تحقيقاتصحيفة البعث

جيل الهواتف الذكية لا يعرف شيئاً عن الأمثال الشعبية!

“أهل أول ما تركوا شي ما قالوه”.. جملة متداولة بكثرة في يومياتنا، فما إن نتعرّض لظرفٍ أو موقف ما، في الأفراح والأتراح حتى تستحضر الأم أو الأب أو الأجداد ليستذكروا مثلاً شعبياً يناسب الحدث وينطبق عليه.
اليوم ثمة انفصال واضح بين جيل السوشال ميديا والهواتف الذكية والموروث الشعبي من الأمثال الشعبية، التطبيقات الحديثة سرقت عيونهم وقلوبهم لدرجة بات فيها المثل الأفضل عندهم “خير جليس في الأنام أي باد”!.

خلطات غريبة عجيبة..
الزميل الكاتب عمر جمعة يرى أن تحوّل العالم إلى قرية صغيرة بفضل ثورة الاتصالات أدى إلى تراجع اهتمام الشباب بما هو تاريخي وماضٍ ومن بين ذلك الأمثال الشعبية التي كنا نسمعها من الأهل أو كبار السن في جلساتهم وسهراتهم تعليقاً على حدث معيّن، أو نطالعها على هامش قراءاتنا أو متابعة ذلك على أوراق “الروزنامة”، أو كما وردت في المناهج الدراسية بمختلف مراحلها، ومردّ ذلك باعتقادنا إلى الخلطات الغريبة العجيبة لثقافة الفرد أو المجتمع اللذين باتا ينظران إلى الأمثال على أنها موروث وتقليد ما عادت تعبّر عن التحولات أو الاتجاهات التي طرأت على هذا المجتمع أو ذاك، نتيجة التلاقح أو الاندماج أو الانفتاح على ثقافات تكاد لا تشبهنا بشيء.

موجة جهل عاصفة..
ووفق جمعة لا بدّ من الاعتراف بأن موجة الجهل بتاريخ وحضارة وإرث المنطقة التي تعصفُ بوعي شبابنا اليوم قد أنستهم معنى المثل الشعبي، وصاروا لا يعرفون حكاية هذا المثل أو المناسبة التي قيل فيها، حتى وصل الأمر بالبعض إلى حفظ أسماء أشهر الفنانين والمطربين ومشاهير الرياضة في الوطن العربي والعالم أكثر من حفظهم لعشرة أمثال، وعجزهم عن تفسير أي مثل شعبي في حال طُلب منهم ذلك!.

مرآة..
الأمثال الشعبية ليست مجرد كلمات مترادفة مسبوكة في جمل تعتمد السجع في معظم الأحيان، بل هي مرآة تعكس فلسفة أي شعب وحضارته، وفق ما يرى الباحث محمود علي، موضحاً أن الأمثال الشعبية هي أكثر عناصر الفلكلور تداولاً واستخداماً في الحياة اليومية بالنسبة للفرد والجماعة في جميع مناحي الحياة من الطعام والشراب والبيوت والبناء والأعراس والزواج والموت والولادة..الخ، وكما يُقال “كل شيء في الدنيا موجود في المثل”.

كتب ومؤلفات..
وأشار الباحث علي إلى العديد من الكتب المؤلفة في الأمثال قديماً منها: المستقصى في الأمثال للزمخشري، أمثال أبي عكرمة الضبي، تمثال الأمثال للعسكري، مجمع الأمثال للميداني.
أما في العصر الحديث فقد عُني كثير من الباحثين بالأمثال الشعبية وتفسيرها ودلالاتها في معظم الدول العربية، وأفردوا لها كتباً خاصة بذلك أو ألفوا أبحاثاً ونشروها في الدوريات التي تهتمّ بالتراث الشعبي، ومن أهم تلك الكتب بحسب الباحث علي كتاب الأمثال الشعبية ومناسباتها لأحمد إبراهيم الزعبي، والأمثال العامية لأحمد تيمور باشا، والأمثال الشعبية لإبراهيم راشد الصباغ، وموسوعة الأمثال الشعبية لصالح زيادنة، والأمثال الشعبية الشامية لنزار الأسود..الخ.

أمثال ومعانيها..
من الأمثال الشعبية المتداولة وفق ما ذكر علي”سيّاح نيّاح بيسع ألف كبش للنطاح” يشير للبيت الكبير، “أجار البيوت قبل القوت” يعني أهم من الطعام، “تجوزت أختي يا سعادة بختي” يعني جاء دوري في الزواج، “زوّج بنتك لعفريت ولا تزوجها لسائق ترانزيت” لكثرة غياب السائق عن البيت، “أعطي الشب للصبية ولو ناموا في البرية” أي لا تقف في طريق الزواج، “يا آخد القرد على ماله راح المال وبقي القرد على حاله”، “البنت حظها متل البطيخة” أي غير معروف، “حلاوة الزين المبسم والعين” أي جمال البنت بفمها وعينها الشبعانة، “قاضي الأولاد شنق حاله” يعني من الصعب التوفيق بين الأولاد، “آخر العنقود سكّر معقود”، “اترك بلادك تنل مرادك” يعني دعوة إلى السفر والمغامرة في طلب الرزق، “اصرف مافي الجيب يأتيك مافي الغيب”

الأمثال عند العرب..
من جهته يرى الكاتب الدكتور راجي شاهين أن الأمثال كثُرت في حياة العرب منذ القدم، فكانت الحالة الفكرية العربية تلتقط الظواهر وتستخلص منها مظهراً يعمّم ليعاد إنتاجه على المستوى الشعبي الجمعي.
فالمثل الشعبي وفق ما يرى هو عبارة تلخص حادثة اشتهرت واستخلصت منها عبرة على شكل نتيجة أو سبب أو وصف، وقد أولى العرب الأمثال عناية خاصة، وأفردوا لها مؤلفات تبيّن معانيها ودلالاتها.
ويدخل استخدام المثل في باب الإيجاز، فنستخدمه عند مشابهة حالة لأخرى، لنغلّب الظن بتساوي النتيجتين، فعند تشابه الأسباب تتشابه النتائج، كما يؤكد شاهين، مضيفاً أن كتاب أمثال العرب للضبي أقدم مجموعة وصلتنا من الأمثال، وهي لذلك أقدم صورة لدينا من المثل الجاهلي المقترن بالحكاية، وقد اتسع نطاق الأمثال بعده، فشملت ضروباً أخرى مثل الحديث والحكمة والشعر، وتعدّدت المؤلفات فيها.

دلالات المثل..
ويعدّد العسكري –حسب حديث شاهين- في كتابه جمهرة الأمثال الأهداف المبتغاة والدلالات الموجبة من استخدام المثل، أولاً: إن المثل يزيد المنطق تفخيماً، وثانياً: يكسب الكلام قبولاً، وثالثاً: يجعل المثل للكلام قدراً في النفوس وحلاوة في الصدور، أما رابعاً: فهو يدعو القلوب إلى وعي الكلام ويبعثها على حفظه، ويأخذها باستعداده لأوقات المذاكرة والاستظهار به.
وتابع شاهين: ولما عرفت العرب أن الأمثال تتصرف في أكثر وجوه الكلام وتدخل في جلّ أساليب القول أخرجوها في أقواها من الألفاظ ليخفّ استعمالها ويسهل تداولها، فهي من أجمل الكلام وأنبله وأشرفه وأفضله لقلّة ألفاظها وكثرة معانيها ويسير مؤونتها على المتكلم مع كبير عنايتها وجسيم عائدتها.
بالمختصر، إهمال جيل الشباب للموروثات الشعبية لا يتوقف عند تجاهله ونسيانه لتداول الأمثال الشعبية، وإنما هناك الكثير من العادات والتقاليد الجميلة يتمّ تجاهلها من قبلهم، بل وحتى السخرية منها، بحجة أنها لا تناسب العصر الجديد وهويته، هنا يبرز دور ومسؤولية المؤسسات التعليمية والتربوية في العمل على تعزيز الموروث الشعبي الجميل من عادات وتقاليد تحمل قيماً معنوية واجتماعية كبيرة لا يمكن التنازل عنها، وفي الوقت ذاته نحن لسنا ضد التجديد ومواكبة العصر، لكن المطلوب الحذر والوعي حتى لا نكون صيداً سهلاً لحملات الغزو الفكري والتضليل الإعلامي الذي يستهدف قيمنا وتاريخنا وحضارتنا!.

ليندا تلي