مجلة البعث الأسبوعية

روسيا رمزاً ولاعباً رئيسياً في الكفاح ضد الاستعمار الجديد

البعث الأسبوعية – هيفاء علي  

في 1 آب 2023، نشر المشرِع الروسي ليونيد سلوتسكي، رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما، مقالاً بعنوان “أريد أن أحذر المتهورين من البحث عن أثر روسي في النيجر”، وذلك في صحيفة روسيسكا غازيتا الحكومية الروسية. أشار سلوتسكي إلى أن تدخلاً عسكرياً برعاية الغرب في النيجر من شأنه أن يخلق “الحرب القارية الأولى” في إفريقيا، مضيفاً أنه بينما يطالب الغرب بعودة الديمقراطية في النيجر، إلا أنه لم يرد على “الانقلاب الأوكراني” في عام 2014. وقد كرر هذا الموقف أيضاً وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. وأضاف سلوتسكي أن مؤيدي الانقلاب في النيجر “يتعاطفون” مع موسكو لأن روسيا أصبحت “رمزاً ولاعباً رئيسياً في الكفاح ضد الاستعمار الجديد”.

لقد أدى الوضع المتفجر في النيجر في الوقت الذي كانت تنعقد فيه القمة الروسية الإفريقية الثانية في سانت بطرسبرغ، إلى تحريك جزء كبير من القارة السوداء.  ولا يتعلق الأمر بحقيقة الانقلاب الذي لا تؤيده روسيا تقليدياً، ولا يتعلق بأي استيلاء عنيف على السلطة، بل يتعلق برد فعل دول الغرب التي تستمر في استنزاف موارد الطابق السفلي الأفريقي بفضل الأنظمة العميلة التي نصبوها في الحكم.

وتعتبر النيجر واحدة من أفقر البلدان في أفريقيا، ويبلغ عدد سكانها 25 مليون نسمة. وحتى عام 1960، كانت مستعمرة فرنسية، مع العلم أن النيجر كانت ولا تزال المورد السابع لليورانيوم للأسواق العالمية والمصدر الرئيسي لهذه المادة الخام لاحتياجات قطاع الطاقة ليس فقط في فرنسا، ولكن في دول الاتحاد الأوروبي بأكمله. أول شيء فعله الانقلابيون هو إعلان وقف شحنات الذهب واليورانيوم إلى فرنسا، ويخشى الخبراء بالفعل أنه في أعقاب تغيير الطاقة في النيجر، سيضطر عمال الطاقة النووية الفرنسيون إلى إعادة النظر في الظروف الاقتصادية للعمل في البلاد، ما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الوقود النووي المستخدم في محطات الطاقة النووية.

لا أحد ألغى سياسة الكيل بمكيالين، لا باريس ولا بروكسل ولندن وواشنطن وعواصم غربية أخرى التي أدانت بشدة الانقلاب العسكري في النيجر، وطالبت بإعادة السلطات الرئاسية إلى بازوم. وقد شاركت في موقفهم منظمة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “ايكواس”، حيث فرضت عقوبات بالإضافة إلى تجميد أصول النيجر. وأصدرت المنظمة، التي تتأثر دولها بشدة بفرنسا، إنذاراً قالت فيه: “إذا لم يتم استعادة سلطة الرئيس المخلوع في غضون الأسبوع المقبل، فإن الدول الأعضاء نفسها ستتخذ جميع الإجراءات اللازمة، بما في ذلك استخدام القوة”.

وعليه ليس من الصعب التنبؤ بالتهديد الذي قد يخلقه تدخل عسكري محتمل، من نشر الفوضى أو إراقة الدماء أو اندلاع الحرب القارية الأولى، وعلى وجه الخصوص، فإن حكومتي مالي وبوركينا فاسو، اللتين وقفتا إلى جانب السلطات الجديدة المعلنة من جانب واحد في النيجر، على استعداد لاعتبار مثل هذه الإجراءات بمثابة “إعلان حرب”.

إن ما يحدث في النيجر يعكس رغبة الدول الأفريقية في تحرير نفسها تماماً من عبء القوى الاستعمارية، رغم ذلك، حافظت روسيا على موقف ثابت ضد أي انقلاب، فهي تعتبر أنه يجب حل قضايا انتقال السلطة فقط ضمن الإطار الدستوري والقانوني والشرعي، على الرغم من أن المتظاهرين أبدوا تعاطفهم مع روسيا، وهم يهتفون “تحيا روسيا، يعيش بوتين” ويلوحون بالأعلام الروسية. لقد أصبحت روسيا بالفعل رمزاً ولاعباً أساسياً في الكفاح ضد الاستعمار الجديد، وكما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطابه في القمة الروسية الإفريقية، فإن عصر سيطرة دولة أو مجموعة دول على وشك الانتهاء، ومع ذلك، فإن أولئك الذين اعتادوا على استثنائهم واحتكارهم للشؤون العالمية يقاومون ذلك.

استخدم الاتحاد الأوروبي السلاح الاقتصادي ضد روسيا في مزيج من غير الواقعية الجيوسياسية، والدبلوماسية الاستعراضية، والأطلسية العمياء، ولكن ما حدث إن السحر انقلب على الساحر وهذه العقوبات ألحقت الضرر بالأوربيين أنفسهم.

كانت سلسلة العقوبات الاقتصادية التي فرضها الاتحاد الأوروبي منذ بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة للدفاع عن دونباس في أوكرانيا في شباط الماضي، تهدف إلى إضعاف روسيا لإجبارها على وقف هذه العملية. لكن هذه الحرب الاقتصادية الحقيقية التي شنتها بروكسل ضد موسكو كما فعلت في عام 2014 مع العقوبات ضد روسيا بعد ضم شبه جزيرة القرم، عاقبت أيضاً الدول الأوروبية نفسها، ذلك أن روسيا تعد خامس أكبر شريك اقتصادي للاتحاد الأوروبي بعد الصين والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وسويسرا. وتختلف أهمية العلاقات التجارية مع روسيا بحسب درجة اعتماد كل دولة عضو في الاتحاد على الصادرات الروسية. على سبيل المثال، تعد فرنسا أكبر صاحب عمل خاص في روسيا مع ما يقرب من 160.000 موظف، حيث تعمل ما يقرب من 500 شركة فرنسية في روسيا، وبالتالي، من خلال الرضوخ لإملاءات وضغوط المنظمات غير الحكومية، التي غالباً ما تكون مرتبطة بالحكومات أو المجموعات الأنغلوسكسونية الكبيرة، أو الجمعيات الإنسانية أو حتى الحكومة الأوكرانية، مما يجبرهم على مغادرة روسيا، فإن الشركات الفرنسية هي التي تخضع للعقوبات وسيكون لهذا بالضرورة تداعيات سلبية في فرنسا. أما في ألمانيا، فيأتي 66٪ من الغاز المستهلك من روسيا، وهذا هو السبب في أن برلين، حتى لو صوتت لصالح العقوبات، أكدت أن هذه العقوبات لن تؤثر على مصالحها الحيوية، لا سيما من خلال التخلي عن الحظر الشامل للطاقة ضد روسيا.

في الآونة الأخيرة، اضطر العديد من المشترين الأوروبيين الكبار للغاز الروسي إلى إيجاد حل تقني من أجل سداد المدفوعات بالروبل، التي فرضها الكرملين كرد على العقوبات، دون إجراء التحويل، ومن ثم اضطرت المفوضية الأوروبية لقبول هذا الحل الوسط، مما سيسمح لها بالاستمرار في شراء الغاز من الروس.  لذلك سيتعين على أي مشتر للغاز من روسيا أن يفتح حساباً لدى “بنك غاز بروم” الروسي، الذي يتلقى المدفوعات بعملة العقد، ويحولها على نفقته الخاصة إلى حساب ثانٍ بالروبل تفتحه الشركة الأوروبية التي تشتري الغاز، وبالتالي يدفع لشركة غازبروم، مورد الغاز، بالعملة الروسية. ووفقاً لوكالة بلومبرغ، فتحت 20 شركة أوروبية بالفعل حسابات مع هذا البنك لدفع ثمن الغاز الروسي عن طريق تحويل اليورو إلى روبل.

وبحسب خبراء الاقتصاد والمحللين السياسيين، يعد هذا الأمر استسلام يرثى له ونفاق من الاتحاد الأوروبي.  ذلك أن الأمر الرئيسي بالنسبة لموسكو هو تجنب مصادرة المدفوعات باليورو أو الدولار في حسابات مفتوحة مع البنوك الغربية. بالإضافة إلى ذلك، يتم إعادة بيع هذه الدولارات واليورو على الفور في سوق الصرف الأجنبي للروبل مع فرض رسوم الصرف على الشركة الأوروبية التي تشتري الغاز. أما سياسة العقوبات على النفط الروسي فقد منيت بإخفاق ذريع.