تحقيقاتصحيفة البعث

دعمه خجول ويفتقد “الحلاوة”.. العسل السوري ينتظر استرداد مكانته العالمية

حاله كحال جميع السلع والمنتجات الزراعية والصناعية المحلية التي ورغم توفر البيئة الحاضنة لها ووفرة إنتاجها إلّا أنها لم تسلم من سعير ارتفاع سعرها محلياً، وصعوبة تصديرها إلى الخارج كما كانت قبيل الحرب، فعلى الرغم من عودة إنتاج العسل السوري خلال السنوات الأخيرة، كما كان سابقاً، إلاّ أنه لا زال ينتظر استرداد مكانته عالمياً، في حين لا زال في محط مقارنة مع العسل المغشوش محلياً، ففي ظلّ ارتفاع سعر الأصلي منه كان توجّه المواطنين إلى العسل الأرخص المغشوش بحجة عدم وجود ضمان حقيقي لجودة جميع أنواع العسل المطروحة في السوق.

تعاون للعودة
وعلى الرغم من محاولة أصحاب الشأن النهوض بهذا القطاع من خلال حضور المعارض والمهرجانات المُقامة سنوياً محلياً ودولياً، إلّا أن حصيلة التغيير كانت دون المأمول، ليشهد هذا القطاع عزوف أعداد كبيرة من المربين خلال سنوات الحرب واستمرار عزوف بعض من بقي خلال السنوات الماضية نتيجة عدم تحسّن واقع القطاع الذي -برأيهم- يلحق بركب القطاعات المتدهورة الأخرى على مرأى الجهات المعنية الغافلة عن تقديم الدعم المطلوب لهم، والذي لا يخرج من إطار دعم مادتي “الوقود لنقل الخلايا والسكر لتغذيتها في الشتاء”، وفق ما ذكره إياد دعبول رئيس أمانة سورية لاتحاد النحالين العرب، لافتاً إلى وجود ثلاث مراحل لإحصائيات عدد خلايا النحل ما بين زيادة ونقصان، ففي فترة ما قبل الحرب وتحديداً عام 2011 كانت إحصائية وزارة الزراعة تشير إلى وجود 635 ألف خلية نحل عامرة، وتراجع العدد خلال الحرب بشكل كبير ليصل العدد إلى 150 ألف خلية، ليتمّ تدخل المنظمات الدولية بالتعاون مع وزارة الزراعة واتحاد النحالين العرب لترميم قطاع النحل من عام 2016 إلى عام 2022 من خلال توزيع مستلزمات الإنتاج لتعود الأعداد للزيادة خلال الخمس سنوات الماضية، فوصل عدد الخلايا إلى نحو 450 ألف خلية حالياً.

العسل المغشوش
وفيما يتعلق بالإنتاج السنوي، تحدث دعبول عن تجاوز الإنتاج في عام 2010 الـ3000 طن، أما خلال فترة الأزمة فكان هناك عجز حقيقي بكميات الإنتاج، لكن بعد التدخل الإيجابي المستمر إلى اليوم وصل إنتاج العسل العام الماضي إلى أكثر من (2000 طن)، علماً أن الاستهلاك المحلي لا يتجاوز الـ1500 طن أي وجود فائض تصديري، لكن الإنتاج انخفض هذا العام بسبب الظروف المناخية وقلة زراعة النباتات الرحيقية كاليانسون وحبة البركة إلى 1000-1500 طن، لافتاً إلى وجود تصدير خجول لفائض الإنتاج. وأشار دعبول إلى محاولة الاتحاد في تنشيطه بمشاركة الدول العربية بمهرجانات سورية لتشجيع الزيارة البينية، إلّا أن إنتاج هذا العام يكفي فقط للاستهلاك المحلي، وبالتالي لا يوجد فائض تصدير، موضحاً أن قلة الإنتاج أدّت إلى ارتفاع سعر العسل ليتراوح ما بين 80- 150 ألف ليرة، ولم ينفِ رئيس الاتحاد انتشار العسل المغشوش بكثرة وتأثيره على مبيعات العسل الأصلي لانخفاض سعره، فالعسل المطروح اليوم في السوق ثلاثة أنواع: العسل الطبيعي، والعسل الناتج عن التغذية وتكون نسبة “السكروز” عالية، إضافة إلى العسل المطبوخ مئة بالمئة، وهو عبارة عن محلول سكري يضاف إليه منكهات وصبغات، وبالتالي لا يمكن مقارنة تكلفته بالعسل الطبيعي، مؤكداً عدم دراية المستهلك وقدرته على كشف العسل المغشوش، وبالتالي هذا العسل يؤثر على مبيعات العسل الطبيعي.

مهرجانات ومعارض..
وعن ارتفاع سعر العسل في ظل تدني القدرة الشرائية للمواطن، أشار دعبول إلى أن سعر العسل السوري منخفض مقارنة بالدول المجاورة، أما عالمياً فهو ضمن الحدود العالمية العليا بحسب بورصة العسل في العالم، أما تكاليف الإنتاج فتختلف من عام لآخر كون التعامل الأساسي مع الطبيعة، والتغيرات المناخية الكبيرة هذا العام كان لها تأثير على واقع الإنتاج وانخفاضه، كذلك قلة زراعة النباتات الرحيقية رفع تكلفة الإنتاج نتيجة تدني كمية الإنتاج بوحدة الإنتاج الواحدة، إضافة إلى ارتفاع تكاليف النقل والمعالجة وغيرها من التكاليف التي تساهم في رفع السعر، وبالتالي لا يوجد تكلفة ثابتة بل تختلف من نحال إلى آخر حسب وضع المرعى، لافتاً إلى توفر جميع مستلزمات الإنتاج، إلّا أن المشكلة تكمن بارتفاع سعرها نتيجة الضرائب العالية، إضافة إلى معاناة المربين بعدم توفر الأدوية، ومطالبة الاتحاد على مدار الأعوام الماضية بتقديم الدعم للمربين لجهة الوقود والسكر كون تكاليف النقل عالية ومادة السكر التي تشكل غذاءً رئيسياً للنحل في فصل الشتاء في حالة رفع مستمر لسعرها.

وفيما يتعلق بأهمية المعارض ودورها في دعم التسويق للمنتج محلياً ودولياً، تحدث رئيس الأمانة عن التحضير اليوم لثلاثة مهرجانات، أولها في القاهرة بمشاركة النحالين السوريين، والثاني معرض على هامش اجتماع مجلس وحدة اقتصادية عربية سينعقد بدمشق هذا العام، أما الثالث فهو مهرجان العسل السوري التقليدي الذي ينعقد كلّ عام بمشاركة خمسين عارضاً من جميع المحافظات كفرصة لتعريف المستهلك المحلي بالمنتج السوري، إضافة إلى الضيوف العرب لجهة تعريفهم بعودة إنتاجنا بتسارع.

كلف عالية
في المقابل تحدث عبد الرحمن قرنفلة رئيس برنامج أبحاث النحل لدى منظمة المركز العربي لدراسات المناطق الجافة عن التغيّرات المناخية وتأثيرها العميق على علاقة النحل بتوقيت تفتّح الأزهار وتوقيت سروح النحل، إضافة إلى الهطول المطري في غير مواعيده المعتادة والذي أدّى إلى إعاقة سروح النحل، فضلاً عن عواصف الغبار التي ساهمت بتدهور حالة تفتح أزهار بعض المحاصيل، أما العامل الآخر الذي ساهم بتدهور إنتاج العسل فهو الارتفاع الكبير بتكاليف النقل والذي أعاق كثيراً من النحالين عن الانتقال إلى مراعي النحل، ومع جميع هذه الصعوبات فإن أسعار العسل حالياً منخفضة ولا تتناسب مع تكاليف الإنتاج ولكن المشكلة تكمن في تآكل القوة الشرائية لدخل المواطن، مؤكداً عدم دراية المستهلكين بالتكاليف الكبيرة وأسعار مستلزمات الإنتاج التي ينفقها النحال للحصول على النحل، وتتنوع بين قيمة الشمع وقيمة القفران وتكاليف المعالجات الوقائية أو العلاجية بالزيوت العطرية الطبيعية وقيمة عبوات التعبئة والتغليف وتكاليف فرز العسل وتكاليف النقل والانتقال وزيارة المنحل دورياً والأجور التي يدفعها النحال للمزارع مالك الأرض لقاء وضع الخلايا في أرضه خلافاً لما هو معمول به في العالم.

دورات للنحالين
رئيسُ برنامج أبحاث النحل تحدث عن أهمية منتجات خلية النحل في رفد الاقتصاد الزراعي، ولاسيما أن تلك المنتجات تتمتع بسمعة جيدة في الأسواق المحلية والخارجية، مشيراً إلى أهمية دور المعارض والمهرجانات المتخصّصة بمنتجات خلية النحل في تعريف المستهلكين بمزايا منتجات الخلية، وتتيح فرصة للقاء المستهلك بمربي النحل مباشرة، إضافة إلى كونها نافذة للأسواق الخارجية للتعرف على الإنتاج السوري من العسل وباقي منتجات النحل، إلاّ أن المعارض التي تقام سنوياً أصبحت تقليدية وخالية من الإبداع والتجديد الذي يشدّ المستهلك، كما أنها أصبحت مكلفة جداً بالنسبة للنحال، فبدلات الاشتراك أصبحت مرتفعة وتفوق طاقة كثير من النحالين.
وفيما يتعلق بموضوع الأدوية، لم يجد قرنفلة أن هناك مشكلات بتوفر أدوية معالجة أمراض وطفيليات النحل، وحثّ النحالين على الابتعاد عن استخدام الأدوية الصنعية تجنباً للأثر المتبقي الذي يمكن أن تتركه بالعسل أو باقي المنتجات والذي يعيق نفاذ المنتجات إلى الأسواق التصديرية، ونشجّع النحالين على استخدام مستخلصات عدد من النباتات الطبية والعطرية والتي ثبتت كفاءتها في معالجة معظم أمراض وآفات النحل، وعلى اتباع الأساليب الفنية والعلمية في التعامل مع النحل لوقايته من الأمراض، وننفذ بالتعاون مع اتحاد الفلاحين في القطر ندوات شهرية للنحالين تتضمن محاضرات علمية وتطبيقية في هذا الإطار.

ميس بركات