مجلة البعث الأسبوعية

ناس و مطارح.. علي الديوب مع أبناء الشمس من الظل إلى الضوء

“البعث الأسبوعية” ميسون عمران

حين تلتقي بالكابتن علي الديوب و تتبع طريقه الصباحي يوم الجمعة، ستعرف أن من يحب مكاناً، يحبه حتى أقصايه .. بكل حالاته، وبكل مجتمعاته، حتى تلك التي لا يراها المصيافيون من نسيجها.. أو بالضبط يقصد بالذات ذلك المجتمع النافر عن مصياف، المتعَالى عليه.. ليفتح بخطواته طريقاً بين مجتمعين.. و يشير إلى وجود من لم يكونوا مرئيين من المتسولين والمتسربين قسراً من المدارس .

في كل جمعة منذ سبعة أعوام.. يسير مع فريق ( سيّار) التطوعي باتجاه الحارات المنسية، المغلقة على طبيعتها و نسيجها الخاص، قاصداً أطفالهم بهدف تعليمهم.. عسى يستطيع أحدهم الإفلات من واقعه، ليتوقف عن التسول، أو يعود إلى المدرسة، أو لتعطى الفتيات الحق بأن ترى نفسها أهلاً للدراسة، و ليس للزواج فقط و التسول.

” كون إنسان.. كون سيار” بهذه العبارة يفتتح الكابتن مسيره الصباحي الباكر من يوم الجمعة، مع فريق قوامه من الشباب، وصل تعداده إلى الأربعين متطوعاً بعد الورشة الأخيرة التي أقامها في شباط الماضي.. في أمكنة لا يتوقع من يراها أن تكون بديلاً عن المدارس، أو ما يمكن أن يكون رديفاً.. إذ يتخذ المتطوعون إحدى المساحات الخاوية في تلك الحارات ليقوموا بأنشطتهم التعليمية مع الأطفال. فتراهم بين أشجار الأراضي المحيطة، أو قرب ظل حائط إحدى البيوت، أو في قارعة طريق ترابي .

كان علي الديوب في أول عمله عام 2017 قد بدأ وحيداً تماماً في مصياف، بعد ورشة عمل ابتدأها فريق سيار في دمشق مستهدفاً أطفال الشوارع في بداية عام 2014..

يتذكر بدخوله الأول كيف دخل حارة القرباط، متغلباً على مخاوف المكان و عناصره من كلاب و وسخ و أناس لا يعرف ردود أفعالهم تجاه المشروع الوليد حديثاً. يتذكر كيف قام بتعليمهم بين الخيم، و الخراف و الكلاب تجول حولهم، و قد قام بنفسه بالمحاور الأربعة الخاصة بتعليم هذه الفئة من الأطفال ” التنشيط، العلاج بالفن، التوعية، التعليم” و التي قسمت فيما بعد بين أربعة منسقين ينفذونها مع المتطوعين .

سرعان ما استطاع علي الديوب أن يقوم  بورشات تستهدف تجميع المتطوعين، و هيكلة الفريق إدارياً و تنظيمه بشكل مؤسساتي متبعاً بترخيص من وزارة الشؤون الاجتماعية و العمل، كواحد من فرق سيار المنتشرة في بعض المحافظات السورية .

“من يعبأ بتعليم أطفال الشوارع الذين يمتهنون أعمالاً مختلفة تقنّع التسول، و الفقر الذي يدفعهم خارج المكان الذي يجب أن يكونه الأطفال ( المدرسة، البيئة الحاضنة الصحيحة)، بعيداً عن تشغيلهم!”

مهمة كهذه تحتاج حقاً إلى (إنسان) يسعى في حق ( إنسان) آخر يُنظًر إليه بدونية، و يتقبل مشاق هذه المهمة. إذ يضاف لمشاق التعليم ألا تجد من يبارك هذا العمل، لأن المستهدفين ليسوا في دائرة الاهتمام و القبول الاجتماعي.

مع ذلك نجح علي الديوب في تأسيس فريق يؤمن بحق هؤلاء الأطفال، وبالقدرة على التغيير، فريق يعرف أن المهمة كبيرة، و مديدة، و ليست سريعة النتائج.

في عمله هذا وطد العمل التطوعي الشاق في المجتمع المصيافي، بالتعاضد مع فرق أخرى، وأسس  لعمل مجتمعي شبابي في مبادرات متعددة، منها ما كان استجابة فعالة في فترة الزلزال، و منها ما كان تفاعلاً اجتماعياً مع الفئات الفقيرة في مبادرة صناع الأمل ( توزيع الملابس، وتوزيع وجبات إفطار في رمضان) على مدى ثلاث سنوات. و بتكافل اجتماعي محلي، تقام لأجل التعريف بهؤلاء الأطفال فعالية سنوية باسم ( أبناء الشمس)، مرتبطة عادة باليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال.

تبدأ قريباً ورشة سيار السادسة عشرة، يحاول فيها علي فك الارتباط بين اسمه و سيار، بمعنى أن يعمم هذا الارتباط بالجميع، و ليس به وحده، لأنه يريد في هذه الورشات أن يوجد قادة مجتمع، لتتاح لهذه التجربة الاستمرارية السليمة. ولأن اسمه ارتبط أيضاً بالأطفال في تلك الحارات، فقد قلل حضوره و قوى من فعالية حضور بقية المتطوعين لذات السبب.

لكنهم لا ينسونه.. هؤلاء المنسيون يذكرونه دائماً .. يبتسمون ببراءة و يخبرون المتطوعين الجدد : لقد علمنا علي..