مجلة البعث الأسبوعية

أربعائيات.. أنموذج العلاقات بين الدول العربية

د. مهدي دخل الله

العروبة إن بقيت حبيسة إطار التكوين التاريخي الثقافي تحولت شيئاً فشيئاً إلى وجود قديم ماورائي ، أما إذا بنت وعياً معاصراً مستنداً لهذا التكوين الثقافي الزاخر أصبحت مقولة ذات فائدة حياتية ، وليست مجرد ماضٍ يشدنا إليه الحنين  دون أن يكون له أثر عملي على حياتنا .

بناء وعي معاصر على مستند العروبة الخطوة الأولى ، تليها خطوة ثانية هي بناء إرادة فاعلة على مستند الوعي ، وثالثة هي بناء فعل محدد على مستند الإرادة يعطي نتائج حقيقية على الأرض وفق أطر مقننة واضحة المعالم والآثار ..

هذا الارتقاء بالمستند التاريخي – الثقافي إلى فعل محدد هو الإشكالية الحقيقية في الوضع العربي العام اليوم . وغالباً ما يجد البعض حلولاً في إطار ما يريده أعداء العرب ، فإن كان عارفاً فتلك مصيبةٌ ، وإن كان دافعه الجهل فالمصيبة أعظمُ ..

الدول العربية اليوم دول ذات سيادة بمفهوم القانون الدولي وبحكم الواقع المعاش الذي يفرض نفسه فرضاً بغض النظر عن المشاعر والعواطف . لكن هناك في الوقت نفسه عروبة تفرض نفسها أيضاً على الواقع لأنها ترسم جوهر الكينونة العربية ( والكينونة ما يكون به الكائن كائناً ) .. كيف يمكن حل هذه الإشكالية بين السيادة والعروبة ؟؟..

أولاً : لا بد من إخراج العروبة من سجنها التاريخي ، والاعتراف بتأثيرها على حياة مواطني الدول العربية اليوم ، أي لابد من الاعتراف بتأثير السيادة والعروبة معاً على الواقع العربي ..

ثانياً : من المهم ، عند فهم العروبة ، اجتناب البعد العرقي – على أهميته – لأن العروبة لا تجمع العرب وحدهم ، وإنما تجمع معهم كل الأقوام والإثنيات والشعوب التي عاشت معهم وأسهمت في بناء الثقافة العربية والتاريخ العربي . وهذا يعزز المضمون الإنساني غير العنصري للعروبة ..

ثالثاً – وهو الأهم – ينبغي رسم الفاصل والجامع بين السيادة والعروبة ، بحيث لا يضر أحدهما بالآخر وينقلب الهدف إلى نقيضه .. كيف يمكن ذلك ؟ الأمر بسيط على صعوبته ، بل أن أكثر الأمور تعقيداً في هذه الحياة يمكن فهمها عبر التبسيط الواضح ، وهو مستمد من حديث الرئيس الأسد في القمة العربية :

حدود السيادة : 1- أن لا تتدخل دولة عربية في الشؤون السيادية الداخلية لدول عربية أخرى ( ترك القضايا الداخلية لشعوب هذه الدول ) -2- أن تبني الدول العربية صرحاً من التعاون والتكامل على أساس مبدأ المساواة التامة في السيادة ، ومبدأ المصلحة المشتركة والمنفعة المتبادلة .

– حدود العروبة : 1- أن يكون دور جامعة الدول العربية مرمماً للجروح لا معمقاً لهــا -2- أن تقــف الدول العربيـــة بقــــوة ضـــــد التدخــــلات الخارجيـــة فـــي شؤون أي دولــــة عربيـــة وذلك عنـــد طلب هــذه الدولــة حصــراً .

mahdidakhlala@gmail.com