مجلة البعث الأسبوعية

استراتيجية ” الفزعة الشعبية “

لابد من الانتقال من معادلة ( دولة أبوية – مجتمع منفعل ) إلى معادلة ( دولة رعوية – مجتمع فعال ) ..

 د. مهدي دخل الله

 

تعودنا في العقود الماضية – منذ عام 1970- على الدولة الأبوية . وتمددت الدولة في أبويتها إلى كل أركان حياتنا حتى كدنا نظن أن الدولة مسؤولة عن الجفاف والأعاصير والهزات الأرضية . الدولة الأبوية انتهت في العالم منذ انهيار الأنظمة الاشتراكية . وبالمقابل ، انهارت الدولة المحايدة اجتماعياً مـع ظهــور اقتصــاد السـوق الاجتماعـي فـي ألمانيـا وفرنسا واسكندنافيـا ، ومـع تطـور نظــام ” التدخلية ” في الولايات المتحدة بدءاً بمشروع فرانكلين روزفلت ( نيو ديل ) .

عندنا ، يبدو أن الدولة الأبوية ذات جذور عميقة في النفسية الاجتماعية العامة ، استناداً إلى دور الأب في الأسرة ، ودور رجل الدين والمختار وشيخ القبيلة . إنها الهرمية التي تحتل مساحة واسعة في ثقافتنا ..

ولما كان من ايجابيات المحن والكوارث إعادة النظر في كل ما هو بعيد عن إعادة النظر ، كان لابد من البدء بتعزيز دور المجتمع في معالجة عدد كبير من القضايا ، بل وتطوير هذا الدور ليصبح ركناً مهماً في مجمل حياتنا العامة .

هناك الكثير من القضايا التي يمكن للمجتمع المحلي أن يحلّها عبر العمل التطوعي المنظم تحت رعاية الدولة بعيداً عن تدخلها المباشر . وسأعرض هنا بعض الأمثلة لما يسمى ( الفزعة الشعبية ) التي تمت في بعض مناطق الوطن :

1- فزعة البوكمال قبل ثلاث سنوات ، حيث قامت شعبة الحزب مع الأهالي والجمعية الفلاحية  باستصلاح وزراعة الأراضي المهجورة وتسليم الحصاد للدولة .

2- فزعة حوران ، حيث جمع المواطنون مليارات الليرات ومولوا بنى تحتية أساسية ( طرق ، آبار ، كهرباء ، مرافق صحية ) ..

3- فزعة طيبة الإمام ( حماه ) ، حيث جمع الأهالي مليارات الليرات تبرعاً وأعادوا – برعاية الدولة – إعمار بنى تحتية أساسية ، كمشاريع الطاقة الشمسية والكهرباء من أجل الآبار والري ..

4- فزعات محافظة السويداء ( الثعلة ، صلخد ، قنوات ، مفعلة ، الطيبة ، شقا، عرى ، المجيمر ، الرحى ، وغيرها ) ، حيث أتم الأهالي بنى تحتية مهمة خاصة في مجال الطاقة الشمسية والمياه والربط الكهربائي وأعمال البلدية وغيرها . صحيح أن هذه المشاريع محلية وصغيرة لكن مجموعها يعطي نتيجة كبيرة وواسعة من حيث الجغرافيا وفي محافظة واحدة .

وهناك ( فزعات ) أخرى تؤكد أن المجتمع يتقدم في مجال تعزيز فعاليته ، وإن كانت هناك بعض العوائق والإشكالات الناتجة عن ثقافة الاعتماد الأبوي على الدولة . ما نشاهده في محافظة السويداء اليوم من مطالبات هو تعبير واضح عن هذه الثقافة الأبوية ، التي من أهم مخاطرها ، في هذا الظرف بالذات ، تقديم خدمة مجانية للعناصر المعادية للوطن كي تركب الموجة وتحول اتجاهها نحو ما هو مضر بهويتنا الوطنية والعروبية .  

mahdidakhlala@gmail.com