تاريخ جزيرة أرواد وأخواتها الخمس
حياة عيسى
أرواد جزيرة سورية تتربّع في وسط البحر، وتتمتّع بتاريخ عريق وموقع فريد، وهي الجزيرة الوحيدة المأهولة بالسكان منذ أيام الفينيقيين. ورد اسم أرواد أو “أرادوس” في رسائل تلّ العمارنة، وفي حوليات ملوك آشور، وفي نصوص أوغاريت. وتشتهر أرواد منذ القدم بصناعة السفن، التي ما زالت قائمة إلى اليوم. وكانت قديماً تملك أسطولاً بحرياً قوّياً. حارب الأرواديون ضدّ الاغريق اليونانيين، ووقعت بينهم معركة بحرية هي معركة “سالاميس”.
عكس الشائع
الدكتورة نور كيالي بينت أنه على العكس مما هو شائع بانفراد جزيرة أرواد على الساحل السوري، فإن المياه الإقليمية السورية تضم 24 جزيرة بحرية تتصف بأنها صغيرة الحجم وكثيرة العدد في الشمال، وكبيرة الحجم وقليلة العدد نسبياً في الجنوب، بالإضافة إلى الكثير من التكشفات الصخرية التي تظهر عند الجزر وتختفي عند المد، ويمكن حصر الجزر المهمة على الساحل السوري بـ 6 جزر بحرية هي من الشمال إلى الجنوب: جزيرة الحمام أو جزيرة النوارس، وتسمى أيضاً جزيرة الطيور، وليس عليها أي شاطئ رملي، وتتشكل من صخور رسوبية بحرية ينمو على سطحها بعض النباتات الشوكية البحرية، وهي غير مأهولة بالسكان، وجزيرة أرواد وتبلغ مساحتها نحو 20 كم2 وتقع على بعد 5 كم من شاطئ طرطوس. وهناك عدد من الجزر الصغيرة غير المأهولة، وتسمى بأخوات أرواد الأربع وهي: جزيرة النمل، جزيرة العباس، جزيرة أبي علي، جزيرة المخروط.
الملجأ والملاذ
وأوضحت كيالي أن جزيرة أرواد تسمى ﺑ “آراد” أو “آرفاد”، باللغة الفينيقية، وتعني الملجأ أو الملاذ. و”أرادوس” باليونانية. وتشير الدلائل إلى أنّ مؤسّسيها كانوا من الفينيقيين. وتعد أرواد الجزرة الوحيدة المأهولة أمام الشاطئ السوري، إضافة لكونها أضخم الكتل الطافية الممتدة أمام ساحل محافظة طرطوس. وتمتد الجزيرة بطول 800 متر، وعرض لا يتجاوز500 متر، وتقع على بعد 3 كم إلى الجنوب الغربي من مدينة طرطوس. وللجزيرة شكل الكلية أو حبة الفاصولياء، وغالبية حوافها صخرية تعرضت لعوامل الحت البحري، ما أكسبها منظرا جميلا. ويوجد في الشمال الغربي من الجزيرة صخرة جرداء تسمى بنت أرواد كانت متصلة بها لكنها انفصلت بسبب الحت البحري.
وتضيف كيالي بأن ميناء أرواد يقع قبالة سواحل طرطوس، واشتهر منذ القدم أيام الفينقيين الذين اتخذوه مركزاً تجارياً، وهو يستقبل الزوار بكثرة ويستخدم في صناعة السفن، ويرتبط بشكل رئيسيّ بالحركة الملاحية مع مرفأ طرطوس، حيث يستقبل عادةً زوارق الزوار والسياح الصغيرة التي تستغرق حوالي نصف ساعة لقطع المسافة بين المرفأين، وكان يشيع صيد الإسفنج منه، حيث يبحر سكان الجزيرة ويغطسون حتى أعماق تتراوح بين 12 و45 متراً لجلبه، مع الإشارة إلى وجود مرفآن صغيرين منفصلين في الجزيرة: المرفأ الجنوبي أو الجرينة، وكان يستخدم لجمع الأصداف قديماً أيام الفينقيّين، حيث كانت تستخرج منها صبغة أرجوانية اللّون، وقد باتَ معظمه مغموراً بالمياه اليوم. وأما الشمالي فقد كان حتى زمن غير بعيد “مزلقاناً” يستعمل لرفع وإنزال السفن إلى البحر، إلا أن الميناء الجديد أقيم فوقه وطمس معالمه القديمة، وتم حديثاً نقل منشآت صناعة وصيانة السفن إليه.
ورد اسم أرواد في رسائل تلّ العمارنة، وفي حوليات ملوك آشور، وفي نصوص أوغاريت، وجميع هذه الكتابات تتحدّث عن أهمية أرواد التاريخية والاقتصادية والملاحية، وعن أنها من أهمّ المدن الفينيقية، وكانت المدينه مزدهرة منذ الألف الثاني قبل الميلاد، ثم وقعت تحت نفوذ صور، إلا أنها استقلّت عنها وأخذت تنمو وتزدهر. وقد توغل الأرواديون في الداخل فأقاموا معابد وقلاعاً كهيكل “بيتوخيخي”، و”سيجون”، وساهموا في تأسيس مدينة طروادة.
عندما أغارت شعوب البحر على أوغاريت، كانت أرواد أوفر حظاً، إذ نجت من الغزو، وأصبحت من أبرز المدن الساحلية إلا أنها خضعت للملك الآشوري تغلات بلاصر الأول ثم آشور ناصربال. غير أن الأرواديين استردّوا معنوياتهم واتّحدوا مع ملوك سورية الآراميين عام 854 قبل الميلاد ليحاربوا جيش شلمانصر الثالث الذي تمكّن في ما بعد من فرض الغرامات على أرواد. وفي عام 539 قبل الميلاد، أصبحت أرواد جزءاً من الإمبراطورية الأخمينية الفارسية وغدت الولاية الخامسة، وسمح لها بممارسة الحكم الذاتي ودفعت بأسطولها إلى جانب الفرس في حربهم ضدّ الأثينيين في معركة سلاميس، عام 480 قبل الميلاد.
وكان لأرواد شأن مهمّ في النزاع بين البطالمة والسلوقيين، لذا، منحها أنطيوخوس الثاني استقلالها ليضمن مساعدة بحريتها، وتمتّعت وقتذاك بامتيازات المدينة الحرّة، واعتبر العام 259 قبل الميلاد نقطة بدء التأريخ لديها. وتدخّل الأرواديون في نزاع السلوقيين بين بعضهم حيث وقفوا إلى جانب سلوقس الثاني، واضطر أنطيوخيوس الرابع إلى إخضاعهم بعد مقاومة، ثم تحالف معهم. وأعاد أنطيوخيوس السابع إلى أرواد حرّيتها ليكسب مساعدتها، وبصورة عامة كان لأرواد نفوذ عظيم على طول سواحل سورية.
قلعة ارواد
أما قلعة أرواد فقد بينت كيالي أنها شيدت وسط الجزيرة على أنقاض معمورات كنعانية، ورممت خلال العصور التاريخية المتلاحقة كالعصر الآشوري والفرعوني والبابلي والفارسي واليوناني، وقاومت الرومان فترة طويلة، ثم فتحها العرب عام 640 م، واحتلها “فرسان الهيكل” أثناء حملات الفرنجة وبنوا فيها الأسوار والحصون، ونقشوا على بابها شعار لوزينيان الملكي، وحررها السلطان المملوكي قلاوون عام 1302 م، ثم حولها الفرنسيون عند انتدابهم على سورية إلى سجن زجّوا فيه رجال الحركة الوطنية. وبعد استقلال سورية عام 1946، صارت قلعة أرواد متحفاً محلياً.
الاكتشافات الاثرية
كشفت التنقيبات في الجزيرة آثاراً معمارية ومادية وكتابات منقوشة بلغ عددها 22 نصّاً حتى عام 1983. وأوّل من استطلع هذه الآثار إرنست رينان في أثناء رحلته إلى سورية، عام 1860، واقتصرت دراسته على جدران السور والمنازل ومفارق الطرق، والمخطوطات، والأدوات الجنائزية، وقواعد التماثيل، وبعض الألواح الخشبية التي تظهر امتزاج العناصر المصرية والآشورية والفارسية وانطباعها بالحسّ اليوناني، حيث تدلّ على أنّ الفنّ الإغريقي تطوّر في أرواد تطوّراً يفوق أيّ مكان آخر على الساحل السوري.
كما قامت الباحثة أونور فروست بأعمال دراسة أثرية تحت الماء نشرت نتائجها في بحث عن صخور أرواد البحرية ومراسيها القديمة الأثرية. وقام الآثاريون السوريون باستطلاعات مهمة في أرواد وتم استخراج قطعة حجرية عليها كتابة يونانية من العصر الروماني مؤلّفة من 11 سطراً نقلت إلى الفرنسية ثم ترجمت إلى العربية، كما تم كشف حجر أسود بازلتي عام 1983 إلى جانبه حجر رخاميّ نُقشت عليه خمسة سطور يونانية ويعود إلى أيام الإمبراطور تيبريوس.
تضم أرواد في رحابها الكثير من المعالم الأثرية والأوابد التاريخية منها: البرج العربي الأيوبي، ويسمّى بالقلعة الساحلية، وهناك السور الفينيقي وهو سور حجريّ ضخم يحيط بالجزيرة من جميع جهاتها، وتمّ بناؤه لحماية المدينة من خطر العواصف البحرية ولصدّ الغزوات التي كانت تواجهها، ويعد البرج الأحمر من بقايا السور الفينيقي العظيم.