صحيفة البعثمحليات

في سوق المهن الجديدة.. نساء يعملن باعة بنزين وجباة باصات و”فاليه” مواقف سيارات!

دمشق- لينا عدره
انتشرت مؤخراً مهنٌ جديدة بين السيدات السوريات تنوّعت واختلفت حسب الحاجة، منها ما هو موسميّ ومنها ما هو دائم، فمن بيع المازوت والبنزين والدخان والمعسل على البسطات وفي الطرقات العامة، انتقالاً للعمل كسائقٍ أو معاونٍ في باصات النقل الداخلي والسيارات الخاصة، وصولاً للعمل كـ”فاليه” في شركات مواقف مأجورة، مشاهد باتت مألوفة لدى شريحة كبيرة من المجتمع السوري لنساءٍ يعملن في مهنٍ قاسية لم يعتدنَ مزاولتها، فرضتها عليهن الظروف الاقتصادية الخانقة.

وهنا سنستعرض تجربتي عمل مختلفتين بالمضمون، متشابهتين بالظروف، الأولى لشابة في مقتبل العمر لم تتجاوز العشرين من عمرها، تعمل كمعاون في أحد باصات النقل الداخلي العاملة على خط جديدة عرطوز بدوامٍ كامل يبدأ من التاسعة صباحاً ويستمر للعاشرة مساءً مقابل عشرين ألف ليرة يومياً، حيث ترى الشابة في عملها هذا فرصةً مناسبةً لكسب بعض المال والعيش بكرامة، كونها مسؤولة عن إعالة أسرتها بعد وفاة والدها، على الرغم من الجهد الكبير الذي تتكبّده، وخصوصية العمل بحدِّ ذاته، خاصةً وأنها مضطرة للاحتكاك المباشر مع الركاب وتحمّل نزق البعض منهم، فهي لا تكاد تصمت طيلة النهار مردّدةً سؤالها الاعتيادي “مين لسا ما دفع؟ ومين زدلو معنا؟”، ومن جهة أخرى اضطرارها في بعض الأحيان لمرافقة السائق إلى محلات تصليح السيارات كونها تسكن في ريف دمشق، ما يشكل عائقاً بأن ترجع إلى منزلها حتى إصلاح العطل!.
أما تجربة نادية التي تعمل في إحدى شركات المواقف المأجورة، فهي الأخرى تعاني ما تعانيه، خاصةً وأن عملها لا يخلو من صعوبات كثيرة، لافتةً إلى أن ورديتها تبدأ عند التاسعة صباحاً وتنتهي بحدود الثالثة ظهراً براتبٍ لا يتجاوز 130 ألف ليرة سورية، وتضيف السيدة نادية بأنها في بعض الأحيان قد تعمل لساعاتٍ إضافية مأجورة ضمن ورديةٍ جديدة. وعن عملها كـ”فاليه” تبيّن نادية أنها بدأت رحلتها مع هذه المهنة منذ حوالي ثلاث سنوات، أي بعد تقاعدها، كونها معيلة لأخواتها وأولادهن، وعلى الرغم من كلّ الصعوبات التي تمرّ بها أثناء العمل، إن كان لجهة التعامل مع الزبائن أو لجهة طبيعة العمل نفسه، إلا أنها مضطرة للاستمرار به، وتحمّل تصرفات وردّات فعل بعض الزبائن الغاضبة، والتي تدفع هي في كثيرٍ من الأحيان ضريبتها، كما حصل معها مؤخراً عندما غرّمتها الشركة وخصمت من راتبها لمدة ثمانية أشهر مبلغ 12500 ثمن جهازٍ قام أحد الزبائن بكسره “كسر قيد المركبة” بعد أن حجزت سيارته، لرفضه دفع الإيصال! متسائلةً لماذا يتوجب عليّ أن أدفع ثمن الجهاز الذي كُسِرَ، علماً أن هناك كاميرات يمكن من خلالها الحصول على رقم السيارة عن طريق المرور وبالتالي تغريمه هو؟!، مستكملةً حديثها بأن المصاعب لا تتوقف عند هذا الحدّ، فقد يحجز أحدهم موقفاً لسيارته ويهرب، مستَغِلاً غيابها لانشغالها مع زبائن آخرين، وهذا ما قد يتكرّر كثيراً كونها مسؤولة عن نسقٍ كامل وآخر فرعي، ما يضطرها إلى أن تدفع من جيبها الخاص في مثل هذه الحالات، مع عدم إغفال وجود الكثير من الزبائن المحترمين والكرماء، وفق ما بيّنت نادية في نهاية حديثها.
وختاماً لا بدّ من الإشارة إلى الحقوق المهضومة لأولئك العمال البسطاء المتعاقدين مع بعض الشركات على اختلاف طبيعتها، الذين ورغم حفنات المال القليلة “المُسماة راتباً” التي يتقاضونها يُجبرون في كثيرٍ من الأحيان على الدفع من جيبهم الخاص، وبمجرد حصول أي خطأ قد لا يكون لهم به أي ذنب؟! أما عن السيدات اللواتي اخترن العمل في مهنٍ قد تبدو للبعض غايةً في الصعوبة، فمن الضروري التأكيد على تمتعهن بالكثير من الكرامة وتحديهن لكلّ الظروف وإصرارهنّ على العمل بشرفٍ مهما كانت الأوضاع والظروف.