دراساتصحيفة البعث

البرازيل تخرج من الشرنقة

عناية ناصر

بعد فترة وجيزة من انتخابه رئيساً للبرازيل للمرة الثالثة، أعلن لويز إيناسيو “لولا” دا سيلفا في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ “كوب 27 في تشرين الثاني 2022، أن البرازيل عادت ولن تكون منبوذة بعد الآن، وأكد أن البرازيل تخرج من الشرنقة التي تعرضت لها على مدى السنوات الأربع الماضية للتعاون في قضايا متنوعة مثل تجنب إزالة الغابات، وتغير المناخ، والفقر، ونقل التكنولوجيا، والسلام والتعددية. مثل هذه الشعارات مألوفة في عالم السياسة، وأكثر من ذلك في الجغرافيا السياسية. إذن، هل عادت البرازيل حقاً، وإذا كان الأمر كذلك، فكيف سيجلى ذلك؟.

إن العلامة الأكثر دلالة على عودة البرازيل هي زيارات لولا الدولية المنتظمة إلى حد ما منذ توليه منصبه في كانون الثاني 2023 إلى مناطق جغرافية متنوعة، حيث زار خلال سبعة أشهر 15 دولة في جميع القارات الرئيسية- الأرجنتين وكولومبيا وأوروغواي في أمريكا الجنوبية الولايات المتحدة في أمريكا الشمالية، وبلجيكا وفرنسا وإيطاليا واليابان والبرتغال وإسبانيا والمملكة المتحدة والفاتيكان في أوروبا ن والصين والإمارات العربية المتحدة في آسيا، ومؤخراً  جمهورية الرأس الأخضر في أفريقيا.

كما حضر لولا مؤتمرات القمة العالمية والمتعددة الأطراف، في محاولة لإيصال صوت البرازيل في الحوارات المنتديات العالمية والإقليمية التي تتماشى مع أولويات البرازيل. وعلى مدى الأشهر السبعة الماضية، حضر لولا قمة “تجمع دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي”، وهو مجموعة من 33 دولة. وكذلك حضر قمة “ميركوسور” – كتلة إقليمية تتكون من البرازيل والأرجنتين وباراغواي وأوروغواي، وقمة “مجموعة السبع”  التي تجمع سبعة اقتصادات متقدمة، و”ميثاق التمويل العالمي الجديد” في فرنسا، وقمة أمازون التكنولوجية العلمية في كولومبيا، وقمة “سيلاك” التي جمعت زعماء دول الاتحاد الأوروبي مع نظرائهم من دول أمريكا اللاتينية. كما سيزور جنوب إفريقيا لحضور قمة “البريكس” الخامسة عشرة في الفترة من 22 إلى 24 آب 2023.

وصف المراقبون أن السياسة الخارجية الاستباقية التي ينتهجها لولا بأنها نشطة وحازمة، كما وصفت من قبل البعض على أنها عقيدة لولا. وفي سياق متصل، أوضح ماورو فييرا، وزير خارجية البرازيل، في مقابلة أجريت معه مؤخراً أن “عقيدة لولا هي مبدأ يكمن في استعادة صورة البرازيل وعلاقاتها،ل يس فقط مع جيرانها في أمريكا اللاتينية  ولكن أيضاً استعادة وجود البرازيل في العالم، على كافة الأصعدة والمراحل العالمية سواء كانت ثنائية أو متعددة الأطراف “.

وخلال الفترة المتبقية من ولايته، من المتوقع أن يوسع لولا انتشاره العالمي ليشمل المزيد من البلدان في إفريقيا وآسيا وأوروبا، فلدى البرازيل بالتأكيد القدرة والإمكانيات لتصبح قوة رائدة عالمية كبرى،  خاصةً أن البرازيل تستحق الشهرة لحالة السلام التي تحسد عليها، فالبرازيل لم تخوض أية حروب خارجية كبرى لأكثر من 150 عاماً، ولديها علاقات سلمية ولا توجد نزاعات حدودية كبيرة مع الدول العشر المجاورة لها، كما أن البرازيل خالية من الإرهاب والنزاعات الداخلية الكبرى. وعلى عكس بعض البلدان في آسيا التي تواجه باستمرار تهديدات أمنية على شكل إرهاب أو نزاعات إقليمية وحرب عرضية، فإن لدى البرازيل في الغالب قضايا داخلية يجب التعامل معها.

كما أشار  بريان وينتر، رئيس تحرير نشرة “الأمريكتين” الفصلية، يعتقد لولا وفريقه للسياسة الخارجية أن العالم يتجه نحو حقبة جديدة متعددة الأقطاب أكثر إنصافاً، حيث سيكون هناك، على سبيل المثال، ثمانية دول تجلس على طاولة مستديرة  وليس بلداً واحداً يترأس الجلسة، وستكون البرازيل واحدة منها، إلى جانب الصين والهند ودول أخرى من جنوب الكرة الأرضية الصاعد.