دراساتصحيفة البعث

الدعاية الصهيونية سقطت أمام إعلام المقاومة

ريا خوري

ساهمت عملية “طوفان الأقصى” بقوّتها وشدّتها في قلب الكثير من المفاهيم والآراء والمعايير التي كان الكيان الصهيوني يروّج لها طوال خمسة وسبعين عاماً، فقد تحوّلت “طوفان الأقصى” إلى سيل جارف جرف أمامه الآلة العسكرية الصهيونية، وأجهزة استخباراتها الهشة، والقوى الغربية التي وقفت خلفها، والعديد من الدول المحلية والإقليمية التي تخشى وتطيع تلك القوى الغربية الصهيونية.

وتمثّل هذا الانفجار المدمّر بكل قوته في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية، وفي مجال الإعلام والاتصال، وأخلّ بكل التوازنات التي كانت قائمة.

لم يدمّر هذا الحدث التاريخي كل الدعاية الصهيونية والتصوُّرات الأسطورية التي روّجتها في جميع أنحاء العالم فحسب، بل قلبَ أيضاً كل الروايات والسرديات التي تم إنتاجها حتى الآن عن حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وعن الإسلام والإرهاب والعنف.

لقد أدّى انعدام الكفاءة والقدرة الصهيونية والتفلّت التاريخي من جهود السلام والأمن دوراً كبيراً في تحقيق هذا الأثر، فضلًا عن العدوان المتكرّر، والإبادة الجماعيّة التي يصعب تبريرُها لأنها مفضوحة أمام العالم.

ليست هناك دعاية (بروباغندا) يمكن أن تفسّر قتل الأطفال والأبرياء، والاستهداف المستمرّ والممنهج للمستشفيات والمراكز الحساسة، واستهداف المساجد والكنائس والمدارس والمعاهد والجامعات والأسواق، وجميع الأماكن المدنيّة دون تمييز. ليس لدى الكيان الصهيوني كيسٌ يكفي لوضع كل هذه الرماح السامة فيه.

عملية “طوفان الأقصى” لم تضرب المجال السياسي والعسكري والروايات  والسرديات الإعلامية والتاريخية السائدة فحسب، بل حوَّلت فلسفة القرن إلى غِربال كبير مملوء بالثقوب الواسعة.

من ناحية أخرى، حقّق الفرع الإعلامي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” (الإعلام العسكري) نجاحاً كبيراً غير مسبوق منذ اليوم الأول لعملية “طوفان الأقصى”، فتصريحات القائد القسّامي “أبو عبيدة” الناطق باسم كتائب القسام، بزيّه الفريد كل مساء، لها قوة إقناع كبيرة وتأثير غير عادي.

البيان الختامي الذي كانت ستخرج به منظّمة التعاون الإسلامي بعد اجتماعها لم يكن أكثر أهمية من البيان الذي ألقاه “أبو عبيدة” في ذلك المساء وما سيليه من أيام.

ولا أحد يأخذ على محمل الجِدّ التصريحات التي أدلى بها مجرم الحرب بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني وغيره في المؤتمرات الصحفية حول الحرب الدامية، بل ينتظر الجميع بعد حديثهم أن يخرج القائد القسّامي ليؤكد أو يكذِّب ما قالوه وما صرّحوا به علناً أمام العالم أجمع.

للقائد القسّامي “أبو عبيدة” الكلمة الأخيرة والقول الفصل في أخبار الحرب وإحداثياتها، لأنَّه لم يكذب في أي من خطاباته، وجميع المعلومات التي قدّمها كانت دقيقة وحقيقية وواضحة لا لُبسَ فيها. في المقابل، كل تصريحات نتنياهو ورئيس أركان جيشه هرتسي هليفي تشكّل نوعاً من الدعاية اليائسة .

واقع الحدث الكبير وتجلّياته العالمية وأداء حركات المقاومة في أثنائه، منحت خطابها جرأة وقوة وصدقية غير مسبوقة في جميع أنحاء العالم، فحركة حماس خلقت حرفياً “طوفان الأقصى” في الساحة الإعلامية العالمية، بينما تزداد الدعاية الصهيونية ضدها بؤساً وهشاشةً مع كل تصريح لمسؤول في هذا الكيان اللقيط يلجأ إلى أكبر عدد ممكن من الأكاذيب اليائسة محاولاً خداع العالم بطريقة رخيصة. وقد رأينا كيف أصبح الوضع البائس للمتحدث العسكري الإسرائيلي دانيال هاغاري، الذي كان يبحث عن عناصر وأعضاء حركة حماس في مجمع مستشفى الشفاء الطبي، يثير السُخرية على لسان الجميع.

في ضوء هذا التهاوي والسقوط المروّع للأكاذيب والسرديات الصهيونية المخادعة، تُظهر “إسرائيل” قدرتها الهمجية على مواصلة العدوان الوحشي المدمّر على أبناء شعبنا العربي الفلسطيني في قطاع غزة، لأن ما يعتمد عليه الكيان الغاصب حقاً هو قوّته العسكرية المعتمدة أساساً على المساعدات العسكرية الأمريكية الغربية. وهو  لا يشعر بالحاجة إلى تقديم تفسير مقنع لأي شخص كان، فالتبرير والتفسير مجرّد شكليات فقط وتفاصيل غير مهمّة بالنسبة له، فوراءه من يؤيّده دون قيد أو شرط، لكنه فقط يحتاج إلى حُجّة ولو كانت سخيفة ليستخدمها في الدفاع عن أكاذيبه وافتراءاته.

وعندما يقدِّم الكيان الصهيوني الصور الميدانية الحيّة على أنها حقيقة دامغة على كذب وخداع ما يقولون، لا يكون بوسع المتلقّين الصهاينة إلا أن يقولوا: “كنّا نعتقد أنّ هذه الصور ألعاب كمبيوتر”. فأيّ من أكاذيب هذا الكيان لا يسارع هؤلاء لتصديقه، وأيّها يمتنعون عن الدفاع عنه؟!.

هذه الدعاية البدائية المكشوفة التي يسخر بها قادة الكيان الصهيوني من العقل البشري، وتجعل الأطفال يضحكون بصوت عالٍ، كافية جداً لإقناع بعض الفلاسفة الكبار والمفكّرين المؤيدين للصهيونية على الفور.

إن تصريح بعض المفكرين والفلاسفة، ومن بينهم الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس، المنظّر الكبير لبيئة وشروط الاتصال المثالية في الغرب الأوروبي، وآخر ممثل كبير للنظرية النقدية، هو في الحقيقة فضيحة كبيرة من أيّ زاوية يُنظر منها إليه.