اقتصادصحيفة البعث

زورونا كل سنة مرة..!!

قسيم دحدل 

لماذا لا يتمّ السماح باستيراد اللحوم بأنواعها؟! سؤالنا هذا كان ردّ السيد وزير الزراعة عليه إيماءات ارتسمت على وجهه، وكأنه يقول: من غير المعقول ذلك، أتريد أن يهجر المربون عملهم إلى غير رجعة؟!.

لكن المفاجأة جاءت بعد حوالي أسبوعين، حين تمّ الإعلان عن فتح باب الاستيراد للعجول الصغيرة ليصار إلى تسمينها.. ومن ثم بيعها كلحوم للسوريين!.

لسنا ضد قرار السماح بالاستيراد، لكن توقيت القرار وواقع الأعلاف لناحية توفرها وأسعارها ومتطلبات التسمين (حيث يحتاج العجل لخلطة مركزة ومدروسة وعناية طبية.. إلخ)، لا يساعد على تأمين مادة اللحم، في نهاية العملية، بالتكلفة والأسعار المنافسة التي تتناسب واستطاعة أغلب السوريين، مقارنة مع مستوى الدخول وتراجع القوة الشرائية للعملة الوطنية إلى حدود كبيرة انعدمت معها كلّ خيارات سلتنا الغذائية “اللحمية”!!.

توقيت ومتطلبات تسمين وتكلفة!! في وقت يؤكد “مربو اللحوم” أنهم يخسرون حالياً نظراً لتكلفة التربية المرتفعة جداً لغلاء الأعلاف، خاصة وأن العجل أو الخروف في الشتاء لا يزيد وزنه نتيجة البرد، بعكس الصيف، ولا يزيد وزنه بمقدار ما يتناول من الطعام، لذا يصبح مصروفه زائداً. في مقابل تأكيد الجمعية المختصة باللحوم أن استيراد اللحوم المجمّدة سيؤدي إلى خفض مهمّ في الأسعار يبلغ نحو 100 ألف ليرة للكغ.

وعليه، إذا كان كلغ العجل القائم -مثلاً لا حصراً- يُباع بسعر 5500 ليرة، وكلغ الهبرة الصافية منه بـ14 ألفاً، عام 2020، فكيف والحال اليوم مع وصول سعر كلغ هبرة العجل إلى نحو 170 ألف ليرة وأكثر، مقابل متوسط دخل لا يتجاوز الـ150 ألف ليرة لذوي الدخل المحدود ممن توسّعت قاعدة أعدادهم بتوسّع الغلاء عامودياً وأفقياً خلال الثلاث سنوات الأخيرة؟!!.

تصريحات جمعية اللحامين في دمشق، والتي تعود للعام 2020 أيضاً، كانت أكدت أن نسبة 40% من السوريين، آنذاك، لم يكونوا قادرين نهائياً على شراء اللحوم، وأن ما بين 20 إلى 25% منهم كانوا قادرين جزئياً على شرائها، لكن بكميات قليلة وعلى فترات متباعدة، أما من كانوا يستطيعون شراء اللحوم فكانوا النسبة الباقية التي تختلف داخلها نسبة الاستهلاك وفقاً لإمكاناتها المادية أيضاً. استناداً لذلك، تصبح المقارنة مع ما وصلت إليه أسعار اللحوم حالياً في غاية الخطورة وسط العديد من المؤشرات التي تؤكد انخفاض نسبة المستهلكين لها إلى أكثر من الثلثين مقارنة بالعشر سنوات الماضية!!.

في ضوء ما سبق، كم كنا نأمل لو تمّ السماح باستيراد اللحوم دون تحمّل عناء ومخاطر التربية وتكاليفها، اعتباراً بالمثل القائل: “شراء العبد خير من تربيته”!.

ولعلّ ما يدعم طرحنا الواقع المتردي لقطاع تربية الحيوانات، وعلى رأسه تربية الدواجن، الذي لا يكاد يوم يمرّ دون أن نسمع ما ينغص عملية إنعاشه، وفي الآن معاً ينغص معيشة السوريين، بعد أن تلاشى أي بصيص أمل في تحسّن واقع هذا القطاع وعودة لحم الفروج إلى موائدنا، حيث أصبح ذلك مجرد أحلام يقظة، والسبب عدم استطاعة حكومتنا، ووزارتها المعنية، حلحلة مشكلات القطاع الأهم غذائياً وصحياً واقتصادياً.

ومع اقتراب موسم الأعياد، لا يكاد بيت يخلو من عمليات حسابية معندة، لعلَّ وعسى يكون بالمستطاع استضافة “فروج مشوي” فقط على مائدة احتفالية رأس السنة، التي سيودع السوريون فيها “لحومهم” على أنغام أغنية “زورونا كل سنة مرة.. حرام تنسونا بالمرة.. حرااام”!!.

Qassim1965@gmail.com