مجلة البعث الأسبوعية

الجهات الحكومية تتجاهل المناطق الخطرة المعرضة للزلازل خيار الضواحي السكنية كبديل للمتضررين لايزال مستبعداً !!

البعث الأسبوعية ـ علي عبود   

تلاشى الاهتمام تقريباً بزلزال 6/2/2023، باستثناء مانتابعه من معاناة المتضررين الذين خسروا منازلهم، ولم تتمكن الحكومة مع المجتمع الأهلي، وبعض فعاليات القطاع الخاص، من تأمين البديل لها سوى لعدد محدود منهم.

ومع أن المركز الوطني للزلازل يُسجل يومياً عدة هزات ارتدادية في عدد من المناطق المعرضة لزلازل مدمرة، أغلبها ضعيفة، فإن قلة تشعر بالخطر القادم ولو آجلاً!

ولا يبدو أن الجهات الحكومية مهتمة كثيراً، سواء بالتقارير أو الدراسات التي ينجزها المركز، أو بتأمين المساكن الدائمة للذين خسروا منازلهم بطرفة عين في زلزال 6/2/2023، فلا تزال مشاريع السكن البديل محدودة جدا، وعمليات إنجازها بطيئة جداً!

وبما أن الحكومة لم تهتم سابقاًبرسائل التحذير للمركز الوطني للزلازل، ولا تهتم حاليا ببناء الضواحي السكنية لمناطق العشوائيات، فإنها ستتجاهل حتما التحذيرات التي يُطلقها الخبراء حول مناطق سكنية تقع في مراكز الزلازل القادمة عاجلا أم آجلا، وهي مناطق تحتاج إلى معالجات وفق خطط يمكن تنفيذها في مرحلة إعادة الإعمار.

وقد لفتنا مؤخراً ماكشفه الدكتور محمد رقية من حقائق علمية في المحاضرة الأسبوعية للجمعية الجغرافية السورية في دمشق، وقد نفى خلالها مايُنسب إلى الزلازل من تدمير وخراب، وفي ذلك تأكيد للحقيقة التي تؤكد أن المنازل المخالفة للمواصفات، وليس الزلازل هي التي تقتل الناس.

إهمال مرعب للعشوائيات

لقد كشفت اللجان التي عاينت المناطق التي ضربها الزلزال بأن المنازل تدمرت لأن الجهات المعنية تساهلت ببنائها بمواصفات أقل من المطلوب إلى حد أن بعضها انهار في عدة محافظات خلال العقود الماضية دون زلازل!

وبفعل الإهمال المرعب لمناطق العشوائيات والتساهل بانتشارها فقد كانت نتائج زلزال 6/2/2023 كارثية، ومع ذلك فإن لاوزارة الإسكان ولا وزارة الإدارة المحلية ولا أي جهة حكومية أعلنت أنها بصدد إعادة النظر بتأهيل المناطق التي تقع على فوالق زلزالية، بل هناك استبعاد بتبني الحلول البديلة للحفاظ على أرواح سكان هذه المناطق، أي ببناء الضواحي السكنية المقاومة للزلازل الشديدة والمدمرة.

مناطق خطرة

لقد حذّر الدكتور رقيّة مجدداً من الفالق الذي يمر من سفح جبل قاسيون، الذي يعد قنبلة موقوتة ضمن منطقة سكن عشوائي، محاطة بثلاث مخاطر وهي انزلاق الصخور والزلازل والانخفاسات الحاصلة في مدينة دمشق.

ترى هل وصل هذا التحذير المتكرر على مدى السنوات الماضية إلى مسامع الجهات الحكومية المسؤولة عن انتشار العشوائيات والسماح ببناء مدن صغيرة مخالفة، ومبانيها غير مقاومة لأي هزات ضعيفة؟

وبما أن التنبؤ بالزلازل غي ممكن، فإن الاستعداد لها للتقليل من خسائرها إلى الحدود الدنيا أكثر من ممكن، ولهذا دعا الدكتور رقية لبناء أبنية مقاومة للزلازل باعتماد معيار الزلزال والخريطة الزلزالية مع التشديد بتطبيقهم، علماً أن التكلفة لا تزيد أكثر من 15% من التكاليف الأساسية.

ويبقى السؤال مطروحا منذ أشهر: هل استفادت الحكومة من تجربة زلزال 6 شباط الماضي؟

 

آلية مبهمة

على الرغم من مرور أكثر من ستة أشهر على عمل اللجان المتخصصة بالانتقال إلى مرحلة التعافي من زلزال 6/2/2023 فإن المتضررين من هذه الكارثة يتساءلون منذ أشهر: ماالآلية التي تبنتها الجهات الحكومية لتنفيذ تقارير اللجان الخاصة بتقييم الوضع الإنشائي للمنازل المتضررة، سواء التي بحاجة إلى ترميم أم تدعيم أم هدم؟

نستنتج من استفسارات المتضررين أن هذه الآلية لاتزال مبهمة بدلاًمن أن تكون واضحة جدا وقابلة للتنفيذ الفوري، وخاصة من قبل مجالس المحافظات والمدن والبلديات، والسؤال: هل تعجز وزارتا الإسكان والإدارة المحلية عن تبسيط الإجراءات التي تتيح للمتضررين بتنفيذ عمليات الترميم والدعم والهدم استنادا إلى تقارير اللجان المختصة؟

إذا كان الأمر يتعلق بالإعلان عن قوائم المتضررين، فإن المحافظات التي ضربها الزلزال أعلنت عن عدة قوائم وخاصة في محافظتي حلب واللاذقية، ومع ذلك لم تعلن مجالس المدن أو البلديات عن الشروط المطلوبة لمنح التراخيص للمتضررين كي يتمكنوا من المباشرة بأعمال الترميم والتدعيم والهدم ويتساءلون: إلى متى سننتظر الآلية المبسطة لتنفيذ تقارير اللجان الفنية؟

ومع أن المرسوم رقم /3/ صدر منذ أشهر فإن عددا من المصرفيين وخاصة في محافظة اللاذقية يؤكدون أن التعليمات التنفيذية الخاصة بالمصارف لتنفيذ المرسوم لم تصدر بَعد،وهذا يعني عدم استفادة المتضررين التي صدرت قوائم باسمهم حتى الآن!!

 

شروط وإجراءات روتينية

صحيح أن مجالس المدن تؤكد أنها تُقدّم كل التسهيلات للمتضررين بسبب الزلزال مع تبسيط الإجراءات قدر الإمكان للتخفيف من تداعيات الكارثة على المتضررين، ومن دون رسوم مادية على الإطلاق، ولكن لاتزال عملية حصولهم على الموافقة للقيام بأعمال ترميم الأضرار البسيطة كالجدران، ليس سهلا، في حين المطلوب من  أصحاب المنازل التي تضررت جملتها المعمارية بشكل كبير، الحصول على تقرير من اللجان المختصة بوضع المنزل أو العقار، وتقييم الضرر بالجملة الإنشائية، وهذا طبيعي، لكن آلية الحصول على هكذا تقرير ليس بالأمر السهل حتى الآن.

ويزداد الأمر صعوبة بالنسبة لأصحاب المنازل التي تم تشميعها حرصاً على السلامة العامة، فعليهم التقدم بطلب مرفق بدراسة من نقابة المهندسين مصدقة أصولاً، عندها فقط توافق البلدية على فك التشميع ليتم تدعيمه بموجب مهندس ومشرف من النقابة ومهندس ومراقب من مجلس المدينة، وهي إجراءات ضرورية جدا، لكن المشكلة في الآلية المناسبة التي تتيح إنجازها خلال مدة زمنية محددة، وهذا غير متوفر حتى الآن.

وبما أن عمليات الهدم للأبنية المتضررة التي تشكل خطراً على السلامة العامة وفق قرارات اللجان المختصة لاتتم من قبل أصحابها مباشرة، بل تنفذها حالياً الشركات العامة بناء على عقود وموافقات وشروط محددة للهدم وترحيل الأنقاض، فهي عملية رغم انها تنفذ مجانا، تحتاج إلى إجراءات وشروط فنية وإدارية تستغرق زمنا طويلا.

خيار الضواحي

ومهما رددت الجهات المعنية بأنها مستنفرة لمساعدة المتضررين، فإن الواقع يؤكد إن الأقوال لم تترجم إلى أفعال، فلو أن الحكومة تبنت خيار تشييد الضواحي السكنية لتكون بديلا عن المناطق التي دمرها الزلزال، لما احتاجت الجهات الحكومية إلى حصر الأضرار بهدف تصنيفها حسب درجة أضرارها، ولا اللجان إلى إنجاز تقارير فنية للأبنية المتضررة للسماح لأصحابها بالترميم والتدعيم والهدم..الخ.

نعم خيار الضواحي السكنية هو البديل الصحيح لتشييد أبنية مقاومة للزلازل بدلا من ترميم وتدعيم وهدم وإجراءات وشروط وتراخيص وتقارير فنية نتائجها غير مضمونة ومدد تنفيذها طويلة جدا!

ونكرر مجددا: خيار الضواحي هو الحل لمناطق العشوائيات التي ضربها الزلزال.

 

الخلاصة:

لانتوقع أن تهتم الجهات الحكومية بتحذيرات خبراء الزلازل والجيولوجيا المتعلقة بمناطق خطرة تقع على فالق زلزالي مثل جبل قاسيون، فقد سبق وأهملت تحذيرات مماثلة أشارت إلى تحذيرات غير مسبوقة قبل عدة أشهر من زلزال 6/2/2023، ومن لايهتم بتشييد ضواحي سكنية لتكون بديلا للعشوائيات يوحي وكأنّه متأكد بأن الزلزال القادم لن يقع قبل 50 عاما، وحينها فليتصرف من يتولى المسؤولية حينها حسب مايراهمناسبا!!