مجلة البعث الأسبوعية

الدنيا برد.. وعند أهل الخير الدفا.. مبادرات أهلية لتأمين التدفئة للأسر المحتاجة في ظل الظروف المعيشية الصعبة

البعث الأسبوعية – غسان فطوم

يبدو أن شتاء هذا العام سيكون بارداً بالنظر إلى المنخفض الجوي المبكر الذي بدأ مطلع هذا الأسبوع والذي من المتوقع أن يستمر عدة أيام، وبذلك لن “يظبط” في هذا الموسم الشتوي القول الموروث “بين تشرين أول وثانٍ صيف ثانٍ”، فحسب تقارير الأرصاد الجوية هناك كتلة هوائية باردة نسبياً تتوضع فوق منطقتنا يصاحبها انخفاض واضح في درجات الحرارة لتصبح أدنى من معدلاتها بحوالي /2-4/ درجات مئوية في أغلب المناطق، وسيصبح الجو بارداً وخاصة على المرتفعات الجبلية، ومن ينظر اليوم إلى جبل الشيخ سيجده اكتسى بثوبه الأبيض في موعد مبكر قياساً إلى العام الماضي.

ورق الكرتون

ومع ارتفاع أسعار وسائل التدفئة ومستلزماتها إلى أرقام خيالية، باتت الأغلبية من الأسر السورية عاجزة عن شراء كل ما تحتاج إليه من لوازم شتوية، فضلاً عن وجود عشرات آلاف الأسر المحتاجة والأكثر فقراً الصابرة على البرد، أمضت الشتاء الماضي بالتدفئة على ورق الكرتون وأكياس النايلون وما تيسّر من قطع الأخشاب وبمجملها لا تبعث الدفء في الأجساد التي ترتعش برداً في عزّ الشتاء.

مبادرات أهلية

في ظل هذا الوضع المعيشي والاقتصادي الصعب ومع دخول فصل الشتاء تكثر في مختلف المحافظات السورية المبادرات الأهلية التي تقودها جمعيات خيرية أهلية بهدف مساعدة الأسر الفقيرة في تأمين وقود التدفئة، والمدافئ أيضاً والألبسة الشتوية الجديد منها والمستعمل وغير ذلك من المساعدات التي تخفف عبء الشتاء والمعاناة مع غلاء الأسعار، فمن يتجول في الأسواق يجد أن أقل مدفأة بالسوق سعرها لا يقل عن 300000 ألف ليرة، أما عن “دفايات” الكهرباء فحدّث ولا حرج فأسعارها لا تُقارب رغم أن الطلب عليها قليل جداً بسبب سوء الوضع الكهربائي في كل أنحاء البلد، ووصل سعر جاكيت الجلد الطبيعي إلى أكثر من مليون ليرة، والمصنوع من القماش الوطني لا يقل عن 600000 ألف ليرة، حتى البالة باتت أسعارها لا تقارب!.

وفي الحديث عن آلية توزيع مازوت التدفئة لهذا العام، هناك الكثير من المواطنين في كل المحافظات لم يحصلوا بعد على الدفعة الأولى من مخصّصات المازوت البالغة 50 ليتراً، بل إن بعضهم لم يحصل على دفعة العام الماضي، علماً أن الجهات المعنية تقول إن نسبة التوزيع بلغت أكثر من 60%.

البيع بالتقسيط

والعلامة الفارقة التي لاحظناها في سوق بيع المدافئ ومستلزماتها كانت أن أحد المحال يبيع المدافئ الجديدة والمستعملة بالتقسيط للأسر الفقيرة، ومن دون دفعة أولى، وقالت إحدى السيدات /زوجة شهيد/: إنها اشترت مدفأة مستعملة لا تزال بحالة جيدة مع مستلزماتها بسعر مقبول، ولولا هذه المبادرة لما استطاعت شراء مدفأة تقيها وأولادها برد الشتاء القارس.

وذكر أحد فاعلي الخير أنه دفع ديون أكثر من 50 عائلة فقيرة للمحال التجارية، فضلاً عن تقديمه مساعدات عينية ومازوت تدفئة لأسرتين من ذوي الشهداء، بينما قال عضو بارز في جمعية أهلية: إن الجمعية تحرص كل شهر على دفع فواتير الكهرباء والمياه والهاتف الثابت للأسر المحتاجة، بالإضافة إلى وقود التدفئة وغيره من المساعدات العينية والمالية.

وفي قرى ريف حمص الغربي قام فاعل خير بتأمين حطب للتدفئة لعدد من الأسر المحتاجة، كما قام بتسديد بدل إيجارات لمنازل الطلبة في المدينة ممن يدرسون في جامعات البعث وتشرين وحماة، وللعلم يباع كيلوغرام الحطب لهذا العام بـ3500 ليرة، بل أكثر في بعض المناطق الباردة.

وتحرص السيدة أم مدين على إشراك أبنائها في مساعدة الأسر من خلال تقديم الملابس وحرامات الصوف وبعض الأنواع من مونة الشتاء كالملوخية والحمص والفول ومربى التين.

وذكرت إحدى السيدات أن هناك رجلاً مقتدراً يفتح أبواب بيته لأبناء الأسر الفقيرة ممن يدرسون في الجامعة ولم يحصلوا على سكن جامعي، كما أنه يمدّهم بالمازوت للتدفئة.

وبحديث الأرقام هناك أكثر من 600 جمعية أهلية خيرية في دمشق وريفها، وفي بقية المحافظات هناك أيضاً مئات الجمعيات، فضلاً عن وجود الآلاف من فاعلي الخير الذين يعطون بلا حدود، وللأمانة هناك حالة من التكامل بين عمل الجمعيات ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، حسبما أخبرنا القائمون على الجمعيات، وهذا ما يجعل عملها منظّماً ويصل إلى هدفه الذي هو الأسر المحتاجة فعلاً للمساعدة سواء في فصل الشتاء أم في باقي أيام العام.

وما سبق يؤكد أن ثقافة التكافل الاجتماعي بخير في مجتمعنا، فرغم الظروف الصعبة بعد أكثر من /13/ سنة من الحرب، ما زالت الناس يساعد بعضها بعضاً متحابة ومتعاضدة، وتؤمن أن التكافل الاجتماعي هو الطريق الأجدى في بناء علاقات اجتماعية قوية وصحية بين أفراد المجتمع، حيث يعين الغني الفقير، ويساعد القوي الضعيف، ويحنو الكبير على الصغير، وهذا دون شك يجسّد المعنى الحقيقي للتكافل والتضامن الاجتماعي الذي أهم ما فيه تحقيق مبادئ العدالة الاجتماعية، ولا شك أن استمرار نشر ثقافة التكافل الاجتماعي كفيل بتطويره ونقله من المفهوم التقليدي القائم على تقديم المساعدات المادية والعينية إلى الأخذ بالأساليب الوقائية والتنموية والعلاجية.