مجلة البعث الأسبوعية

متعاملون: قرار التحصيل الإلكتروني لفواتير الاتصالات “متسرع” و”الاتصالات” لا تمانع تعديله أو إلغاءه بناءً على نتائج المرحلة التجريبية

دمشق – رامي سلوم

على الرغم من أهميته في تعزيز الدفع الإلكتروني، وزيادة نسبة الشمول في اعتماد الدفع الإلكتروني من قبل المستخدمين، شكل قرار الشركة السورية للاتصالات بوقف خيار التسديد النقدي للفواتير عبر المراكز الهاتفية، و”إلزام” المتعاملين بسداد فواتيرهم عبر أقنية الدفع الإلكتروني، إرباكا لشريحة واسعة من المتعاملين، ممن لا يملكون كفاءة استخدام الوسائل الرقمية.

هذا بالإضافة إلى الآلية المجتزئة للتسديد التي اعتمدها الشركة، والتي تتطلب وجود مبالغ مالية في الرصيد المصرفي “إن وجد”، أو إيداع المبالغ في حسابات تطبيقات مشغلي خدمات الاتصالات، عبر الأجهزة الخاصة أو مراكز خدمة المشغلين “سيريتيل” و”أم.تي.إن”، ما لا يختلف كثيرا عن آلية التسديد المباشر للفواتير، خصوصا أن تلك الأجهزة أو مراكز الخدمة لا تتوافر بصورة مقبولة في المدن، وتختفي نهائيا في الأرياف.

ومن جانبه، أكد مدير التحول الرقمي في وزارة الاتصالات والتقانة تامر تامر، أن قرار وقف التسديد النقدي، سيحفز شريحة واسعة من المتعاملين على الإندماج في آليات الدفع الإلكتروني.

وأوضح إن الوزارة ستدرس بدقة تأثيرات تطبيق القرار خلال المرحلة الأولى أو التجريبية، وستعمل على تعديله بناء على نتائج الدراسة في حال إضراره بالمتعاملين، أو تشكيله أعباء إضافية عليهم، لافتا إلى أن الهدف الرئيسي للدفع الإلكتروني هو تسهيل معاملات المتعاملين، وتعزيز الشمول المالي في الدولة، وتحقيق انتقال سلس ومرن للمرحلة المقبلة من استراتيجية التحول الرقمي، في التوجه للخدمات التفاعلية.

وفي التفاصيل، تجاهلت الشركة السورية للاتصالات في قرارها إلزام المتعاملين بتسديد فواتير الشركة، الهاتف الأرضي، والأنترنت، عبر وسائل الدفع الإلكتروني، واقع العدد الفعلي للحسابات المصرفية، وعدم حصول غالبية المشتركين على حسابات مصرفية فاعلة ومهيئة للدفع الإلكتروني، ما لا ينسجم مع آلية القرار، خصوصا أن تأثيراته تشمل جميع المشتركين، حتى من الأحداث الذين لا يمكنهم فتح حسابات مصرفية.

وبناءا على مناقشة موضوعية للقرار، عملت عليها “البعث الأسبوعية” مع فئات اجتماعية متنوعة، فقد كان من الأجدى العمل على تفعيل حسابات الرواتب الخاصة بالموظفين والمتقاعدين، لتتوافق مع متطلبات الدفع الإلكتروني، كمرحلة أولى لمحاولة تعميم الدفع الإلكتروني، الذي لا نختلف على أهميته وفاعليته المستقبلية.

وأشار المتعاملون إلى مسألة غاية في الأهمية، وهو المهلة التي أتاحتها الشركة لتطبيق القرار، والتي ستؤدي في حال الاستجابة الكاملة للقرار لوجود طوابير على مراكز خدمات البنوك لفتح الحسابات المصرفية التفاعلية، خصوصا أن الحصول على بطاقة مصرفية لاستلام الراتب أو الأجر التقاعدي يتطلب أسابيع عمل، وتسديد مبالغ مالية إضافية.

وبالإضافة لواقع الحسابات المصرفية، تبرز مشكلة تطبيقات مشغلي خدمات الاتصالات الخاصة بالدفع الإلكتروني، والتي لا تتوافر أجهزتها في مناطق كثيرة خصوصا الأرياف، التي لا تحظى بوسائل نقل متواترة، وهو ما سيؤدي لتكبد المشتركين عناءً وكلفاً إضافية تزيد على قيمة الفاتورة نفسها.

كما تجاهلت الشركة في السياق نفسه، واقع ضعف القدرة الشرائية للمواطنين، وعدم قدرتهم على إيداع مبالغ كبيرة تكفيهم السداد لعدة أشهر، فقد كان بعضهم يعمد إلى الطلب من أحد “الأقرباء” تسديد الفاتورة في المركز وقت تسديد فواتيره الخاصة، الأمر الذي اختلف كليا بفعل واقع خدمات الإنترنت غير المتوافرة على مدار الساعة، وانقطاعها المتواصل، وارتباطها في غالبية المناطق بالتيار الكهربائي لتشغيل المقاسم.

واعتبر المتعاملون، أن القرار سيزيد أعباء سداد الفواتير، وسيؤدي لفتح سوق جديدة وتربح غير مشروع لبعض الأشخاص الذين سيتقاضون مبالغ مالية إضافية لتسديد فواتير المشتركين غير القادرين على التعامل مع متطلبات الدفع الإلكتروني، لافتين إلى أنهم في حال اضطرارهم لإيداع رصيد شهري يدويا في البنوك أو أجهزة مشغلي الاتصالات، فإن الأمر لن يختلف عن السداد المباشر في مراكز الاتصالات إلا من حيث الإرباك من حالات عدم توافر شبكة الإنترنت، أو شحن الجوالات أو غيرها من المنغصات الخاصة بقدرتهم على فهم وتنفيذ العمليات الرقمية.

ويعزز الدفع الإلكتروني واقع الموارد البشرية ويسمح بتدويرها وتفعيلها في أمور وتفاصيل عملية خاصة بجودة الخدمات، وتسريع العمليات الأخرى وإنجازها، كما يحقق معايير الشمول المالي، ونقل السيولة من النقدية إلى الإلكترونية، والمنافع الكبيرة لذلك على الاقتصاد الوطني، في حال تم تطبيقه بالآلية السليمة.

وفي هذا السياق يؤكد تامر، أن جميع خيارات الدفع الإلكتروني أصبحت متاحة لدى المتعاملين، مبينا أن غاية القرار هو تحقيق صدمة إيجابية، والدفع باتجاه الاندماج في آلية الدفع الإلكتروني، غير أنه من الممكن اللجوء لخيارات جديدة في حال عدم ملائمة القرار الحالي لقدرات المتعاملين، على الرغم من تحديد آليات سهلة وبسيطة للقيام بعمليات الدفع الإلكتروني.

وأشار تامر، في إطار رده على أحد الطروحات والخيارات المقترحة،  إلى أنه من الممكن إلغاء القرار بعد الدراسة، والمرحلة التجريبية، والعودة إلى افتتاح عدد من المراكز، والتي تحصل رسوما إضافية على السداد المباشر، مقابل مجانية السداد الإلكتروني وذلك بهدف جعل خيار الدفع الإلكتروني الأكثر تحفيزا وتنافسية لدى المتعاملين، بوصفها واحدة من المقترحات البديلة والتي لم يتم اعتمادها أو تبنيها بعد.

وأكد تامر، أن المرحلة الجديدة من استراتيجية التحول الرقمي، هي مرحلة الخدمات التفاعلية، التي ستقدم خيارات كثيرة للمتعاملين للحصول على معاملاتهم، بسلاسة، وبعملية واحدة في بعض الأحيان، والتي تتطلب تعزيز واقع الدفع الإلكتروني وقدرة المتعاملين على التعامل مع الوسائل الرقمية.

ولفت تامر، إلى أن عملية الانتقال إلى الرقمنة تتطلب تجهيزا، وتعويدا للمتعاملين على استخدامها، كون الخدمات الرقمية يتم بناءها أساسا لتحقيق خدمات أفضل وأكثر سهولة للمتعاملين، ويعد الدفع الإلكتروني لفواتير الاتصالات إحدى تلك الوسائل لإدماج المتعاملين في الواقع الجديد، وتمكينهم من الاستفادة من الخدمات الواسعة التي يقدمها الانتقال الرقمي.