رأيصحيفة البعث

بعد المجزرة.. الكلام انتهى

طلال ياسر الزعبي

بعد المجزرة المروّعة التي ارتكبها الكيان الصهيوني المصطنع بحق النساء والأطفال في مشفى المعمداني بغزة، لم يعُد ممكناً أبداً الحديث عن شيء يسمّى تهدئة أو “إنهاء العنف” دون محاسبة “إسرائيل” على جرائمها، لأن ذلك مع استمرار القتل الممنهج لن يكون حلاً لمأساةٍ يعانيها الشعب الفلسطيني المظلوم منذ أكثر من 75 عاماً.

الكلام قد انتهى، وصار لزاماً على جميع الدول العربية والإسلامية والشعوب الحرة في العالم أن تقف خلف هذا الشعب الأعزل بالفعل في مواجهة أبشع حرب إبادة شهدها التاريخ الإنساني، فليس من المعقول أن يقوم هذا الكيان المجرم بإلقاء ما يعادل ربع قنبلة نووية على منطقة لا تتجاوز مساحتها 365 كيلومتراً مربّعاً، وهي المنطقة الأكثر كثافة في العالم، ثم يتحدّث بعض الأطراف عن وقفٍ لإطلاق النار يتم من خلاله التغطية على الجريمة الصهيونية البشعة، وليس منطقيّاً أن نلوم شعباً يقبع تحت الاحتلال على مقاومته، بل ينبغي دعمه بقوّة حتى يضطرّ العالم لسماع صوتنا ومحاسبة هذا الكيان على جرائمه، والإقرار بحقوق الشعب الفلسطيني التي أقرّتها الشرعية الدولية في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، لأن الجريمة في حقيقتها هي بداية مشروع تهجير نهائي لأهالي غزة على دعمهم للمقاومة والوقوف خلفها، ولا يمكن مطلقاً التمييز بين الشعب ومقاومته، فكلّهم مقاومون وكلّهم مستهدفون.

هناك شعبٌ بأكمله يتعرّض للإبادة الممنهجة من الكيان الصهيوني والغرب الجماعي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ولا ينبغي أن ينتظر العرب سقوط القذائف الفوسفورية على مدنهم بعد إبادة غزة عن بكرة أبيها حتى يتحرّكوا، وعندئذ لن ينفعهم الندم، فالغرب ليس مستعدّاً مطلقاً للتضحية بقاعدته المتقدّمة من أجل الدفاع عمّن يسمّيهم حلفاءه في المنطقة، لأنه يتحالف مع مصالحه فقط، والتصريحات الغربية في هذا الشأن تؤكّد ذلك بشكل فجّ.

إنها لحظة الحقيقة، ولا ينبغي التواني عن نصرة الشعب الفلسطيني الأعزل في وجه آلة الحرب الصهيونية الغربية، وإذا لم يكن العرب أهلاً لهذه اللحظة، فإن هناك في هذا العالم من هو أهلٌ لذلك، وإذا دعتهم الضغوط إلى النأي بأنفسهم عن دعم المقاومة فينبغي على الأقل ألا يكونوا خنجراً في ظهرها.

إنها معركة الوجود، ولا مندوحة بتاتاً لمَن يحاول الآن إيقاف عقارب الساعة، والقول إن هناك متّسعاً من الوقت للعيش مع عدوّ دموي مجرم يبعثر أشلاء أطفالنا في السماء، ولا بدّ من وقفة مشرّفة خلف مقاومة الشعب الفلسطيني الذي سطّر رغم كل الحصار والجوع والفقر والاستبداد والغطرسة، أروع ملاحم التضحية والفداء والعزة والرجولة.

يتعرّض الشعب الفلسطيني في غزة  للقتل بأشدّ الأسلحة فتكاً.. وبعد ما شاهدناه بأمّ أعيننا من تزويرٍ فاضح للحقائق على لسان جو بايدن الذي اتّهم هذا الشعب بشكل مضحك بأنه يقتل نفسه، كي يقدّم صكّ براءة لـ”إسرائيل”، ينبغي التأكّد أن السلام الذي يدّعي البعض أنهم يبحثون عنه ليس موجوداً في واشنطن، بل هو موجود في بندقية المقاومة البطلة التي تمكّنت من تمريغ أنف جيش الاحتلال في التراب وإجبار داعميه ومشغّليه على الظهور علناً وتأييد إجرامه، حتى لم يبقَ هناك أيّ شكّ في ذلك.

لا يمكن التستّر بعد الآن خلف الرواية الغربية الصهيونية المتناغمة حول ما جرى، وإن كان ذلك فأين سيذهب هذه المرّة أهالي غزة؟.. هل يُرسلون إلى نكبة جديدة؟ إن إنسانيّتنا قبل عروبتنا لن تغفر لنا التضحية بفلسطين والتخاذل عن نصرة المقاومة تحت أية ضغوط، مهما اشتدّت، فالمشكلة هي الاحتلال ولا حل إلا بإنهائه، والساحة مفتوحة على جميع الخيارات.