين ليرة حسب عدد النحلات فيها، التي يصل عددها بين 15 و30 ألف نحلة في الخلية الواحدة، ويختلف من مكان إلى آخر، إذ يرتبط بالمناخ ودرجة الحرارة ونسبة الأمطار سنوياً.

وبالعودة إلى قرنفلة الذي أشار إلى حزمة من الصعوبات تواجه تربية قطاع النحل يأتي في مقدمتها عمليات الخلط الوراثي لسلالة النحل السوري بفعل إدخال ملكات نحل لسلالات أجنبية  ساهمت بتدهور مزايا السلالة السورية المتأقلمة مع البيئة ومقاومتها لآفات وأمراض النحل وظهور سلالات ناتجة عن الخلط الوراثي أكثر عرضة للأمراض وأقل كفاءة في التأقلم مع ظروف البيئة المحليةكما يعاني النحالون من غياب الوعي لدى جمهور المزارعين بأهمية وجود النحل في أراضيهم خلال فترة إزهار محاصيلهم وأشجارهم المثمرة  حيث من الثابت أن قيام النحل بإخصاب النباتات يؤدي إلى زيادة الإنتاج بنسب تتجاوز ال ٥٠% إضافة إلى تحسين مواصفات المنتج ومن المعروف انه بالدول المتقدمة زراعياً يدفع المزارع للنحال مبالغ مالية لقاء وضع طوائف نحله في أرض المزارع إدراكاً منه لأهمية النحل بزيادة وتحسين الإنتاج، إلا أن هذا الواقع “مقلوب رأساً على عقب”   لدينا .

و يعاني النحالون من عشوائية استخدام  المزارعين للمبيدات الحشرية التي تفتك بالنحل وتدمر طوائفه حيث لا يراعي كثير من المزارعين وجود نحل قرب أراضيهم ويقوموا برش المبيدات دون إعلام النحال الذي يقوم في حال إعلامه مسبقاً باتخاذ إجراءات فنية لمنع تعرض النحل للتسمم بالمبيد ووفقاً لطبيعة المبيد المستخدم، بالإضافة إلى صعوبة التنقل الذي تفرضه مواسم الإزهار نتيجة ارتفاع تكاليف النقل وغياب دعم النحالين وتخصيصهم بكميات من المازوت الزراعي أسوة بباقي قطاعات الزراعة.

ولعل المعاناة الكبرى التي تواجه كثير من النحالين -من وجهة نظر قرنفلة – غياب التنظيم الفاعل الذي يساهم في تسويق إنتاجهم داخلياً وخارجياً بشكل جماعي بحيث يستغل عدد من تجار العسل جهود وتعب النحالين وحاجتهم لتصريف إنتاجهم عبر شرائه بأسعار منخفضة وبيعه للمستهلك بأسعار باهظة ويجني أولئك التجار إرباحاً خيالية على حساب النحالين .

ولابد من الإشارة إلى أن العسل السوري يتميز بتنوع مصادر الأزهار التي يجمع منها النحل الرحيق لاسيما أن معظمها نباتات طبية وعطرية|، إضافة إلى استمرار مواسم جمع الرحيق على مدار العام فضلا عن أن كثير من أنواع العسل السوري تعتبر عضوية بطبيعتها حيث يجمع النحل الرحيق من نباتات برية لا تتعرض لمعاملة بالمبيدات الحشرية ولا يتم إضافة أسمدة لها وتتم كافة عمليات جمع وتداول العسل بما ينسجم وقواعد الإنتاج العضوي، إضافة لذلك و نتيجة الموقع الجغرافي لسورية فأن رحيق  أزهار النباتات فيها يكتنز طاقة الشمس والتي تنعكس على مواصفات العسل الفريدة وهو أمر تتميز به سورية بتنوع مناخاتها الصغيرة حيث نباتات الساحل ونباتات الجبال الساحلية ثم نباتات السهول الداخلية ونباتات الجبال الداخلية ونباتات البادية ، كما ويعتبر العسل السوري من أفضل أنواع العسل بالعالم إلا انه لم يحظى حتى الآن بما يستحق من دعاية تساهم بنشره في دول العالم .