مجلة البعث الأسبوعية

من عبد الوهاب وفيروز وأم كلثوم إلى جوليا بطرس ومحمد عساف.. الفن في خدمة المقاومة.. أشهر الأغاني العربية التي كُتبت عن فلسطين

“البعث الأسبوعية” – لينا عدرا

كان الفن عموما، والغناء والموسيقى على وجه الخصوص، دائما في خدمة النضال والمقاومة. ومن قديم، عرفت الشعوب البدائية “طبول الحرب” التي تدق لتحفيز المقاتلين، أو لترهيب الأعداء، والجندي المقاتل، أو الثائر المقاوم، يظل بحاجة دائمة إلى شتى أنواع التحفيز: عقائديا وسياسيا وأخلاقيا، وأيضا فنيا، بالأغنيات الثورية والألحان الحماسية، ولم يعرف تاريخ المقاومة أن ثائرا ترك سلاحه وتخلف مع القاعدين لأنه استمع إلى أغنية.

ولم يكن الفن العربى المعاصر بعيدا عن القضية الفلسطينية، فالكثير من المطربين حرصوا خلال السنوات الماضية على دعم هذه القضية بالأغانى الوطنية التي تبث العزيمة والروح والتعبير عن مشاعر الأمة العربية تجاه فلسطين المحتلة، والتى يحلم بها الكثير من العرب بأن تصبح حرة في يوما ما.

وحثت الكلمات العرب على الإسراع بمواجهة المحتل: “أرى اليوم موعدنا لا الغدا”، وبأن الاستشهاد هو سبيل التحرير، و”قبل شهيدا على أرضها.. دعا باسمها الله واستشهدا”. ومنذ ذلك التاريخ، صار الغناء لفلسطين وشعبها واجبا فنيا محتما، يؤديه كل مطرب ومطربة، تجاه قضية العرب الأولى، وتضامنا مع شعب لم يستسلم أو يخضع أو يفرط في أرضه، رغم توالي السنوات والعقود.

والغناء لفلسطين وقضيتها ممتد في الزمان منذ إعلان قيام دولة الاحتلال وإلى اليوم، أي إنه قطع نحو 75 عاما، كما أنه غزير جدا، لكن من المؤكد أن الأغاني المكرسة لفلسطين تفاوتت في جودتها وبقائها ومدى تأثيرها، ومستوى استدعاء الجماهير لها. ولا ريب أن بعض هذه الأغاني مثلت محطات مهمة. ويدرك كل فنان عربي مدى التقدير الجماهيري لمساندة القضية الفلسطينية، وأن الغناء لفلسطين أو القدس يمثل واجبا عربيا لا يمكن تجاوزه. ولا نكاد نجد مطربا معاصرا شهيرا لم يقدم عملا أو أكثر لنصرة الشعب الفلسطيني أو التذكير باحتلال مدينة القدس.

 

عبد الوهاب.. “أخي جاوز الظالمون المدى”

فتح الموسيقار محمد عبد الوهاب باب الغناء لفلسطين وثوارها أواخر الأربعينيات، كأنه خط صفحة أولى في كتاب ضخم، توالت صفحاته ثم أجزاؤه جيلا بعد جيل، ولم يغلق حتى هذه اللحظة التي لم يعش الشعب الفلسطيني ولا الاحتلال الإسرائيلي مثيلا لها منذ قيام الكيان الغاصب. لكن صوت عبد الوهاب بقي في الصفحة الأولى، وله مذاقه الخاص، ووقعه الفريد.

فمع نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948، أصدر عبد الوهاب أغنيته الشهيرة “أخي جاوز الظالمون المدى”.. “وقبِّل شهيدا على أرضهـــا.. دعا باسمها الله واستشهـدا.. فلسطينُ يفدي حِماكِ الشبابُ.. وجلّ الفدائي والمُفتــدى.. فلسطين تحميكِ منا الصـدورُ.. فإما الحياة وإمــا الرَّدى”، لتصبح أول عمل غنائي يؤديه فنان له مكانة كبيرة مناصرة للقضية الفلسطينية.

اختار عبد الوهاب كلمات من قصيدة “فلسطين” للشاعر علي محمود طه، التي تحث على النضال والفداء، وتحث العرب على مواجهة الغاصب الذي يريد أن يسلبهم ما كان لهم من مجد وسؤدد، وتؤكد أن أحدا لن يلتفت إلى قضية العروبة إلا بـ”صليل السيوف”.

ثم جاءت “النكسة”، وضاعت فلسطين كلها، وكلما ظن العالم أن هذه القضية ماتت وطواها النسيان، استيقظ شعب ثائر، ليذكر الدنيا بأن “الغضب الساطع آت”.

 

فيروز.. “زهرة المدائن”

ربما كانت قصيدة “زهرة المدائن” التي شدت بها فيروز عام 1967، من أهم أغنيات القضية الفلسطينية، وهي بلا شك أهم عمل غنائي يخص مدينة القدس المحتلة، وأحد أجمل الأغاني التي يستمع إليها كثير من الناس بشكل يومي صباحا، ويرددونها على ألسنتهم ويحفظونها عن ظهر قلب. وتعتبر أغنية “زهرة المدائن” إحدى ذرى الأخوين رحباني، ومثال واضح لنزوعهم التجديدي الجريء. ومن الأغاني التي طبعت الذاكرة والروح العربية، وربطتها أكثر بالقدس وتاريخها ومقدساتها.

وتذكر عدة صحف فلسطينية أن فكرة الأغنية تبلورت عام 1964، عندما زارت فيروز القدس بالتزامن مع زيارة بابا الفاتيكان بولس السادس. وقد أدت فيروز الترانيم أمام البابا، في كنيسة القيامة، وفي كنيسة المهد في بيت لحم. تأخذ كلمات الأغنية ولحنها المستمع إلى مشاعر تختلف مع كل مقطع. شعور النداء من بعيد: “يا قدسُ.. يا قدسُ”. شعور الأسى والحزن: “الطفل في المغارة.. وأمه مريم.. وجهان يبكيان”. الصراخ في وجه العالم الصامت: “لأجل من تشردوا.. لأجل أطفال بلا منازل”. ثم انفجار الشعب المقهور لينتزع حقوقه: “الغضب الساطع آت.. وأنا كلي إيمان.. من كل طريق آت.. بجياد الرهبة آت”.

ويعود تاريخ الأغنية إلى ذكرى خسارة حرب 1967، وهي من غناء السيدة فيروز وكلمات وألحان الأخوين الرحباني. وجاء في كلماتها:

لأجلك يا مدينة الصلاة أصلّي

لأجلك يا بهيّة المساكن يا زهرة المدائن

يا قدس يا مدينة الصلاة أصلّي

عيوننا إليك ترحل كل يوم

تدور في أروقة المعابد

تعانق الكنائس القديمة

وتمسح الحزن عن المساجد

يا ليلة الإسراء يا درب من مرّوا إلى السماء

عيوننا إليك ترحل كلّ يوم.. وإنّني أصلّي

كما أنّ السيدة فيروز هي واحدة من أكثر الفنانين الذين قدموا أغاني عن فلسطين، مثل: “سنرجع يوما”، و”سيف فليشهر”، و”مريت بالشوارع”، و”بيسان”، و”يافا”، و”جسر العودة”، و”راجعون”، و”القدس في البال”، وغيرها. لم يغن مطرب أو مطربة لفلسطين قدر ما غنت فيروز، لكن بقيت أغنية “زهرة المدائن” في مكانة أيقونية لا تعرف المنازعة.

 

أم كلثوم.. “أصبح عندي الآن بندقية”

بعد نهاية حرب 1967 بعام واحد، كتب الشاعر نزار قباني قصيدة “أصبح عندي الآن بندقية”، وبالطبع ليس هناك أفضل من أم كلثوم لغناء هكذا قصيدة ثورية.

في العام التالي، لحّن الموسيقار عبد الوهاب القصيدة، وقدمتها أم كلثوم لتكون واحدة من روائع الأغاني التي تتحدث عن فلسطين.

وتقول الأغنية في كلماتها:

أصبح عندي الآن بندقية، إلى فلسطين خذوني معكم

إلى ربى حزينة، كوجه المجدلية

إلى القباب الخضر، والحجارة النبيَّة

عشرون عاما وأنا أبحث عن أرضٍ وعن هوية

أبحث عن بيتي الذي هناك

عن وطني المحاط بالأسلاك

أبحث عن طفولتي وعن رفاق حارتي

عن كتبي، عن صوري، عن كل ركن دافئٍ، وكل مزهرية

إلى فلسطين خذوني معكم يا أيها الرجال

أريد أن أعيش أو أموت كالرجال

 

عبد الحليم حافظ.. “المسيح”

تعتبر أغنية “المسيح” واحدة من نوادر عبد الحليم حافظ، والسبب هو أنها بقيت لسنوات طويلة ممنوعة من البث على الإذاعات العربية.

قدم عبد الحليم هذه الأغنية لأول مرة في قاعة ألبرت هول بلندن، وتحديدا بعد نكسة حرب 1967، وقد وصفتها آنذاك الصحافة العبرية بأنها أغنية “محرّضة”.

وهي من كلمات عبد الرحمن الأبنودي، وألحان الموسيقار بليغ حمدي.

وتقول الأغنية في كلماتها:

يا كلمتي لفي ولفي الدنيا طولها وعرضها

وفتّحي عيون البشر للي حصل على أرضها

على أرضها طبع المسيح قدمه

على أرضها نزف المسيح ألمه

في القدس في طريق الآلام.. وفي الخليل رنت تراتيل الكنايس

في الخلا صبح الوجود إنجيل

تفضل تضيع فيك الحقوق لإيمتى يا طريق الآلام

وينطفي النور في الضمير وتنطفي نجوم السلام

ولإيمتى فيك يمشي جريح.. ولإيمتى فيك يفضل يصيح

 

أغنية “الحلم العربي”

وتبقى أغنية الحلم العربي، التي غناها عدد كبير من الفنانين العرب، واحدة من أكثر الأغاني التي حُفرت في وجدان العرب، لا سيما أنها دعت إلى إقامة الوحدة العربية.

الأغنية صدرت عام 1998، ولكنها نالت شهرتها في عام 2000 عندما اقتحم وزير الحرب الإسرائيلي حينذاك، آرييل شارون، ساحة المسجد الأقصى، ما كان أحد الأسباب المباشرة لاندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.

وشارك في أداء الأغنية فنانون من كل الوطن العربي، أبرزهم: “الكويتي نبيل شعيل، والإماراتيان محمد المازم وأحلام، والقطري علي عبد الستار، والسوري نور مهنا، والسودانية سمية حسن، والمصريون غادة رجب وأنوشكا ومحمد الحلو وإيهاب توفيق، واللبنانيان وليد توفيق وديانا حداد، والأردني عمر عبداللات، والليبيان ناصر المزداوي وحميد الشاعري، والعماني ماجد المرزوقي، والتونسية ذكرى، واليمني أحمد فتحي، والبحريني أحمد الجميري”.

كتب الأغنية الكاتب والشاعر والطبيب مدحت العدل، ولحَّنها صلاح الشرنوبي وحلمي بكر وأخرجها طارق العريان.

وتقول الأغنية في كلماتها:

أجيال ورا أجيال هتعيش على حلمنا

واللي نقوله اليوم محسوب على عمرنا

جايز ظلام الليل يبعدنا يوم

انما يقدر شعاع النور يوصل لأبعد سما

ده حلمنا طول عمرنا حضن يضمنا كلنا كلنا

 

أوبريت “القدس هترجع لنا”

من أشهر الأغانى أيضا أوبريت “القدس هترجع لنا”، والذى كان وقتها يعبر عن انتفاضة كبرى بعد استشهاد الطفل محمد الدرة الذى قتله جيش الاحتلال الإسرائيلي في أحضان والده عام 2000 عن عمد، وشارك في الأوبريت مجموعة كبيرة من نجوم الفن منهم، محمود ياسين وهدى سلطان ونادية لطفى وأحمد السقا وأحمد حلمي ومنى زكي وفاروق الفيشاوي، ومدحت صالح وخالد عجاج ومحمد محيي وهشام عباس، وغيرهم، وهو من ألحان رياض الهمشري، وتوزيع حميد الشاعري.

 

جوليا بطرس.. “الحقّ سلاحي أنا فوق جراحي سأقاوم”

لم تستطع النجمة جوليا بطرس، اللبنانية الجنسية، وذات الجذور الفلسطينية الأرمنية، أن تبقى مكتوفة الأيدي إزاء العدوان والقتل والدمار والظلم اللاحق بالشعب الفلسطيني دفاعاً عن أرضه، فقّرّرت أن تبعث الأمل وأن تحّرك الأحاسيس وتشحن الهمم وتخرق جدار الضمير العالمي عبر إطلاقها أغنية لها بعنوان “الحق سلاحي”، التي كتب كلماتها نبيل بو عبدو، ولحّنها شقيقها الفنان المبدع زياد بطرس.

وقد حصدت هذه الأغنية تضامن وتعاطف الجمهور العريض الذي اعتاد على أغانيها الثورية التي تحث على المقاومة في وجه العدوّ المستبد وعلى شحن العنفوان والاباء في نفوس المناضلين والمظلومين، كيف لا؟ وهي التي غنّت للمقاومة “يا شعبي يا شعبي اليوم واقف”، ولأرض الجنوب اللبناني يوم كانت مغتصبة، فصدح صوتها وملأ الدنيا بكلماتها “غابت شمس الحقّ وصار الفجر غروب.. منرفض نحنا نموت قولولن راح نبقى..”، وهي التي غنّت أيضاً عقب عدوان تموز 2006 “من لوّث أرضي بدمائه قد رحل الآن قد هزم الآن قد هزم، انتصر لبنان”.

اختارت جوليا بطرس أن تُطلق أغنيتها “الحق سلاحي”، العام 2014، في وقتٍ كان يواجه قطاع غزة عدواناً إسرائيلياً وحشيا. صرخت جوليا بطرس بأعلى صوتها، فكانت أغنيتها هديّة لفلسطين.

تقول كلمات الأغنية:

“الحق سلاحي.. الحق سلاحي وأقاوم…

أنا فوق جراحي سأقاوم… أنا لن أستسلم لن أرضخ

وعليكِ بلادي لا أساوم… بيتي هنا.. أرضي هنا

البحر السهل النهر لنا… بيتي هنا.. أرضي هنا

سأقاوم…

عدوّك يا وطني اندحر.. عليك الكون ما قدِر…

قاوم شعبي جنون الريح.. تحدّى الخوف والخطر

يرحلون ونبقى.. والأرض لنا ستبقى

ها نحن اليوم أقوى..أقوى من كل الملاحم

بيتي هنا أرضي هنا… البحر السهل النهر لنا

وكيف بوجه النار أسالم… سأقاوم.

 

هانى شاكر.. “على باب القدس”

لم تقتصر انتفاضة فلسطين عام 2000 وقت استشهاد الطفل “محمد الدرة” على أوبريت “القدس هترجع لنا” فقط، لكن قدم الفنان هانى شاكر أغنية بعنوان “على باب القدس” وتكشف معاناة أهل فلسطين والقدس في مواجهة الاحتلال الصهيوني، والأغنية من ألحان الموسيقار حسن أبو السعود، ويقول في كلماتها:

كل المدن بتنام غرقانة في الأحلام

إلا عيون القدس صاحية ولا بتنام

كان صوت الحق بصرخة طفل في حضن الموت

تنهيدة أب في آخر نظرة وآخر صوت.

كاظم الساهر.. “يا قدس”

غنى القيصر خلال حياته العديد من الأغاني الوطنية للدول العربية، ولكنّ أغنية “يا قدس” تبقى واحدة من أبرز تلك الأغاني التي نالت شهرة واسعة، كونها متعلقة بفلسطين.

كتب كلمات الأغنية سعد العتيبة، ولحنها القيصر بنفسه، ويقول فيها:

يا قدس يا مدينة السماءِ، أراكِ في ثوبٍ من الدماء

يحيطُكِ الظلامُ يا حبيبتي، وكنتِ فينا منبع الضياء

ويغرسُ الباطل فيكِ نابهُ، فيستجيرُ الحقُّ بالفداء

 

آدم.. “عرب على ورق”

أما من الأغاني الحديثة عن فلسطين، فتعتبر أغنية اللبناني آدم، وهي واحدة من أجمل الأغاني التي لفتت إلى معاناة الشعب الفلسطيني، ليس ذلك وحسب، بل أيضا حملت العرب مسؤولية استمرار هذه المعاناة.

الأغنية أطلقها في عام 2009، ويقول في كلماتها:

أهذي قدسنا التي أعلنوها عاصمة للأعداء؟

أم أنها قدسٌ غيرها إنما تشابهت الأسماء؟

يا عربا على ورق، صرنا نحتاج لمجهر كي نرى عروبتكم

يا عربا على ورق، أفي جنازتها أعلنتم منها براءتكم؟

 

محمد عساف.. “دمي فلسطيني”

رغم أنه من الوجوه الجديدة على الساحة الفنية، فإن الفنان الفلسطيني محمد عساف دائما ما يحاول إبراز موهبته الغنائية من أجل دعم بلاده من خلال الأغاني الجديدة التي يقوم بإطلاقها. وتعتبر أغنية “دمي فلسطيني”، التي أطلقها عام 2015، من أبرز أغانيه، وهي من كلمات سليمان عساف، وألحان وائل الشرقاوي؛ ويقول في كلماتها:

على عهدي على ديني على أرضي تلاقيني

أنا لأهلي أنا افديهم أنا دمي فلسطيني

وقفنالك يا ديرتنا بعزتنا وعروبتنا

أرض القدس نادتنا

صوت أمي يناديني “فلسطيني فلسطيني”.