دراساتصحيفة البعث

توقعات مايكل هدسون لعام 2024

هيفاء علي

قدّم الخبير الاقتصادي الأمريكي مايكل هدسون تقييماً للوضع الاقتصادي والسياسي في العالم والتطوّرات المحتملة للعام الجديد 2024.

وأشار إلى أنه إذا أراد الأمريكيون أن يكونوا مبتكرين، فمن الأفضل لهم الانتقال إلى الصين أو روسيا أو إيران أو إحدى دول بريكس التي تعمل على تطوير نموّها الاقتصادي، مضيفاً: يمكن اعتبار الاقتصاد الأمريكي اقتصاداً مفلساً، والولايات المتحدة دولة فاشلة، وكذا الأمر بالنسبة لأوروبا التي اعتبرها دولة فاشلة لأنها سمحت لنفسها بأن يديرها مخططون أميركيون من الليبرالية الجديدة الذين يتعاملون معها كما تعاملوا مع روسيا في التسعينيات.

لذا يتعيّن على الأمريكيين الذهاب إلى حيث يكون النمو في المجالات التي تهمّهم، مبيّناً أنه ربما يشهد العالم انعكاساً لحركة الهجرة العالمية إلى العالم الجديد، حيث يتجهون إلى العالم الجديد، وهو شرق آسيا وروسيا شمالاً.

وفيما يخص أوروبا، أوضح هيدسون أن أوروبا ستكون قارة ضائعة خلال العقد المقبل، ولن تكون قادرة على إنقاذ نفسها، لأنها لم تبذل أيّ محاولة للقيام بذلك، ومردّ ذلك هو اعتقاد الزعماء الأوروبيين أنهم يجب أن يعتمدوا على الولايات المتحدة للحصول على الدعم الشخصي، فضلاً عن ثرواتهم الشخصية وحتى حريتهم الشخصية، مضيفاً: على المدى الطويل، أي لبقية القرن الحادي والعشرين، ستجد الشعوب والدول الأوروبية خلاصها الذي لن يأتي من أوروبا، بل من الصين، وروسيا، ومجموعة بريكس بلس، وأوراسيا، جنباً إلى جنب مع الجنوب العالمي، الذي يسعى إلى تحقيق أجندة اقتصادية وسياسية مختلفة تماماً.

وأردف: العالم سوف ينقسم إلى قسمين، وسيكون هناك الاقتصاد النيوليبرالي والمالي والمخصخص لحلف شمال الأطلسي وأوروبا والولايات المتحدة من ناحية، وهو ما يسمّيه جوزيف بوريل حديقة الزهور، ومن ناحية أخرى، سيكون هناك الغابة التي تنمو وتتطوّر.  وبالتالي ستكون الغابة هي آسيا وشرق آسيا وجنوب آسيا وروابطها مع إفريقيا والبرازيل، والبطاقة الجامحة هي، بطبيعة الحال، من سيسيطر على الشرق الأوسط.

في السياق، لفت هيدسون إلى أن البديل للأنموذج النيوليبرالي الأمريكي اليوم هو أنموذج الاقتصادات المختلطة، وهو يرى أن الصين وروسيا تتبعان النمط نفسه الذي اتبعه العالم أجمع قبل الحرب العالمية الأولى. ففي بداية القرن العشرين، كانت هناك الرأسمالية الصناعية الأمريكية، وكانت هناك الرأسمالية الصناعية الألمانية، مع قطاع عام نشط للغاية، وقد اعتمد كلا البلدين على الاستثمار العام في الطرق، والسكك الحديدية، والقنوات، والأنظمة المدرسية، والأنظمة الصحية، من أجل تقليل تكاليف المعيشة، وتكلفة ممارسة الأعمال التجارية، ومنع تطوّر الاحتكارات التي من شأنها كسب المال دون إنتاج أي شيء. ولكن كل هذا انتهى بالحرب العالمية الثانية، حيث تحوّل القتال ضد الاتحاد السوفييتي إلى صراع ليس فقط ضد الاشتراكية، بل أيضاً ضد فكرة الرأسمالية الصناعية التي بموجبها تعدّ البنية التحتية العامة المحرك الرئيسي للاقتصاد. واليوم يرى العالم أن الصين تتصدّر قائمة الدول التي تستخدم فائضها الاقتصادي ليس لخلق ثروة مالية، بل لتزويد نفسها بوسائل إنتاج ملموسة: السكك الحديدية والقطارات العالية السرعة والطرق وإنتاج السيارات والإنتاج الصناعي. إنه اقتصاد مختلط حيث يتم التعامل مع معظم الأموال كخدمة عامة، لذلك يمكن للحكومة أن تقرّر كيفية استخدام تلك الأموال. وسوف تقوم بإنشاء أموال لتمويل الاستثمارات في رأس المال الملموس وتمويل التوظيف في السلع والخدمات الحقيقية، كبناء المنازل ومباني المكاتب والبنية التحتية والموانئ والسفن والقطارات والسكك الحديدية. هذا هو السبب في أنهم يخلقون المال. أما في الولايات المتحدة، فيقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي، والبنوك المركزية في أوروبا، بإنشاء الأموال في المقام الأول للمصالح المالية لشراء الشركات الصناعية القائمة والبنية التحتية وإغلاقها، والأنموذج بالنسبة لأوروبا الغربية هو شركة المياه ” ثامز ويتر” في إنكلترا، وهي شركة تمّت خصخصتها، وبدلاً من توفير المياه النظيفة ومعالجة المياه الملوّثة، تستخدم الأموال التي تتلقاها فقط لدفع أرباح للمستثمرين، دون القيام بأي استثمار. وينتهي الأمر بتلويث المياه، وفقدان الكثير منها بسبب التسريبات، وهي الكارثة التي تعترض إنكلترا، مضيفاً: إن هناك قصصاً مماثلة عن الولايات المتحدة.

وأضاف: خلال 10 سنوات، أو على الأرجح خلال 20 عاماً، ماذا يحدث عندما ترى أوروبا الغربية والولايات المتحدة كيف تعمل الصين وروسيا وإيران ودول بريكس الأخرى على زيادة مستويات معيشتها وإنتاجيتها؟ وسوف يكونون بالنسبة للغرب ما كانت أميركا تمثله بالنسبة لأوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. أما اليوم فقد انقلب الوضع، حيث ستتطلع الولايات المتحدة وأوروبا إلى روسيا والصين لمعرفة كيفية تقليدهما، وكيف ستحصلان على السلع الفاخرة الروسية والصينية؟ فبدلاً من شراء الجينز الأزرق الأمريكي والسجائر كما فعلوا بعد الحرب العالمية الثانية، سوف يرغبون في شراء المنتجات الصينية والروسية والآسيوية، والمنتجات الشرق أوسطية أيضاً. ومن الواضح أنه عند نقطة معينة، قد يقول العامة بل مجتمع الأعمال أيضاً، لأنفسهم: إذا أردنا كسب المال، فسيتعيّن علينا الانضمام إلى هذا النظام الاقتصادي المتوسّع بدلاً من البقاء في النظام الاقتصادي المتدهور في الولايات المتحدة وأوروبا. عادة قد يتصوّر المرء أن البلدان تتصرّف دائماً بما يخدم مصالح طبقات الأعمال الرئيسية فيها، ولكن هذا لم يحدث في أوروبا، ولا في الولايات المتحدة، وهذا هو الحال في آسيا بسبب الطريقة التي تخلق بها الحكومات سوقاً للشركات لتحقيق الأرباح من خلال توسيع الاقتصاد بدلاً من إغلاقه وحجزه للنخب الغنية.