قرار ضمّ الجولان.. عمل عدوانيّ وليست له شرعية قانونية
البعث الاسبوعية – د. معن منيف سليمان
يعدّ قرار “إسرائيل” فرض قوانينها وولايتها القضائية على الجولان السوري المحتل عملاً عدوانياً وليس له شرعية قانونية، لأن هذا القرار صادر عن سلطة احتلال ليس من حقها وفق قواعد القانون الدولي إجراء أي تغيير على الواقع الجغرافي أو السكاني في المناطق المحتلة، وقد رفض العالم بأسره هذا القرار الإسرائيلي الجائر الذي يخالف القانون الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، الحامي والراعي لـ”إسرائيل”، التي أعلنت في السابق رفضها القاطع ضم الجولان العربي السوري، ثم امتنعت عن التصويت. ولا يزال أهلنا في الجولان العربي السوري المحتل يرفضون قرار ضم الجولان، ويجدّدون في كل مرة تمسّكهم بهويتهم العربية السورية، ويرفضون الهوية الإسرائيلية التي فُرضت عليهم في عام 1981.
فالجولان أرض عربية سورية، وسورية لها وحدها حق ممارسة السيادة الوطنية والتامة غير المنقوصة وفقاً لجميع الشرائع والقوانين والاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وقد أكّد القائد الخالد حافظ الأسد هذه الحقيقة بقوله: “إن الجولان ليست محتلة بقانون سنّته “إسرائيل”، ولم ولن يتوقف تحريرها على عدم وجود قانون تسنّه “إسرائيل”، لم تأخذها “إسرائيل” بقانون، ولن نسترجعها نحن بقانون”.
احتلت “إسرائيل”، خلال عدوان حزيران عام 1967، الجولان العربي السوري وسيناء المصرية والقدس بالكامل والضفة الغربية وغزة وجزءاً من الأراضي الأردنية وأجزاء من الأراضي اللبنانية، وفي حرب تشرين الأول عام 1973، تمكّنت سورية من استرجاع جزء من الجولان ومن ضمنه مدينة القنيطرة، وفي 14 كانون الأول عام 1981، قرّر الكنيست الإسرائيلي ضمّ جزء من الجولان الواقع غربي خط الهدنة عام 1974، إلى “إسرائيل”.
وكان الكنيست الإسرائيلي منذ عام 1979، يعمل على استصدار قرار بضمّ الجولان المحتل، ففي منتصف حزيران عام 1979، قامت لجنة مستوطنات الجولان بدعم من الحكومة والأحزاب، بجمع تواقيع ثلاثة وسبعين عضو كنيست على مذكرة تنصّ على أن الجولان جزء لا يتجزأ من أرض “إسرائيل”، وعدّل في 10 تموز عام 1980، قانون الجنسية الذي أعطى صلاحية لوزير الداخلية بمنح الجنسية لسكان المناطق المحتلة في عام 1967، وفي 18 آب عام 1980، سنّ الكنيست قانوناً يجيز منح بطاقات إسرائيلية للمواطنين العرب في المنطقة المحتلة من الجولان، وقد وضع موضع التنفيذ في 18 تشرين الثاني عام 1980، وقد فتحت مكاتب متخصّصة لهذا الغرض.
وفي نهاية عام 1981، قدّمت مجموعتان من أعضاء الكنيست مشروع قانونين يدعوان إلى ضمّ الجولان المحتل إلى “إسرائيل”، تألفت المجموعة الأولى من ثمانية عشر نائباً في تكتل الليكود اليميني، أما الثانية فتألفت من نائبي حزب “هاتحيا” /النهضة/ المتطرّف، كما وقّع سبعون نائباً عريضة رفعوها للحكومة يدعونها فيها إلى اتخاذ قرار الضم.
وفي 14 كانون الأول عام 1981، اتخذ الكنيست بعد نقاشات سريعة قراراً عاجلاً يقضي بضم الجولان العربي السوري المحتل، وبتطبيق القوانين الإسرائيلية عليه، وقد حاز القرار موافقة /62/ صوتاً من أحزاب الليكود والمفدال والعمل مقابل /21/ صوتاً. وقد أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد “مونيتين” الإسرائيلي آنذاك أن نحو /78 / بالمئة من الإسرائيليين يؤيّدون ضمّ الجولان فوراً.
لقي هذا القرار رفضاً دولياً وعربياً وإقليمياً عارماً، واعتبر ملغى وباطلاً، ولا يحمل أي أثر قانوني، فقد رفضت الولايات المتحدة الأمريكية القرار الإسرائيلي وأكدت أن الجولان من الأراضي العربية المحتلة التي يشملها القراران /242/ و/338/، ووصفت بريطانيا الإجراء الإسرائيلي بأنه “مخالف للقانون الدولي وضار بمساعي إحلال السلام”، معتبرة إياه “ملغى وباطلاً”، كما سارعت فرنسا إلى إدانة قرار الضم داعية “إسرائيل” للتراجع عنه، وأعلن الاتحاد السوفييتي السابق رفضه الشديد للقرار الإسرائيلي، وأكد تضامنه مع الشعب السوري، كما أدانت معظم دول العالم وبشدة القرار الصهيوني، فضلاً عن العشرات من بيانات الشجب والتنديد التي أصدرتها المنظمات والنقابات والأحزاب والحكومات.
وفي أعقاب صدور القرار العدواني، أصدرت الحكومة السورية بياناً مساء 14 كانون الأول عام 1981، نبّهت فيه الرأي العام العربي والمجتمع الدولي إلى خطورة ومنعكسات هذا الإجراء على الأمن والسلام في المنطقة وفي العالم، وأبدت قلقها العميق إزاء هذه الخطورة العدوانية الجديدة، لتؤكّد أنها ستواجه هذا الأمر، انطلاقاً من مسؤوليتها الوطنية والقومية، وطالبت الرأي العام العالمي بالوقوف إلى جانبها لمواجهة هذا التطوّر الخطير الذي ستنعكس آثاره، ليس على المنطقة فحسب، وإنما على مجمل الأوضاع الدولية.
لقد طلبت الحكومة السورية عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي لمعالجة هذا الوضع الخطير، واتخاذ قرار بإلغاء الإجراءات الإسرائيلية، وفرض العقوبات على العدو الإسرائيلي تنفيذاً لميثاق الأمم المتحدة وقراراتها، مؤكدة أنها لن تدّخر جهداً من أجل الدفاع عن أرضها ومصالحها الوطنية والقومية.
وبناءً على طلب من سورية عقد مجلس الأمن الدولي اجتماعاً في 17 كانون الأول عام 1981، أصدر بعده القرار رقم /497/ الذي أكّد أن قرار “إسرائيل” فرض قوانينها وولايتها وإدارتها في مرتفعات الجولان السورية المحتلة ملغى وباطل وليس له أي أثر قانوني دولياً، وطالب “إسرائيل” بوصفها السلطة القائمة بالاحتلال بإلغاء قرارها فوراً، وقرّر في حال عدم امتثال “إسرائيل” لهذا القرار، أن يجتمع المجلس بصورة عاجلة في موعد لا يتجاوز الخامس من كانون الثاني عام 1982، للنظر في اتخاذ التدابير الملائمة، وفقاً لأحكام ميثاق الأمم المتحدة، وقد صُوّت على هذا القرار بالإجماع، ولكن “إسرائيل” رفضت القرار الأممي وضربت عرض الحائط بالشرعية الدولية، فعاود مجلس الأمن اجتماعه وأصدر في 28 كانون الثاني عام 1982، قراره رقم /500/ الذي أكد فيه ما جاء في القرار السالف.
واجتمعت الجمعية العامة للأمم المتحدة وتبنّت القرار رقم /272/ الذي أعلنت فيه أن قرار ضمّ “إسرائيل” للجولان السوري يشكّل عملاً عدوانياً بموجب المادة /39/ من ميثاق الأمم المتحدة، وأكّد قرار الجمعية العامة أن قرار “إسرائيل” باطل وليس له شرعية قانونية، ويجب عدم الاعتراف بكل الإجراءات الإسرائيلية في الجولان، كما أكّدت أن احتلال الجولان وقرار ضمّه إلى “إسرائيل” يشكّل تهديداً مستمراً للسلام والأمن، وقد استنكرت الجمعية موقف الولايات المتحدة الأمريكية باستخدامها حق النقض لإحباط قرار بمعاقبة “إسرائيل” على خلفية ضمّ الجولان، ودعت جميع الدول الأعضاء إلى الامتناع عن إمداد “إسرائيل” بالأسلحة وتجميد المساعدات العسكرية إليها، وتجميد التعاون معها، وقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية والثقافية أيضاً.
وكان القائد المؤسس حافظ الأسد قد أكّد أن قرار “إسرائيل” الجائر هذا مجرّد محاولة إسرائيلية فاشلة لتثبيت وتكريس احتلالها، وسيكون مصيرها الفشل طال الزمن أم قصر، فالجولان لن يكون إلا عربياً سورياً، وأكد أن: “الجولان ضمّ سابقاً على الورق، لم نهتزّ، ولم نشعر لحظة واحدة أن الجولان في أي وقت من الأوقات قد يحمل جنسية، إذا صحّت هذه الكلمة، غير جنسية الجولان السورية، ليس المهم أن يقرّر فلان أو أن تقرّر مجموعة مصير أرض وطنية، فالأرض الوطنية ستظل أرضاً وطنية ولن تكون إلا كذلك”.
وجدّدت الأمم المتحدة يوم الجمعة 11/11/2011 مطالبتها “إسرائيل” بالامتثال لقرارات الشرعية الدولية وإلغاء قرار ضم الجولان، وجاء ذلك خلال اعتماد “لجنة المسائل السياسية الخاصة وتصفية الاستعمار ـ اللجنة الرابعة التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة” مشروع القرار المعنون باسم “الجولان السوري المحتل”، حيث صوتت /159/ دولة لمصلحة القرار، في حين صوّتت “إسرائيل” وحدها ضده وامتنعت الولايات المتحدة وكندا وتسع دول أغلبها من الدول الجزرية الصغيرة عن التصويت.
وطالب القرار “إسرائيل” بإلغاء قرارها ضمّ الجولان على الفور، مؤكداً أن جميع التدابير والإجراءات التشريعية والإدارية التي اتخذتها أو ستتخذها “إسرائيل” بهدف تغيير طابع الجولان السوري المحتل ووضعه القانوني ملغاة وباطلة وتشكّل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي ولاتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب وليس لها أي أثر قانوني.
وطالب القرار أيضاً “إسرائيل” بالكف عن فرض الجنسية الإسرائيلية وبطاقات الهوية الإسرائيلية على المواطنين السوريين في الجولان السوري المحتل ووقف التدابير القمعية التي تتخذها ضد سكانه. وشجب القرار انتهاكات “إسرائيل” لاتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب مجدداً الطلب من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة عدم الاعتراف بأي من التدابير والإجراءات المخالفة للقانون الدولي التي اتخذتها “إسرائيل” في الجولان المحتل.
واللافت للانتباه في هذا العام أن عدد الدول التي صوّتت لمصلحة إلغاء القرار الإسرائيلي في تزايد مطرد، حيث أيّدت /38/ دولة ما يشير إلى الدعم الدولي الكبير الذي تحظى به سورية في استعادة الجولان المحتل كاملاً حتى خط الرابع من حزيران لعام 1967.
وقد أوضح أهلنا في الجولان المحتل بالأمس واليوم موقفهم للعالم من الاحتلال الإسرائيلي ورفضهم القاطع لقرارات الحكومة الإسرائيلية الهادفة إلى سلبهم شخصيتهم العربية السورية، وأن هضبة الجولان المحتلة جزء لا يتجزأ من سورية العربية، وأنهم ينتسبون إلى الجنسية العربية السورية التي يعتزون ويتشرفون بالانتساب إليها لأنهم ورثوها عن أجدادهم الكرام وأخذوا عنهم لغتهم العربية، كما ورثوا عنهم أرضهم الغالية، قاطعين عهداً على أنفسهم أن يبقوا أوفياء ومخلصين لما خلّفه لهم أجدادهم وعدم التفريط بشيء منه مهما طال زمن الاحتلال الإسرائيلي.
إن الوقائع على الأرض تثبت بعد ثلاثة عقود من القرار الإسرائيلي الجائر أن الجولان لن يكون إلا أرضاً عربية سورية، ستعود مهما طال الزمن إلى أصحابها وأهلها الشرعيين، وستبقى سورية بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد تعمل بكل تصميم وإرادة على استرجاع جميع الأراضي العربية المحتلة بما فيها الجولان المحتل مهما كثرت التحدّيات وعظمت التضحيات.