مجلة البعث الأسبوعية

كرة القدم السورية في عام .. إجراءات عديدة وتحركات كثيرة والنتائج لا تلبي الطموح

ناصر النجار 

الامتحان الأهم والبطولة الكبيرة التي يخوضها منتخبنا الوطني الأول على الصعيد القاري حالياً، وستكون كرتنا بعدها على المحك، والجميع ينتظر عمل المدرب الأرجنتيني هيكتور كوبر وعمل اتحاد كرة القدم.

وصاحب التحضير للبطولة الكثير من العثرات وهناك العديد من الإيجابيات، وهذا نذكره من باب الانصاف، ولعل إحدى العثرات استبعاد المهاجم عمر السومة ولاعب الوسط محمود مواس بقرار فني من المدرب، ولن يكون تقييمنا للمنتخب من باب هذا الاستبعاد فإن نجحوا فنقول إن هذه الخطوة كانت بمحلها وإن فشلوا نقول العكس، فتقييم المنتخب لا يتم بهذه الطريقة، لكننا نتحدث من باب أخلاقيات المهنة أنه يجب إخبار لاعبينا من باب الوفاء ليس أكثر، وخصوصاً أن اللاعبين المستبعدين كانوا طوال السنوات السابقة عنصرين فاعلين في المنتخب وإخراجهما بهذه الطريقة فيها شيء من قلة الوفاء والاحترام والتقدير، وكم من منتخب عربي وعالمي كان يحتفظ بمثل هؤلاء اللاعبين وخصوصاً في مثل هذه النهائيات الكبرى تكريماً لهم وقد يتفق معهم على اعتزال يليق بهم، مع الإشارة إلى أن كل المبررات التي ساقها اتحاد كرة القدم أو المدرب كوبر غير مقنعة ولا يجوز التسليم بها، لكننا ما زلنا لا نقيم لنجوم رياضتنا وكرتنا أي احترام وخصوصاً عندما يصلون إلى مرحلة الاعتزال.

إيجابيات ومحترفون

من الإيجابيات التي حصلت تعزيز صفوف المنتخب خلال الأشهر الماضية بستة لاعبين محترفين من أصول سورية يلعبون في الأرجنتين وفي السويد، ونأمل ان تكون هذه الخيارات صحيحة وتصب في فائدة المنتخب الوطني، مع العلم أن السجل الذاتي للاعبين يبشر بالخير، لكن الأهم أن ينسجم اللاعبون مع بعضهم وأن يقدموا ما يرفع من شأن المنتخب في النهائيات الآسيوية.

بعيداً عن ميزان الموجب والسالب فإن اتحاد كرة القدم قدم لمنتخبنا خمس معسكرات في فترة هيكتور كوبر التي امتدت لتسعة أشهر، والمعسكر الأخير كان في الإمارات ولعب فيه منتخبنا مباراة مع منتخب قيرغيزستان وانتقل بعدها إلى الدوحة ولعب مع منتخب ماليزيا، وهاتان المباراتان لم نذكرهما لأنهما ضمن العام الجديد وحديثنا عن المنتخب هو حديث العام الذي مضى.

في المعسكرات السابقة لم يكن الرضا عن المنتخب كاملاً، فما زالت أسباب ضعفه قائمة ولم تستطع الأشهر السابقة وما فيها من معسكرات ومباريات أن تحل مشكلة الضعف الدفاعي (على سبيل المثال) ، ولم يستطع كوبر خلق شخصية معتبرة لمنتخبنا لأن الخسارة أمام اليابان بخماسية وصمة عار في سجل المدرب أكثر من أن تكون وصمة عار لكرتنا ومنتخبنا مع العلم أن اليابان لم تلعب بتشكيلتها المثالية لغياب عدد مهم من اللاعبين بسبب الإصابات وأمور أخرى، مع العلم أن كوبر نفسه وعدنا في المؤتمر الصحفي الذي سبق انطلاق التصفيات بشيء إيجابي، رغم أنه تحدث بخوف حذر عن المباراة مع المنتخب الياباني عندما وصف المنتخب الياباني بأنه منتخب عالمي، وهزم الكثير من المنتخبات العالمية في فترات التوقف الدولية السابقة في الأشهر القليلة الماضية.

فترة تجريب

كوبر وقع العقد مع اتحادنا الكروي في شباط الماضي وبدأ العمل اعتباراً من آذار بعد أن اختار طاقمه الفني ومن ضمنه المصري محمود فايز ومدرب الحراس عصام الحضري وغيرهم من أجانب وعرب، ومن جانبنا تم ضم المدرب الوطني غسان معتوق إلى الكادر، ولا شك أن الفترة الأولى ليست من إخراج كوبر لأنه لا يعلم شيئاً عن لاعبينا، فقدموا له مجموعة من اللاعبين ليطلع عليهم ويدربهم، وقيل (إعلامياً) إن كوبر يتابع كل صغيرة وكبيرة عن لاعبينا، ويشاهد مباريات الدوري، ومباريات اللاعبين المحترفين وهو جالس في منزله بالأرجنتين!

لذلك من الطبيعي أن تكون الأشهر التسعة السابقة هي أشهر اختبار للاعبين دون أن يستقر على تشكيلة ثابتة، وفي هذه الفترة رأى كوبر أكثر من ستين لاعباً على أرض الواقع، وفي كل مرة كان يستبعد قسم، ثم يعود ليستدعي من صرفهم وهكذا.

ولأن اللاعبين المحليين من وجهة نظره لا يخدمون المنتخب ولا يخدمون أفكاره، فإنه آثر البحث عن لاعبين محترفين من أصول سورية قد لا يكونون نجوماً لكنهم بالطبع أفضل من الكثير من لاعبينا المحليين.

لكن العقبة المهمة وضعها كوبر على بساط البحث في مؤتمره الصحفي قبل البطولة الآسيوية عندما قال: أيام الفيفا لا تخدم المنتخب، ولا تخدمني، فكيف أستطيع تمرير أفكاري في أيام قليلة؟ وألمح أيضاً إلى موضوع الانسجام في المنتخب بين اللاعبين، مضيفاً: موضوع الانسجام يحتاج وقتاً طويلاً لكي نحققه، وخصوصاً أن لاعبي المنتخب من دوريات مختلفة ومن مدارس كروية مختلفة، وكل ذلك ساقه المدرب في إطار تبريره بعدم تحقيق النتائج وتكوين شخصية وهوية جيدة للمنتخب، وقد يكون معه حق في كل ما ذكر.

لا شك أن كوبر مدرب عالمي محترف يعرف ما يريد ويعرف أين سيصل، لكن هل كرتنا محترفة، وهل القائمون عليها محترفون، وهل نملك مقومات الاحتراف ووسائل التطوير؟

معسكرات عديدة

المعسكر الأول لمنتخبنا كان في آذار في البحرين ولعب فيه مباراتين ففاز على تايلاند 3/1 وخسر أمام البحرين بهدف نظيف، ثم أقام معسكراً ثانياً في الشهر السادس في فيتنام لعب فيه مباراة واحدة خسرها أمام منتخب فيتنام بهدف نظيف، بعدها في الشهر التاسع أقام معسكراً في الصين فتعادل مع ماليزيا بهدفين لمثلهما وفاز على الصين بهدف وحيد.

المعسكر التالي كان في الإمارات في الشهر العاشر ولعب فيه منتخبنا مع المنتخب الكويتي وخسر بهدفين لهدف.

وانطلقت في الشهر الحادي عشر التصفيات المشتركة لكأس العالم 2026 وكأس الأمم الآسيوية 2027، ففاز منتخبنا على منتخب كوريا الديمقراطية بهدف في لقاء لم ينل الإعجاب رغم الفوز، ثم خسر بقسوة أمام اليابان بخماسية نظيفة.

بعيداً عن النتائج أو المستوى الذي قدمه المنتخب في كل المباريات فإن الاضطراب وعدم الاستقرار كان سمة منتخبنا، فاللاعبون الذين تمت دعوتهم للمنتخب فاق عددهم الخمسين لاعباً، وقد يكون الأمر هين من باب التجربة والاختيار والوقوف على إمكانية اللاعبين بشكل مباشر، لكن الغريب في الأمر أن هناك لاعبين استدعوا وبعدها استبعدوا ثم تمت دعوتهم مرة أخرى، وهذا يدل على أمر غريب، فإما هذا اللاعب مقبول للمنتخب أو إنه غير صالح لذلك.

فوضى المنتخب

عندما تستعرض موضوع المنتخب لا بد لنا من العودة إلى الوراء قليلاً لندرس أحوال المنتخب والأرضية التي كان يعمل عليها، والدراسة التي أمامنا تمتد من النهائيات الآسيوية السابقة حتى النهائيات الآسيوية الحالية لنجد أن هذه السنوات الأربع مملوءة بالفوضى والتخبط والاضطراب، ولم نحصد من هذه الفترة إلا الخيبة والنتائج المحزنة والفشل ببلوغ المراتب العليا أو تحقيق النتائج الجيدة أو الظهور بمظهر مشرف وهو أضعف الإيمان.

على صعيد المدربين مرّ على المنتخب بحدود عشرة مدربين محليين وعرب وأجانب إضافة إلى طواقمهم، وكان منتخبنا يضم (كوكتيل) من الكوادر الفنية باختصاصات متعددة، إضافة للكوادر الإدارية المختلفة المتغيرة على الدوام، وأغلب هؤلاء من فنيين وإداريين استفادوا من المنتخب، والمنتخب لم يستفد من هؤلاء بشيء، ونذكر من هؤلاء المدربين الرئيسيين: فجر إبراهيم وأيمن الحكيم وغسان معتوق وحسام السيد ونزار محروس، ومن العرب التونسي نبيل معلول، ومن الأجانب الروماني تيتا والألماني شتانغة والأرجنتيني هيكتور كوبر.

ولعل أسوأ فترة كانت فترة حسام السيد عندما ابتدع ما يسمى منتخب المحليين وقاد المنتخب في سبع مباريات خسرها جميعاً مع منتخبات من القارات الأربع، وفضلاً عن هذه الخسارات فإن منتخبنا لم يقدم ما يوحي لنا بمنتخب يمارس كرة القدم على أصولها وله سمعته ويملك هوية وشخصية كروية محترمة، إضافة لذلك خسر منتخبنا الكثير من رصيده النقطي على مستوى التصنيف الآسيوي والدولي، كما خسر سمعته على الصعيد العربي والآسيوي، وللأسف خسرنا مع كل دول الجوار حتى لبنان وفلسطين صار من غير الممكن التغلب عليهما، وتبين لنا فيما بعد أن الغاية لم تكن من هذا المنتخب إعداد منتخب رديف للمنتخب المحترف لأن الغاية كانت سياحة وسفر وصرف الكثير من الأموال المجمدة دون حسيب أو رقيب، وكأن الواجب تبديد هذه الأموال في أمر لا يعود بالفائدة على منتخبنا وكرتنا.

سياحة وسفر

في الشأن الإداري بات المنتخب الأول قبلة سياحية مهمة لأصحاب المناصب الرفيعة في اتحاد كرة القدم، وهذا الكلام لا يخص اتحاداً بعينه بل كل الاتحادات المتعاقبة بما فيها اللجان المؤقتة، ودوماً يتم تبديل مدير المنتخب من باب المداورة بين أعضاء الاتحاد، مع اختراع تسميات ومناصب شرفية عديدة ليسافر مع المنتخب أكثر من عضوين، وللأسف باتت هذه السياحة تنسحب على كل المنتخبات بكل الفئات ذكوراً وإناثاً، فكل منتخب له رئيس بعثة ومدير منتخب ومشرف، فضلاً عن مجموعة من الإداريين بتسميات مختلفة.

وبعيداً عن أعضاء الاتحاد فإن الموظفين وخصوصاً من المقربين بات لهم حصص من هذه السياحة لدرجة أن كل موظف سافر أكثر من عشر سفرات في العام الواحد، فضلاً عن قرارات الايفاد لاتباع الدورات والبرمجيات وما شابه ذلك، وأكثر من سافر من هؤلاء أعضاء المكتب الإعلامي وكأن كرة القدم حكر عليهم، وفي هذا التصرف خطأ جسيم، فالإعلاميون الذين يتبعون لمؤسسات إعلامية رسمية من حقهم أن يسافروا مع منتخبات بلدهم، فكما تريدون من الإعلامي أن يغطي أخباركم ومسابقاتكم، من حقهم أن يتابعوا المنتخبات عن قرب، لا أن يبقى هذا الشرف محصوراً بعدد محدد من إعلاميي الاتحاد، كون اتحاد كرة القدم لا يثق إلا بموظفيه الإعلاميين لأنهم كاتمي الأسرار، ويخشى من الآخرين أن يسربوا شيئاً من الأخبار لا يفضل أصحاب الشأن أن تتسرب!

المشكلة مع وسائل الإعلام مشكلة لا تنتهي لأن أصحاب الشأن لا يعترفون بالنقد البناء الإيجابي ولا يحبذون التحدث عن العثرات والأخطاء، بل يريدون كل ذلك مدفوناً تحت التراب، لذلك فإن اتحاد كرة القدم دائماً على خلاف مع وسائل الإعلام التي تتحدث في سلبيات العمل كما تتحدث عن إيجابياته.